ارتفاع المازوت رسمياً لن «يفرمل» أسعار السوق السوداء.. وتجربة الليرة خير شاهد!
لم يصمد استقرار سعر ليتر المازوت عند مستويات الـ 15 ل.س زمناً طويلاً، حتى ارتفع بمحصلة أربعة قرارات حكومية بنسبة 133% بأقل من عام، تاركاً السوريين في متاهة البحث عن المازوت.
فالحكومة تسعى –نظرياً- من وراء قرارها هذا إلى تخفيض سعر المازوت في السوق السوداء، والتخفيف من «أعباء» الدعم الحكومي المفترض عن أحد أبرز بنود المشتقات النفطية، ولكن السؤال: هل سيتوفر المازوت بعد هذا الارتفاع؟! وهل ستنجح الحكومة في تخفيض اسعار السوق السوداء؟! وهل التطاول على سعر المازوت كان تعبيراً عن «انحشار» الحكومة في زاوية نقص الموارد؟! وهو ما أرادت الحكومة تحميله للمواطن على اعتباره الحلقة الاضعف!! وهو ما سيضعف القدرة الشرائية للسوريين مهما حاول البعض إنكار ذلك!!
المازوت.. والليرة
للحكومة الحق في سوق التبريرات التي تريد، إلا أن من حق السوريين أيضاً، وضع تساؤلاتهم وعلامات استفهامهم على هذا القرار أولاً، ومحاسبة الحكومة على تبريراتها التي سيسقطها الواقع في المستقبل القريب ثانياً، فما أثبته الواقع لا يجب الجدل فيه، فنحن ندعي أن المازوت دخل مستنقع بورصة السوق السوداء، ليس وحده بل سبقته الليرة السورية من قبل، والتي تهاوت بشكل مريب أمام الدولار، وأصرت خلالها الأوساط المصرفية الرسمية على الحديث عن ضرورة رفع سعر الصرف لكي يوازي السوق السوداء، وبما يعبر عن حقيقة سعر صرف الليرة أمام الدولار، والذي افترضه البعض عند حدود الـ 70 ل.س، وما حصل في الواقع، أنه عندما كان الدولار بـ 50 ل.س بالسعر النظامي، كان يباع في السوق السوداء بـ 70 ل.س، وبعد أن ارتفع السعر بالسوق النظامية إلى 80 ل.س تقريباً، ها هو الدولار يباع بـ 100 ل.س في السوق السوداء، أي أن رفع سعر صرف الدولار بالسوق النظامية لم ينجح في تخفيض سعره في السوق السوداء، بل كان محفزاً على زيادة السعر في تلك السوق، كما أن القطع الأجنبي لم يتوفر بأيدي طالبيه رغم كل ما شهده من ارتفاع، وهذا يدفعنا للتساؤل: ألم تفشل تلك التجربة في تحقيق أهدافها كما نظّر لها بعض الحكوميين؟! أم أنها ناجحة بنظرهم؟! والدولار لم يصل إلى 200 ل.س بعد!! ألن يكون مصير المازوت مشابهاً لليرة السورية في هذه الحالة؟!
شرعنة الاستغلال
المازوت سيلقى مصير الليرة، وهذه ليست دعوة للتشاؤم، وإنما ما حصل مع الليرة يدعو لمثل هذا الاستشراف المعتم، لأن أصحاب القرار الاقتصادي، يسعون لتعميم التجربة الفاشلة على صعيد الليرة على أكثر من مجال اقتصادي، وذلك تحت عباءة مقولتهم الشهيرة «المهم أن تتوفر المادة مهما كان سعرها»، وفي هذا شرعنة لكل الاستغلال الذي يمارس بحق السوريين على امتداد مساحة البلد، ونسألهم: من سيتمكن من شرائها في هذه الحالة؟! ومن هي الشريحة التي ستوجه إليها في حينها؟! ومن الذين ستسمح لهم قدرتهم الشرائية بامتلاك تلك المواد الأساسية؟! وتأمين حاجتهم منها!!
