نهج اقتصاد السوق الاجتماعي لم تقره الحكومة بل المؤتمر القطري العاشر.. اختراق سورية اقتصادياً مقدمة للاختراق السياسي
لم تقر حكومة العطري أو حكومة سفر أو الحكومات السابقة اعتماد نهج اقتصاد السوق الاجتماعي، بل إن المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي عقد في حزيران عام 2005، هو من أقر التحول إلى نهج اقتصاد السوق، وقد تضمن هذا القرار ضرورة مراعاة بعض الجوانب الاجتماعية.
الجوانب الاجتماعية
- الانتقال التدريجي وفق خطة زمنية محددة بعيداً عن الصدمات.
- استمرار دور الدولة في الحياة الاقتصادية بأسلوب أكثر حداثة وتطوراً والانتقال إلى لعب أدوار غير مباشرة في الحياة الاقتصادية.
- إعادة تأهيل القطاع العام الاقتصادي في القطاعات الاستراتيجية وفق خطة زمنية محددة وتوفير كافة الإمكانيات اللازمة لذلك.
- تخلي الدولة والقطاع العام تدريجياً عن بعض الأنشطة بعد إجراء دراسة اقتصادية لكل مشروع أو استنفاد البدائل المتاحة للاستثمار أو المشاركة في الإدارة مع المحافظة على حقوق العاملين.
- إلغاء جميع أشكال التقيد والحصر والحماية توفيقاً مع الاتفاقيات الثنائية التي وقعتها سورية مع بعض الدول واتفاقية منظمة التجارة الحرة العربية وكذلك اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.
- تعزيز نهج التعددية الاقتصادية وتقديم الدعم والتشجيع لكافة القطاعات.
مسؤولية من؟
إذاً المؤتمر القطري للحزب هو أقر اقتصاد السوق وليست الحكومة السابقة، ولست هنا في مجال تقويم هذه التجربة ونتائجها وانعكاساتها على الاقتصاد الوطني وعلى أكثرية الشعب السوري، لأننا مازلنا نعيش هذه النتائج الكارثية على كافة الأصعدة، وقد أشبع هذا الموضوع حديثاً، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا نحمل الحكومات السابقة مسؤولية نتائج اقتصاد السوق ولا نحمله للقيادة، أو لأطراف أخرى وافقت على اعتماد هذا النهج؟! أسأل ذلك لأن أكثر الذين يصرّحون ويكتبون عن نتائج اقتصاد السوق يتهربون من تحميل المسؤولية للقيادة، ويرمون المسؤولية على حكومة العطري وأدائها الاقتصادي، ولا أزال أذكر في أكثر من اجتماع لمجلس الاتحاد العام لنقابات العمال وبحضور بعض أعضاء القيادة القطرية ورئيس الحكومة والنائب الاقتصادي عبد الله الدردري وبعض الوزراء، كانت القيادات النقابية في المجلس تتحدث وبصراحة عن مخاطر تراجع الدولة عن دورها عن مخاطر الاندماج في الاقتصاد العالمي والشركات، وعن مساوئ تحرير التجارة وحرية حركة الأموال، وخطورة الخصخصة والعولمة وضرورة العودة إلى الاستثمار العام وإصلاح القطاع العام والبحث الجدي لمحاربة الفساد ونهب الوطن، وكانت أصوات المجلس ترتفع في حينها محذرة، وعندما يشعر النائب الاقتصادي بعجزه عن الإجابة وتقديم التبريرات كان يلتفت إلى أعضاء القيادة القطرية ويقول «نحن ننفذ تعليمات القيادة القطرية ولا نقوم بعمل إلا بتوجيهات القيادة»، وكان الصمت يلف الجميع إلا من بعض أصوات خجولة تقول إن الحكومة لم تنفذ توجيهات القيادة بالكامل، أي أنها أخذت اقتصاد السوق ولم تأخذ الجانب الاجتماعي، وكنا نتمنى ومازلنا من القيادة دراسة نتائج اقتصاد السوق وانعكاساته على الاقتصاد الوطني وعلى أكثرية الشعب السوري..
أين المحاسبة؟!
إذا كانت الحكومة قد انحرفت في أدائها كان يجب أن تحاسب، بل كان يجب أن يراقب أداؤها خلال سنوات من العمل باتجاه الليبرالية الاقتصادية لا أن تترك لتمارس تخريباً في الاقتصاد الوطني نحصد نتائجه الآن.
ويتحدث البعض وفي محاولة هروب من الواقع، ويقول إن النائب الاقتصادي كان يزين القرار ويزين الليبرالية الاقتصادية ونظام السوق على أنهما وحدهما يمكن أن يصلا بسورية إلى الرفاهية في سنوات قليلة وأنه عندما جاء كان مخلصاً لأن البلد كان يسير نحو الكارثة.
اختراق واضح
هل هناك سذاجة أكثر من ذلك، وفي كل الأحوال هو هروب من المسؤولية ومن الحقيقة، ولقد أنهكت حكومة العطري الاقتصاد الوطني، وأدت بأدواتها وأساليبها وسياساتها إلى اختراق عالمي للاقتصاد السوري، وفتحت البلد على مصراعيه أمام البنك الدولي وكافة المؤسسات المالية المشبوهة في كافة دول العالم، ولم تقم هذه المؤسسات بإنشاء مؤسسة إنتاجية واحدة، بل أقامت جيشاً من السماسرة ووكلاء الشركات الأجنبية والذين وصل عددهم في دمشق إلى 60 ألف مكتب سمسرة، وانخرطت بها مافيات المال والعقار والعلاقات المشبوهة، وكانت جوائز الترفية التي تقدم للطبقة العاملة عشرات المشاريع الإصلاحية للقطاع العام، وفشلت جميعها، وترك القطاع العام لمصيره بعد أن قدمت أبرز مؤسساته الانتاجية على الشركة والاستثمار.
لم تحاسب حكومة العطري عن أدائها، ولم تتم مساءلة القيادة من قواعدها عن اختراق سورية اقتصادياً مما سهل الاختراق السياسي الذي نعيشه الآن.