«جمارك» طرطوس: تخالف وتعرقل.. و«مرفؤها» لا يسأل!
بدأ منذ عام 2006 تجهيز مخابر متخصصة في مرفأي طرطوس واللاذقية لاختبار البضائع المستوردة، وعلى الرغم من تجهيز مخبر طرطوس بتكاليف فاقت 300 مليون ل.س، فإن العمل الجدي لم يبدأ بعد. أما السبب فلا يعود للتراخي والإهمال فحسب، وإنما قد يكون من ورائه مصلحة بعض الجهات بعدم تفعيل الرقابة الجدية على البضائع التي تدخل البلاد عبر البحر. هذا ما بينته زيارة «قاسيون» إلى «مخابر» مرفأ طرطوس التي نستعرض وقائعها ونتائجها في التحقيق التالي:
السيادة الوطنية.. تخترق اقتصادياً من حماتها!
مفهوم السيادة الوطنية، مفهوم معمم جداً ويستخدم رسمياً في الرث والثمين من المواقف والخطابات، ويستخدم في سياق التبرير والتغطية في بعض الأحيان، ولكنه قليلاً ما يستخدم اقتصادياً، على الرغم من ارتباطه الكبير بالظواهر الاقتصادية-الاجتماعية بمستوياتها المختلفة. فتدني الوضع المعيشي للأسرة السورية إلى حدود غير مسبوقة، وكذلك ارتفاع مستويات الفقر والبطالة والنزوح وغيرها جميعها ظواهر ذات بعد اقتصادي-اجتماعي وهي مس بالسيادة الوطنية بالمعنى العميق للكلمة. يستخدم المفهوم أيضاً بمعناه المباشر عند الحديث عن حماية حدود البلاد وتحصينها، ليعتبر اختراقها هو مس مباشر بالسيادة الوطنية، وهذا قول دقيق، ولكنه منقوص إذا لم يشر إلى الخرق الكبير لسيادة البلاد الذي يحصل عن طريق النشاط الاقتصادي وليس الأمني والعسكري فقط..
فـ "السمعة السيئة" للمنافذ الحدودية السورية، والجانب التجاري منها تحديداً أي عمليات تخليص البضائع، والقائمين عليها، تسبق الأزمة، ومستوى اليقين لدى الرأي العام بأن طريقة إدارة هذه المنافذ أصبحت واحدة من أهم موارد الفساد في البلاد لا تحتاج إلى تحقيقات وإثباتات، حيث تفضح نفسها الأدوية المزورة، والاسمنت المغشوش، والأطعمة الفاسدة، والزيوت المخلوطة، والمنظفات المسرطنة، وهي عينة من فضائح أسواق المواد المستوردة في عام 2013 فقط، بالإضافة إلى المواد المخدرة والأسلحة التي تتسع سوقها في الأزمات.
وللدخول في هذا الملعب الواسع الذي يرتع فيه الفساد المحلي الكبير بلا أي رقابة أو مساءلة أو تحقيقات تجري لصون السيادة الوطنية المنتهكة من جزء هام من حماتها، لا بد لنا أن نضيق الإطار وأن نذهب إلى الآليات والثغرات التي تسمح لهؤلاء باستخدام جهاز الدولة لمصلحتهم، وضد المصلحة العامة، وقد ذهبنا إلى أحد المنافذ الحدودية التجارية الهامة، وهو مرفأ طرطوس.
الكثير من الأقاويل تدور حول مرفأ طرطوس، وحول شحنات من مواد غير مرخصة تدخل، وحول ضعف عملية الرقابة، ولكن وجودها في الأسواق لا يثبت إدانة الشركة العامة لمرفأ طرطوس بالتحديد، لأن معابر الدخول متعددة هذا من جانب، ومن الجانب الآخر فالمرفأ بجهازه الإداري والإنتاجي المتنوع ليس المسؤول الأول عن عملية مراقبة واختبار البضائع الواردة، بل هو شريك في هذه المسؤولية التي تلقى بالدرجة الأولى على مديرية الجمارك العامة (التابعة لوزارة المالية)، والتي تقع مديريتها العامة في طرطوس في حرم الشركة العامة لمرفأ طرطوس (التابعة لوزارة النقل)، وذلك لتداخل أعمال الجهتين، ولكون مرفأ طرطوس أحد أهم المعابر التجارية والاقتصادية للبلاد.
