«تسعير جزء».. تراجع عن الحدود المطلوبة والأهداف الموضوعة
تعهدت الحكومة في الشهر السادس من عام 2013 الماضي، على لسان نائب رئيس مجلس الوزراء في حينها، بتطبيق التسعير الإداري على نسبة 80% من السلع، واعتبر في حينها أن التسعير قد أصبح ضرورة تشق طريقها على الرغم من معارضة «ليبراليي جهاز الدولة» والذين يرون في التراجع عن تحرير الأسعار وحرية السوق «عودة إلى الوراء»
وهم في الحقيقة يعكسون بهذه المقولة مصلحة المستفيدين من التحرير أي قوى السوق الكبرى، حيث تشكل سياسات التسعير الإداري الواسعة والصارمة والتي ضبطت ارتفاعات الأسعار الكبرى في أزمة الثمانينيات، رجوعاً إلى الوراء بالنسبة لهم فهي تقلص من إمكانيات فرض أسعارهم وتحصيل أرباح احتكارية..
اليوم اختصر التسعير الإداري بتحديد هوامش ربح، وضعتها وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، لبضعة سلع رئيسية، والقانون لا يستطيع حتى الآن أن يلزم أحداً من التجار بتطبيقها..!
تحديد هوامش الأرباح.. حد أدنى مرفوض من التجار!
أنجزت لجنة التسعير في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك جزءاً من مهمتها، مسعرة عدداً من المواد الغذائية وغير الغذائية، معتبرة أن ما تم اختياره من مواد للتسعير يندرج ضمن المواد الهامة والضرورية للمستهلك السوري، فتناولت في سياستها الجديدة: الأدوات الكهربائية والسجاد والموكيت والالكترونيات وأدوات المطبخ غير القابلة للكسر، إضافة للألبسة الجاهزة المستوردة والمصنعة محليا، وغيرها العديد..
تحديد الربح شمل الجميع
وحول موضوع التسعير والأسس المعتمدة فيه، وعن هوامش أرباح الحلقات التجارية كافة الداخلة في عملية إيصال السلعة سواء كانت مستوردة أو منتجة محليا، إلى المستهلك النهائي، أجاب مصدر مطلع في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك عن تساؤلات (قاسيون) قائلاً:
إن سياسة التسعير التي تعمل الوزارة على تطبيقها، تقوم على أن يتم تحديد أسعار المبيع لكافة حلقات الوساطة التجارية (منتج أو مستورد، تاجر الجملة، موزع، بائع مفرق) للسلع المشمولة بقرارات التسعير، من قبل الجهات المخولة بتسعيرها استناداً لتكاليف الإنتاج أو الاستيراد الفعلية، مضافاً إليها هوامش الربح المقررة والنافذة أصولاً، في كل قرار.
ويتم إصدار صك التسعير من الجهة المخولة بالتسعير، متضمناً السعر لكافة حلقات المتعاملين بالمادة.
وأكد المصدر، إن كافة القرارات الصادرة مؤخراً عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، تصب في إطار عملية التسعير الإداري، وصولاً إلى إلغاء تحرير الأسعار من تحديد هوامش ربح وهو ما كان متبعاً في الفترة السابقة، خاصة إذا علمنا أن 85% من السلع الموجودة في السوق كانت محررة، ولم يكن هناك قانون أو جهة قادرة على ضبط السوق، بل كان خاضعا لقانون العرض والطلب، الذي تبين في وقت لاحق عدم جدواه، وضعف تأثير المنافسة بين التجار على خفض الأسعار، فضلاً عن الظروف الاستثنائية والعقوبات الاقتصادية، المفروضة على سورية، وما أدت إليه من خلل في سعر صرف الليرة السورية، وبالتالي إتاحة الفرصة أمام المستغلين من التجار لرفع أسعارهم لأضعاف مضاعفة، متذرعين بارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي، ومنتهزين فرصة ضعف الدور الحكومي في ضبط السوق، بسبب سياسة تحرير الأسعار.
دوريات الرقابة أداتها الأساسية
أما عن آليات وأدوات وزارة التجارة المتاحة لمراقبة وضبط السوق..
فتملك مديريات التجارة الداخلية وحماية المستهلك في المحافظات كافة، جهازاً رقابياً ممثلا بدوريات حماية المستهلك، التي تقوم بجولات دورية على الأسواق، وتنقسم إلى قطاعات متعددة، فضلاً عن سعي الوزارة ومديرياتها لتفعيل الشكاوى، وحث المواطنين على الإبلاغ عن أي مخالفة بحقهم سواء كانت بغش المادة المباعة أو زيادة سعرها، أو عدم الإعلان عنه وغيرها من ممارسات مخالفة للقانون وتستوجب العقوبة.
ويعاقب التاجر الذي يقوم ببيع سلعة بسعر زائد أو الذي يمتنع عن الإعلان عن السعر بالغرامة المالية التي تصل إلى 10 آلاف ليرة سورية، فضلاً عن تشديد العقوبة في حال الإحالة للقضاء.
