حول البرنامج الاقتصادي لحزب الإرادة الشعبية

حول البرنامج الاقتصادي لحزب الإرادة الشعبية

فيما يلي مجموعة من البنود تشكل إعادة صياغة وإضافات على بعض نقاط مسودة البرنامج الاقتصادي لحزب الإرادة الشعبية‫:‬

القطع مع أيديولوجيا الارتهان الاقتصادي للخارج

‫-‬ إن حل مشاكل الاقتصاد السوري المتراكمة يستوجب القطع الكلي مع إيديولوجيا «تحسين التنافسية‫»‬، التي ترى بخفض حصة العمال والفلاحين من الدخل الوطني ضرورة لإغراء واستحضار الاستثمار الأجنبي، وبتخفيض النفقات والاستثمارات الاجتماعية للدولة أمر لا مفر منه للحصول على التمويل الدولي الملغوم الذي تدفع الشعوب ثمنه أضعافاً مضاعفة عرقاً ودماً، كما أنها تؤدي إلى رهن الاقتصاد الوطني لتقلبات وأزمات السوق العالمية وقوى الربا الدولية عبر التحرير التجاري والمالي‫.‬
ولأن كان للاستثمار الأجنبي واسترضائه مكانة خاصة في الإيديولوجيا الليبرالية، تجدر الإشارة إلى أن العرض الكلي لتلك الإستثمارات على الصعيد الدولي لا يتناسب مع مايقابله من طلب، إذ أن معظم دول الطرف الرأسمالي المصابة بالفيروس الليبرالي تتنافس للحصول عليها، إذ تبين الاحصاءات أن ٧٥٪ من الاستثمارت الأجنبية تتركز بـ ١٠ بلدان فقط‫ (‬الصين، البرازيل، كوريا الجنوبية، الهند‫... ‬إلخ‫)‬، كما أظهرت الدراسات العلمية بأن هذه الاستثمارات الأجنبية لم تطأ أرض أي من تلك البلدان قبل أن تتجاوز مستوىً متقدماً نسبياً من التطور الصناعي والاقتصادي بالاعتماد على استثمارتها المحلية ودور الدولة المحوري‫.‬ كما أن نوعية هذه الاستثمارات بمعنى القطاعات التي تأتي إليها تتناقض مع الحاجات الموضوعية للاقتصاد الوطني إذ تتركز في القطاعات الخدمية والريعية، هذا عدا عن الآثار الكارثية لهذه الاستثمارات على الصعد الاجتماعية‫.‬ إذاً، إن اللهاث وراء استجلاب الاستثمارت الأجنبية هو سعي وراء السراب وقبض للريح، تحديداً في منطقة يعد الصراع فيها مع العدو الصهيوني صراعاً أساسياً وهو ما يدركه اللاهثون وراءها ولذلك يسعون، في السر والعلن، لتحقيق ‫«تسوية»‬ مع العدو الصهيوني على حساب حقوق شعوب منطقتنا‫.‬

