الدعم الحكومي ... ضرورة وطنية و اقتصادية اجتماعية
الدعم سياسة عالمية تعد سياسة دعم الأسعار إحدى أهم السياسات التدخلية المهمة التي تنفذها الدولة في كثير من بلدان العالم المتقدم والنامي على حد سواء، والدعم السعري المتعارف عليه هو الفرق السعري بين الكلفة الاقتصادية للسلعة أو الخدمة وبين السعر الذي تقدم به هذه السلعة أو الخدمة،
والفروقات السعرية المتراكمة هي المبالغ التي تتحملها الجهة المقدمة لها، وهي عادة الحكومة من خلال موازناتها العامة، فأوربا على سبيل المثال كانت تدعم السياسات الزراعية العامة، ويمكن التمييز بين نموذجين لهذا الدعم، القديم، والذي كان مرتبطا بكمية الإنتاج من عام 1962 إلى عام 1992، وأضحى النموذج الجديد غير مرتبط بالإنتاج الزراعي وكميته، ويعتمد على دفعات مباشرة مبنية على أساس الإنتاج وأعداد الحيوانات لفترة مرجعية، فكل بقرة في هولندا مثلا تدعم شهريا بـنحو 5 دولارات أمريكية تدفع لصاحبها، أما دعم الخبز فهو معتمد في أغلب دول العالم النامي بسبب ارتفاع اسعاره عالميا.
إن سياسة كف يد الدولة عن ممارسة دورها الاجتماعي من خلال رفع الدعم عن المازوت والكهرباء والآن يجري الحديث في الصحافة عن الخبز، أو ربما الرز والسكر لاحقا أو التلويح بحجم تكلفته كمقدمة لإجراء كهذا، ومعالجة ثغرات الهدر المتأتية من أوجه الدعم المختلفة لسلة احتياجات المواطن السوري، كانت لها وما زالت آثار سلبية على المستوى المعاشي لجماهير الشعب، فهذا التوجه الليبرالي الذي اعتمدته الحكومة السابقة وفريقها الاقتصادي والتي استمرت بانتهاجه الحكومة الحالية، قد أدى إلى ازدياد الفقر، وتنامي أعداد العاطلين عن العمل، وازداد التضخم وحلقت الأسعار عاليا، على الرغم من هبوط سعر الدولار، والفاجعة الكبرى ستحل بحياة الجماهير الشعبية فيما لو رفع الدعم عن الخبز.
الدعم ضرورة
إن الدولة هي التعبير القانوني عن المجتمع، وهي تشمل الحكومة في مختلف إداراتها وتشريعاتها، والدولة هي أكثر المؤسسات الاجتماعية وأخطرها دقة، ففي استطاعتها -إذا كانت قوية- أن توجّه المؤسسات الأخرى، وتحقّق التناغم في ما بينها، أما في حال ضعفها، فيبرز التنافس بين المؤسسات المختلفة وتحاول كل منها – سواء أكانت قبيلة أو طائفة أو حزباً –فرض سلطانها على المجتمع، وأن تقوم مقام الدولة، جاعلة من القوة حقاً، إذاً لا بد من مؤسسة تنصهر فيها العناصر المشتركة بين مؤسسات المجتمع المختلفة، وهذه المؤسسة هي الدولة كما أن الدولة ليست كائنا مستقلا تصرف من جيبها «خزينتها» على الجماهير، بل هي بالأساس عقد اجتماعي ومتكونة أصلا من هذه الجماهير ـوخزينة الدولة هي خزينة هذه الجماهير، وثروات الدولة هي ثرواتها أيضا، وما على السلطة السياسية سوى أن تنظم شؤون المجتمع وتامين حاجات الناس المعيشية والاجتماعية، وعندما تصرف المبالغ الضرورية لتأمين حياتهم المعاشيةـ فهذا ضروري لأن هذه هي الغاية المطلوبة من وجودها.
إلى متى الحلول الترقيعية؟!
إن أحد أهم أسباب الأزمة التي تعصف بالوطن هو تردي الحالة المعاشية للجماهير الشعبية، فما من أزمة تم حلها بشكل جذري بل من خلال مسكنات مؤقتة لتعود وتتفجر لاحقا كتدني الأجور والفقر والبطالة، وقد بيَّن وزير الاقتصاد في تصريح أخير له أنه «لو قارنا مستوى أسعار السلع والخدمات في سورية مع دول الجوار، فإنها لا تزال منخفضة بالرغم من الارتفاع الذي طرأ على مستواها العام مؤخرا، لكن المشكلة تكمن عند مقارنتها بالرواتب والأجور وأصحاب الدخل المحدودـ، مؤكدا دور الدولة في رفع القدرة الشرائية للمواطن عن طريق زيادة الرواتب والأجور»، إن هذا التصريح الذي جاء من أهل البيت يستدعي فعلا اعادة النظر بمستوى الاجور لدينا، فمستواها في الاردن خمسة أضعاف الحد الادنى لها سوريةـ، وأربعة اضعاف مقارنة مع لبنان، وبدل أن يتجرأ أحد ويقول يجب إلغاء الدعم عن الخبز تحت أية يافطة كانت، فإن الوقائع تفرض على الحكومة أن ترفع الحد الأدنى للأجور من 4-5 أضعاف، وأن تعود لتمارس دورها الاجتماعي المفترض أن تقوم به من جهة تحفيز الاستهلاك، وأن تقوم برصد الاستثمارات المطلوبة لتحفيز الاستثمار وخصوصا في القطاعات الانتاجية «الزراعة – الصناعة» التي تتدهور حصتها من الناتج المحلي السنوي، والتي بدونها لا يمكن الحديث عن النمو وتراكم الثروة مهما كان رقمه مرتفعا وأن تنتبه إلى إحقاق العدالة في توزيع الثروة بين الأرباح والأجور التي ما زالت تميل لمصلحة الأرباح «25% أجور و 75% أرباح».