رفع سعر ليتر المازوت لم ينعكس إيجاباً على زيادة المعروض منه في الأسواق حتى الآن، بل إن الأزمة بقيت على حالها في أحسن الأحوال، إن لم نقل أنها أسوأ من السابق، وجولة بسيطة في شوارع دمشق تؤكد هذه المعطيات، فالقضية لا تتعدى كونها مجرد محاولة لرفع سعر أسهم المازوت في بورصة السوق السوداء، والمؤشرات الأولية لا توحي بنتائج إيجابية كما افترض هؤلاء، فالقرار لا يمكن تصنيفه إلا في خانة استمرار السياسات الليبرالية التي انتهجتها الحكومات السابقة..
موارد ضائعة بدهاليز الفساد
الإيرادات ليست في حسابات الحكومة كما تدعي، والقضية هي تقليل حجم الدعم المقدم على المادة، وكأن ذلك التخفيف لن ينعكس في زيادة الايرادت بالمحصلة النهائية، أو تخفيف الأعباء عن الخزينة العامة، فمنذ شهر أيار من عام 2012 بدأت سلسلة ارتفاعات المازوت بالتدحرج، وفي حينها، اتخذت الحكومة قراراً برفع سعر ليتر المازوت من 15 ليرة إلى 20 ليرة، ليليها في شهر تموز من العام ذاته، رفع السعر إلى 23 ليرة، ورفعته منذ شهرين إلى 25 ليرة، وصولاً لرفع السعر إلى 35 ل.س بالقرار الحالي، ولكن كم ستحقق تلك الزيادات من إيرادات مالية؟!
الزيادة الأخيرة بأسعار المازوت ستحقق إيرادات سنوية إجمالية تصل إلى 75 مليار ليرة، أي أن الخزينة العامة سترتاح من دعم يقدر بهذا المبلغ، على أن يبتلى المواطن بالنتائج، ولكن لا بد من سؤال الباحثين عن الموارد، لِمَ «جيبة» السوريين هي المخرج الوحيد لتمويل الخزينة العامة؟! وأين أنتم من سلسلة الموارد الضائعة في دهاليز الفساد؟! فأين أنتم من مكافحة الفساد الضريبي الذي تقدر فاتورته بـ 200 مليار دولار؟! وأين أنتم من الفساد الجمركي الذي يستنزف نحو 100 مليار ليرة؟! وأين أنتم من صفقات الفساد الكبرى في مؤسسات الدولة التي تسرق عشرات المليارات؟! إن لم نقل المئات منها!! وأين أنتم من الهدر السنوي في مؤسسات الدولة على شكل أذونات سفر وهمية للمسؤولين؟! وماذا عن بند مخصصات البنزين التي تزود بها سيارات جميع المدراء في تلك المؤسسات؟! والتي تذهب للترفيه الشخصي وليس لخدمة المؤسسة بالطبع!!.. وأين؟! وأين؟! وأين؟! والسلسلة التي لا تنتهي من موارد الفساد الضائعة مهما فنّدنا وعددنا..
ألا يشكل كل ذلك الفساد عبئاً وعجزاً على الموازنة العامة؟! ألا يجب تخفيفه أيضاً؟! فهل لهم أن يكشفوا لنا ما يخططون له على صعيد مكافحة الفساد؟! أم أنه خط أحمر من غير المسموح المساس به؟!
على الهامش
خطوة رفع سعر المازوت لم تأتِ في سياسة السعي لإيصال الدعم إلى مستحقيه الحقيقيين، فالحكومة ذاتها لم تتحدث عن ذلك، ولم نر أياً من اعادة التوزيع اساساً، ولم نسمع سوى تبرير حكومي واحد، هو العمل على تخفيف الاعباء عن الدولة والخزينة العامة، فإعادة توزيع الدعم على مستحقيه الذي يتحدث به البعض لتبرير هذا القرار بات في خبر كان..
ويتساءل مراقبون، هل القرار الحالي جاء مقدمة لتعبيد طريق تحرير المازوت أمام القطاع الخاص؟! والذي دخل على خط استيراد المشتقات النفطية؟! على ان تتلوه خطوات آخرى على هذا الصعيد، لكي لا يقال في المستقبل بالفارق الكبير بين السعرين!!..