أعلى نمو اقتصادي وأعمق عدالة اجتماعية

‫-‬ إن القطع مع هذه الإيديولوجيا يعني تبني رؤية اقتصادية تعيد مركز ثقل حل المشاكل الاقتصادية إلى موقعه الحقيقي أي إلى الداخل إلى الاقتصاد الوطني، عبر العمل على بناء قاعدة تراكم محلية حاملها الأساسي المنتجون المحليون، ومصادر تمويلها الأساسية من الاقتصاد السوري وأموال الفساد التاريخي داخل جهاز الدولة وخارجه‫.‬
‫-‬ يكثف حزب الإرادة الشعبية رؤيته الاقتصادية عبر شعار «أعلى نمو اقتصادي وأعمق عدالة اجتماعية»، فعدا عن انحيازه الثابت لجماهير الكادحين، أثبتت الوقائع الاقتصادية أن تحقيق مستويات متقدمة من العدالة الاجتماعية هو شرط لازم وضروري من أجل تحقيق نمو عالٍ وجيد ومستدام، وهو ما يعترف به اليوم معظم أعلام الفكر الاقتصادي الليبرالي‫.‬
‫-‬ مما يتطلب تحويل مركز ثقل الاقتصاد الوطني من قطاعات الريع الطبيعي (النفط) والخدمات والتجارة، إلى القطاعات الحقيقية المنتجة للثروة في سبيل تصحيح التشوه الهيكلي للاقتصاد، والذي انعكس في السنوات الأخيرة قبيل الأزمة بانهيار قطاع الزراعة وتراجع العديد من الصناعات والحرف‫.‬ إن تحقيق تحول في بنية وهيكلية الاقتصاد السوري يهدف إلى زيادة تنوع قطاعات الاقتصاد السوري وفي القلب منها قطاعا الصناعة والزراعة، بما يسمح برفع إنتاجيته الكلية كماً ونوعاً بهدف تحقيق الحاجات المادية والروحية للشعب السوري، وبما يرفع الاستقلالية النسبية للاقتصاد الوطني في تحقيق تلك الحاجات‫.‬
‫-‬  يكتسب القطاع الصناعي أهمية خاصة بما يمثله من حامل للتكنولوجيا الإنتاجية التي تشكل العامل الأساسي لرفع الإنتاجية العامة للاقتصاد وتقدم القوى المنتجة بشكل عام. فالصناعة بفروعها المختلفة قاطرة النمو الصحي للقطاعات الأخرى وضابطة إيقاعها‫.‬
‫-‬  ولئن كانت التكنولوجيا المتقدمة هي جوهر الصناعة، فتجدر الإشارة إلى أن انسداد الأفق التاريخي أمام النموذج التكنولوجي السائد المتناقض مع البيئة يشكل تحدياً وفرصة بالوقت نفسه. فمن ناحية، إن ضرورة تبني نموذج تكنولوجي يتوافق مع المحيط الحيوي ويتناغم مع الدورة البيئية تواجه مصاعب كبرى مشتقة من بنية النظام الرأسمالي ولا يمكن حلها بشكل نهائي إلا بتجاوزه، ومن ناحية أخرى تمثل مجالات التكنولوجيا والطاقة البديلة مجالاً استثمارياً بكراً وفي طور الصعود. إن إيلاء هذه المسألة أهميتها عبر استبدال الآلة المتناقضة مع المحيط الحيوي بالآلة المتوافقة معه عند الإمكان، وبالاستثمار في قطاع الطاقة البديلة، هو ضرورة اقتصادية وبيئية بالوقت نفسه‫.
‫-‬ إقامة مراكز بحث علمية حديثة ومتطورة مدعومة من الدولة على تواصل يومي وتعاون مع القطاعات الإنتاجية العامة والخاصة، حيث تعمل على التحديث التكنولوجي وحل المشاكل التقنية التي تواجهها، بالإضافة لضرورة إعادة تنظيم الفروع الجامعية وتحديداً منها الهندسية والزراعية والكيميائية وربطها بالإنتاج المادي وليس الربح النقدي، بحيث تكون مخرجات النظام التعليمي مدخلات عملية بناء القطاعات الإنتاجية والتحديث المستمر لقاعدتها المعرفية والتكنولوجية‫.‬
‫-‬ أثبتت جميع التجارب التاريخية، بما فيها تجارب دول المركز الرأسمالي في طور نشوئها، أن الطريق الإجباري والوحيد لتحقيق ماتقدم يقتضي دوراً قيادياً، قوياً وذكياً، للدولة في إدارة الاقتصاد والإنتاج، دوراً يتدرج من التوجيه عبر تحفيز وحماية المنتجين الخاصين، إلى الانخراط المباشر في عملية الإنتاج عبر القطاع العام، عاملاً على ضبط العلاقة والتناسب فيما بين القطاعات الإنتاجية، الزراعة والصناعة، وبينها وبين القطاع الخدمي‫.‬ كما أظهرت التجارب بأن الدور الاقتصادي للدولة لا يمكن أن يؤتي أكله بشكل قابل للاستمرار والتطور دون وجود نظام سياسي ديمقراطي شعبي يفعل قنوات الاتصال بين المجتمع وجهاز دولة ويضمن رقابته الفعالة عليه‫.‬
‫-‬ إن النسب الحالية لتوزيع الدخل الوطني بين رأس المال والعمل تشكل إحدى العقبات الأساسية في إطلاق الطاقات الإنتاجية للاقتصاد الوطني، الأمر الذي يستدعي دوراً فاعلاً ومستمراً للمجتمع والدولة في إعادة توزيع الثروة (الدخل الوطني) بين العمل ورأس المال بما يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية وبما يسرّع دورة رأس المال الإنتاجي والنمو الاقتصادي. مما يتطلب إقرار الحد الأدنى للأجور وتثبيت حد أعلى لها، على أن تتم مراجعتها فصلياً وتعديلها على ضوء تقلبات الأسعار، كما يتطلب إقامة نظام ضمان اجتماعي عادل لا يفلت من تطبيقه القطاع الخاص. إن هذه المسألة لايمكن أن تحل بشكل جذري دون إقامة نظام سياسي ديمقراطي يضمن حرية النقابات والفاعلية السياسية للمجتمع‫.‬

العلاقات الاقتصاية الدولية.

