إذا كان هدف الإصدار النقدي استبدال التالف.. فما مبرر التعتيم الرسمي إذاً؟!
وأخيراً تأكدت عمليات طباعة عملة سورية جديدة في روسيا بعد سجال طويل أصرّت فيه المصادر الرسمية على النفي المتكرر، دون أن تكلف نفسها توضيح أهدافها المعلنة من وراء هكذا إجراء على أقل تقدير، ولكن بعد أن فاحت رائحة الأوراق النقدية الجديدة في الأسواق،
كان لا مفر من الاعتراف، حيث طلت المصادر الرسمية ذاتها لتشير إلى أن الهدف من وراء تلك العملية هو استبداله بالعملة المهترئة والتالفة، وهذا ما أكده أيضاً عدد من الخبراء الاقتصاديين، مطمئنين إلى أن لا انعكاس لهذا الإجراء على الاقتصاد السوري أو على معدلات التضخم، ولكن إذا ما بقي هدف العملة الجديدة في إطار الاستبدال فقط، وهذا ما لا يمكن حسمه بالتأكيد، فمن نفى إصدار عملة جديدة لشهور، لا نستطيع تصديق قوله، بان الهدف هو استبدال التالف فقط، ولذلك سنترك هنا مساحة للشك على أمل أن نصل إلى اليقين في الأيام القليلة القادمة..
تعتيم مريب
إذاً العملة السورية الجديدة ستدخل أسواق سورية قريباً، وقد يكون استبدال المهترئ أحد تلك الأهداف، ولكن أحداً لم يحدد لنا كمية الأموال التي جرت طباعتها، كما أن أحداً لا يضمن استعمال كامل الكمية في عمليات الاستبدال، وهذا التشكيك لا يأتي من فراغ، لأنه لو كان الهدف مجرد عملية استبدال لعملة مهترئة، فلماذا جرى التعتيم على هذا الإجراء لأشهر طويلة؟! فالصحافة كانت تسرب معلومات عن طباعة عملة جديدة والمصادر الرسمية تسرع إلى النفي، أليس في ذلك ما هو مريب وغريب في الوقت عينه، فلن نحسم أهداف ومبررات موضوع طباعة العملة الجديدة، ولن نفترض أن خيار الاستبدال هو الصحيح، أو أن الهدف منها هو تعويض العملة التي جرى تهريبها إلى خارج البلاد، ومعالجة النقص الحاصل في المعروض النقدي، ولكن ما دام لا تأثير للاستبدال على الاقتصاد الوطني، فما هي طبيعة النتائج المترتبة إذا ما طرحت هذه العملة الجديدة في الأسواق للتداول كعملة اضافية؟!
لا تغطية للإصدار الجديد
بالتأكيد لا تغطية للعملة الجديدة المطبوعة، فقيمة العملة ترتبط بعدة عوامل ومن أهمها الناتج المحلي الإجمالي للبلد وحالة الفائض في الميزان التجاري، وكلا الجانبين لا يبشر بالخير على هذا الصعيد، ولا يوحي بإمكانية طباعة عملة جديدة، فكيف ستتم تغطيتها إذا ما طرحت كمال إضافي للتداول، فالناتج المحلي لم يحقق نمواً خلال 15 عشر شهراً بالقيم الثابتة، وإذا ما تحقق نمو ما، فإن ذلك سيكون بالقيم الجارية حتماً، والناتجة بالضرورة على التضخم الحاصل خلال هذه الفترة، أما بالنسبة للميزان التجاري، فإنه ليس أفضل حالاً، فالميزان التجاري السوري خاسر منذ عدة سنوات، والعقوبات عمقت خسارته، لا لشيء، بل لأننا نستورد ما نحتاجه من بعض الدول دون أن نصدّر لها أي من منتجاتنا، وبشكل أخص الدول التي تفرض العقوبات على الاقتصاد الوطني، فنحن لا نصدر النفط الخام لأوروبا كما جرت العادة، والذي كان يؤمن كتلة نقدية أجنبية، بينما نستورد المواد الزراعية كالبطاطا مثلاً من السعودية على الرغم من كل العقوبات، ورغم أن العلاقة التجارية تسير في اتجاه واحد، فنحن نستورد فائض إنتاجهم دون أن يستوردوا من إنتاجنا، وهذا المثال يشير بالضرورة إلى استعصاء أزمة الميزان التجاري، وبالتالي، فإن لا تغطية حقيقية للكتلة النقدية المطبوعة حديثاً بإنتاج محلي نام، وعلى هذا ستترتب أثار تضخمية تترك نتائج سلبية على مجمل مكونات الاقتصاد الوطني..
آثار كارثية
انطلاقاً من فرضية غياب التغطية الإنتاجية للإصدار النقدي الجديد، والذي نضعه في إطار الفرضيات، لأن لا معلومات عن كيفية استخدامه، والأيام القادمة هي ستثبت هذه الفرضية أو تنفيها، فإن طباعة العملة بهذا الشكل ستؤدي إلى تدني قيمة العملة السورية أكثر من تدنيها الحالي، وستساهم في زيادة الأسعار مجدداً، وستؤدي بالتالي إلى انخفاض القيمة الشرائية للسوريين بشكل أكبر مما هو عليه الآن، وفي هذا كارثة على الاقتصاد الوطني وعلى المواطن السوري أيضاً، خاصة إذا ما كان هدف الإصدار النقدي هو تمويل عجز النفقات الجارية، التي تحدثت عنها بعض الجهات الحكومية في السابق، والتي أكدت أن لا موارد لتمويل كامل الإنفاق الجاري بأكمله..