بصراحة: بالروح والدم.. رزق عيالنا أهم
تفجرت الأحداث في تونس والجزائر، وقبلها إضرابات العمال الواسعة في مصر، حيث ألقت الأحداث بظلالها على الساحة العربية سياسياً واجتماعياً، وطرحت تساؤلات كثيرة عن الأسباب الكامنة وراء نزول العمال والجماهير الفقيرة والعاطلين عن العمل إلى الشارع بكثافة وجرأة عاليتين، في المواجهة وطرح المطالب؟
الملاحظ في الأمر غياب القوى السياسية الحقيقية عن قيادة الإضرابات والاحتجاجات الشعبية والمشاركة الفعالة فيها، مع أنها تطرح في برامجها الدفاع عن حقوق الطبقة العاملة والفقراء، بل أخذت هذه الاحتجاجات طابعاً عفوياً في بدايتها عكسته الشعارات التي كانت ترددها الجماهير الغاضبة والمستاءة من أوضاعها المعيشية التي وصلت إليها نتيجة السياسات الليبرالية التي انتهجتها الحكومات على مدار عقود طويلة كانت نتيجتها زيادة غنى الأغنياء وفقر الفقراء، وغياب التنمية الحقيقية التي يمكن لها أن تحل أزمات البطالة وانخفاض مستوى المعيشة وتدني مستوى الصحة والتعليم وحرمان العمال من حقوقهم الاقتصادية والديمقراطية.
إن عدم إيجاد حلول حقيقية، بل على العكس تم اتخاذ إجراءات قمعية ولّدت ذلك الغضب العارم. لقد قلنا مراراً إن قطب الشعوب بدأ يبزغ، وبدأ يعبر عن مصالحه وحقوقه بأشكال مختلفة منها الإضرابات والاحتجاجات السلمية التي تواجَه غالباً بالعنف والقوة، مما يفاقم الأزمات أكثر فأكثر، ويجعلها عصية على الحل الحقيقي الذي يحقق مصالح الفقراء ومنهم الطبقة العاملة التي تكتوي دائماً بنار السياسات الليبرالية الجائرة التي اعتمدتها أغلب الحكومات كنهج أصيل لتطبيق سياساتها الاقتصادية وفقاً لتوصيات صندوق النقد والبنك الدوليين، تحت حجة تخفيض الدعم وتخفيض التكاليف التي تنفقها الحكومات لدعم المواد الأساسية التي تتطلبها الحياة اليومية للفقراء.
لقد جعلت تلك الاحتجاجات والإضرابات الكثير من القوى الاجتماعية الأخرى تساهم بدورها، كالمحامين والكتّاب والطلبة والسينمائيين، إلى جانب الطبقة العاملة التي أخذت تقود الشارع الآن من خلال نقاباتها التي بدأ دورها يتصاعد في قيادة الاحتجاجات الشعبية، وهذا بحد ذاته تطور مهم في سير الأحداث لما تتمتع به النقابات العمالية من مسؤولية ووعي تجاه مصالح العمال والمتعطلين عن العمل، والدفاع عن تلك المصالح التي هي جزء أساس من مهام النقابات العمالية.
إن خبرة الأحداث والمواجهات العمالية في كل أصقاع العالم، وخاصة في أوروبا، قد بينت شيئاً مهماً وهو أنه كلما كان التلاحم وثيقاً بين الطبقة العاملة والحركة النقابية، استطاعت الطبقة العاملة أن تحقق مطالبها أو تقترب من تحقيقها، لأن ذلك التلاحم يزيد من تعزيز الثقة بقدرة الطبقة العاملة على الدفاع عن حقوقها ومصالحها بمواجهة الرأسمالية المتوحشة التي عززت هجومها على مكاسب العمال وحقوقهم في ظل اختلال موازين القوى لمصلحة رأس المال، وأخذ هجومها يشتد أكثر مع تعاظم وتعمق الأزمة الرأسمالية وذلك بحرمان العمال واستلاب حقوقهم ومنها تخفيض أجورهم وتسريحهم من أماكن عملهم وتغير القوانين التي كانوا يحصلون بموجبها على الضمانات المختلفة، حيث جرى تمديد سنوات الخدمة إلى الـ65 عاماً بعد أن كانت ستين عاماً.
إن حصيلة ذلك الهجوم قد جعل العمال والنقابات الملتحمة معهم يخوضون معركة حقيقية ضد قوى رأس المال، والمعركة مازالت مستمرة ولن تنتهي بخسران مواجهة هنا أو هناك، بل الحركة العمالية والنقابية في كل مواجهة تكتسب خبرة ومعرفة في كيفية الدفاع والهجوم مجدداً، وفي كيفية التراجع حين يتطلب الأمر التراجع، وهذا ما نشهده في تعاظم وخفوت الحركات الإضرابية في أوروبا وفي مناطق أخرى من العالم.
إن تصاعد الاحتجاجات الإضرابية المطالبة بحقها في توزيع عادل للدخل وفي تنمية حقيقية وفي اجتثاث النهب الكبير والصغير منه، يحمّل كل ذلك القوى السياسية ومنهم الشيوعيون مسؤولية كبيرة في تسليح الطبقة العاملة والجماهير المحتجة بشعارات وبرامج وقيادة ميدانية تؤمن الوصول إلى نتائج تعبر عن المصلحة الحقيقية للعمال والفقراء في مواجهة قوى الرأسمالية المنفلتة من عقالها، والتي ترى الحل من وجهة نظرها، ومن أجل متابعة نهج النهب وتعزيز سيطرتها، هو بالهجوم على حقوق ومكاسب العمال، وبالمقابل فإن الطبقة العاملة وقواها الحية ترى بالاشتراكية حلاً حقيقياً لكل الأزمات المستعصية التي تواجه الشعوب، وذلك بتأمين توزيع عادل للدخل، وتحقيق النمو المطلوب، وتطبيق الديمقراطية وإعطاء الحريات التي تمكِّن الشعوب من التعبير عن رأيها ومصالحها.