‫-‬ إن النظام الدولي الجديد يحمل في طياته تطابق إمكانية تحقيق البرنامج سابق الذكر مع ضرورته، فهامش المناورة منذ مطلع الألفية الثالثة يتوسع بشكل مطرد ومتسارع أمام الدول الساعية للانفلات من المدار الإمبريالي وتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي، الأمر الذي بدأ يعبر عن نفسه بتحالفات وتكتلات اقتصادية تقطع مع حقبة الثمانينيات والتسعينيات. إن تحول سورية إلى مكسر عصا وعقدة تظهير النظام الدولي الجديد، رغم كل آلام ذلك، ينطوي على فرصة تاريخية إذا ما أحسنت إدارة العلاقات الاقتصادية مع قوى المنظومة الدولية الجديدة‫.‬
‫-‬ إن العلاقات الاقتصادية الدولية  لسورية الجديدة يجب أن تصاغ بما يحفظ استقلالية رسم الاستراتيجيات وتنفيذ السياسات الاقتصادية، وبما يحفظ السيادة على أدوات التحكم بالاقتصاد والتأثير بمكوناته، مما يعني ضرورة تجنب الاتفاقات الاقتصادية مع دول المركز الإمبريالي ومؤسساته الدولية (منظمة التجارة الدولية، صندوق النقد الدولي، الشراكة الأوروبية المتوسطية.. إلخ)، التي تحولت إلى رافعة لسلب الشعوب ودولها السيادة على سياساتها الاقتصادية، إذ تتحول إدارتها إلى سلطات فوق وطنية غير خاضعة لـ«التحكيم الديمقراطي»، بالإضافة لكون هذه الاتفاقات منصات لفرض السياسات الاقتصادية الليبرالية بنسخها المختلفة‫. إن الاتفاقات الاقتصادية مع دول المركز الإمبريالي ليست إلا واحدة من مكونات النظام الاستعماري الحديث.‬
‫-‬ إذا، الانخراط اتفاقات اقتصادية كهذه يفرغ النظام السياسي من مضمونه ووظيفته، إذ يتم تحويل إدارة وظائف جهاز الدولة الاقتصادية، التي هي جوهر أي سلطة، إلى مستويات فوق وطنية خاضعة لسلطة الرأسمال الدولي. فالشراكة الاقتصادية مع الغرب الإمبريالي تجرد الدولة من مقومات وطنيتها وتحولها لوكيل محلي تابع لمؤسسات الرأسمالية الدولية، وهي بذلك تؤرض أي نظام سياسي ديمقراطي، إذا يصبح موضوع العملية السياسية برمته خاضعاً لسلطة فوق وطنية. وعليه فإن الوقف الفوري لعلاقات التبعية الاقتصادية مع دول المركز الرأسمالي ومؤسساتها باتجاه جعلها بالحدود الدنيا ليس مجرد ضرورة لتحقيق الحاجات المادية والروحية للشعب السوري وإنما ضرورة ديمقراطية تحفظ للنظام السياسي وظيفته، وضرورة وطنية تحفظ للدولة مقومات وجودها المادية‫.‬
‫-‬ في هذا السياق يبرز التوجه نحو دول الشرق والجنوب، كمفهوم اقتصادي - سياسي، كبديل حقيقي يتفوق على العلاقة مع الغرب الإمبريالي بكل المعايير، إذ أنه كفيل بتحقيق جميع متطلبات الاقتصاد السوري من معرفة وتكنولوجيا وأسواق.. إلخ بالتوافق والتناغم مع برنامج «أعلى نمو وأعمق عدالة»، الأمر الذي يستحيل تحقيقه عبر العلاقة مع الغرب الإمبريالي.
‫-‬ إن الدول الصاعدة والعائدة إلى المشهد الاقتصادي والسياسي الدولي كمجموعة البريكس وإن كانت رأسمالية الطابع ووثيقة الارتباط الاقتصادي بدول المركز الإمبريالي، فإن سلوكها في مجال العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولي ليس سلوكاً إمبريالياً يسعى لفرض نموذج اقتصادي‫- ‬اجتماعي وسياسي يخدم الرأسمال الدولي كما تفعل دول الغرب الإمبريالي. إذ تقدم هذه الدول نموذجا بديلاً  في كل مجالات العلاقات الاقتصادية التقليدية من تجارة وتمويل ومساعدات مع دول الطرف الرأسمالي، نموذجاً لا يتضمن فرض أي اشتراطات على إدارة الملفات الداخلية الاقتصادية منها أو السياسية‫. على أن حصة مجموعة البريكس من الإنتاج الدولي لعام ٢٠١٢ تجاوزت الـ٢٠٪ واستحوذت على مايقارب الـ١٧٪ من التجارة الدولية وذلك في عام ٢٠١٢.‬
‫-‬ تكتسي جميع مستويات التعاون والتكامل الاقتصادي مع دول المحيط في الشرق العظيم، على أساس تحقيق المصالح الاجتماعية للطبقة العاملة والفلاحين والطبقات المسحوقة والمهمشة، أهمية قصوى كضرورة موضوعية لتحرير الطاقات الكامنة للاقليم وللاقتصادات المكونة ومنها الاقتصاد السوري بهدف الانفلات من المدار الإمبريالي‫.‬

آخر تعديل على الثلاثاء, 11 آذار/مارس 2014 00:36