مخالفات بالجملة
وفي قراءة مبسطة لطبيعة الضبوط المنظمة في أسواق دمشق وريفها، يتبين أن معظم المخالفات المرتكبة تندرج تحت عنوان عدم الإعلان عن السعر والبيع بسعر زائد، مقارنة بأنواع المخالفات الأخرى المذكورة في القانون.
كشف تقرير صادر عن مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك بريف دمشق، أن عدد الضبوط التي تم تنظيمها خلال شهري تشرين ثاني وكانون الأول الماضيين، بلغ 1521 ضبطا، وتم سحب 840 عينة، كانت منها 367 عينة مطابقة للمواصفات، وظهرت 65 عينة مخالفة، بينما لم تظهر نتائج 408 عينة.
كما نظمت المديرية 689 ضبطاً تموينياً في شباط الماضي، منها 339 ضبطاً عدلياً و350 ضبط عينة.
أما مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك في دمشق، فنظمت 9 ضبوط لعدم الإعلان عن الأسعار، و5 لعدم الإعلان عن بدل خدمات، كما تم سحب 15 عينة لمواد غذائية وغير غذائية، خلال الفترة بين 20 -23 شباط الماضي.
القرارات لم تلق ترحيب التجار
ومن جهة ثانية، تلخص رد الفعل من الفعاليات التجارية على قرارات التسعير الإداري، بالاعتراض وتوجيه الاتهام لتلك القرارات بأنها غير منطقية وغير قابلة للتطبيق الفعلي، مطالبين الوزارة بالتراجع عن قراراتها أو تعديلها أحياناً، مؤكدين أن المنافسة وحدها قادرة على تخفيض الأسعار في السوق، خاصة مع عدم استقرار الظروف المحيطة بعملية الاستيراد، سواء لناحية تأمين قطع أجنبي أو تأمين النقل وتكاليفه المرتفعة، فضلاً عن معاناتهم في إيجاد مستودعات لبضائعهم المستوردة، بسبب الأحداث الأمنية في عدد من المناطق الأساسية لتلك المستودعات.
وفي المقابل، منحت وزارة التجارة الداخلية التجار مهلة شهر، من تاريخ صدور قرار تسعير السلع التي يتعاملون بها، لتصريف البضائع التي تم شراؤها أو استيرادها بسعر مرتفع، على أن تبدأ المحاسبة في حال المخالفة بعد هذه المهلة!
«التكاليف المستورة».. شرعية
حددت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك نسبة 5% لتغطية التكاليف «المستورة» للتاجر السوري، الذي يتوجب عليه التقدم ببيانات التكلفة إلى الوزارة لتحديد هوامش الأرباح للسلع والمواد التي يتاجر بها. وكانت مصادر تجارية قد أشارت سابقاً إلى ارتفاع تكاليف الرشاوى الجمركية التي يدفعها التجار لتسريع دخول البضائع أو عدم التعطيل (وقد تكون للتغاضي عن مواصفات السلع المستوردة وجودتها أيضاً والمشاركة بتزوير بيانات كلفة الاستيراد من المصدر ورفعها وهذا ما لم يذكره المصدر التجاري بالطبع)، وارتفاع الكلف المفاجئة الناجمة عن ظروف عدم الاستقرار.
وفي هذا المجال، قامت غرفة تجارة دمشق، بعدة محاولات لإقناع وزارة التجارة برفع قيمة التكاليف المستورة، إلى 20 أو 30 % من قيمة البضاعة المستوردة، إلا أن الوزارة أصرت على رفض الفكرة، مبينة أنها على استعداد لدراسة كل النفقات والأخذ بها بعين الاعتبار، دون إضافة المزيد من النسب على النفقات المستترة وبما يزيد عن 5%.
وذكر كتاب الوزارة الموجه إلى غرفة تجارة دمشق إنه يتوجب على صاحب الفعالية التجارية، تقديم بيان التكلفة للنفقات غير الموثقة لديه، والتي يدفعها فعلياً ودون مبالغة أو شطط، إلى غرفتي التجارة والصناعة في المحافظة، لتصديق هذه البيانات من قبلهم أصولاً ومن ثم تقديمها إلى مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك بالمحافظة التي يتبع نشاط التاجر لها، ليتم دراستها أصولاً، مع أحقية الوزارة أو مديرياتها بالمحافظات، التدقيق بهذه النفقات المصدقة، ومدى واقعيتها، وفي حال الشك يتم إعادة دراستها.
وعلى الرغم من رفض الحكومة لتوسيع التكاليف المستورة، فإن مجرد أخذها بعين الاعتبار، هو «شرعنة» لجزء غير واضح من التكاليف التجارية والسماح للتجار بتحميلها للمستهلكين، بينما من المفترض أن تدخل كل التكاليف ضمن تبويبات قانونية محددة! وأن يوضع القانون على أساس القاعدة وليس على أساس الاستثناءات وتحديداً إذا ما كان الاستثناء هو مخالفات قانونية على الأغلب، أو مرتبطة بحالة عدم الاستقرار!