إن عملية إثبات المخالفات تحتاج إلى "سلطة" حقيقية تتيح لجميع الجهات التعاون مع الصحافة، الجهات الرسمية في "مرفأ طرطوس" أبدت تعاوناً مع جريدة قاسيون وسمحت لنا بزيارة مفصلة لمديرية المخابر المركزية، على العكس من المديرية العامة لجمارك طرطوس وجهات أخرى تطلبها التحقيق، ولكن من خلال زيارتنا "للمخابر" المجهزة حديثاً ومقاربة الوقائع ظهرت ثغرات عديدة تجعل التساؤل التالي مشروعاً: لماذا تهمل الجهات العامة القادرة على ضبط المخالفات جدياً، وتترك مسألة عالية الحساسية كمراقبة واختبار المواد الداخلة إلى البلاد مسألة غير واضحة المعالم أو متعددة الجهات، وتقوم بعشوائية كبيرة في بعض الأحيان..؟! والجواب هو في مصلحة قوى الفساد الكبرى في تهميش عملية المراقبة والربح من المخالفات..
صدر المرسوم التشريعي رقم 20 لعام 2006 المتضمن إحداث المنافذ الحدودية البحرية ومن ضمنها مديرية المخابر المركزية في مرفأي اللاذقية وطرطوس، المديرية مسؤولة عن تحليل العينات العائدة للبضائع الواردة والمصدرة من وإلى المرافئ، ومطابقتها للمواصفات القياسية السورية أو الدولية
بدأ توقيع عقود مع وكلاء موردي التجهيزات اللازمة لعمل المخابر منذ عام 2006، ووقعت عقود مع شركات يابانية إيطالية وألمانية وأميركية، أدت بالنتيجة إلى وصول تجهيزات المخابر إلى مرفأ اللاذقية لتنقل إلى مرفأ طرطوس بعدها في عام 2008.
تكلفة تجهيز مخبر طرطوس بلغت ما بين 300-350 مليون ل.س، بحسب إدارة المخبر، وعلى الرغم من وصول التجهيزات في عام 2008 إلا أن العمل لم يبدأ للنصف الثاني من عام 2011، بحسب الإدارة، عدا عن التأخير في الإقلاع بالعمل، فقد تبين لنا أنه حتى اليوم وعلى الرغم من اكتمال التجهيز والتدريب، نستطيع أن نقول أن العمل لم يبدأ فعلياً بعد بالمستوى الذي يتيح الاستفادة من كل هذه الإمكانيات العالية المتوفرة في التجهيزات وفي الكوادر.
إمكانيات المخابر
في لقائنا مع د.مهند خليل المدير العام لمديرية المخابر المركزية، أخبرنا بالمزايا والإمكانيات العديدة لمخابر المرافئ وكوادرها، فالمديرية المؤلفة من 4 دوائر هي: التحاليل الغذائية، التحاليل المعدنية، التحاليل الكيميائية، بالإضافة إلى دائرة تجريب المواد.عدد العمال حوالي 85 عامل، أكثر من نصفهم من المهندسين من مختلف الاختصاصات المرتبطة بعمل المخابر، يعملون كمحللين، بالإضافة إلى حملة شهادات المعاهد المختلفة كمساعدين محللين، ومجموعة من المجازين في اختصاصات مرتبطة، ومجمل الكادر أجرى دورات تدريب لاستخدام الآلات والأجهزة الحديثة والدقيقة والمعايرة ومن الشركات العالمية الموردة، وهي أجهزة عالية التقنية والحساسية وتحديداً التي تعمل في القسمين الغذائي والكيميائي..
أقل من 15% للمخبر والباقي..!
يتم وسطياً اختبار 200 نموذج من عينات أسبوعياً، (والعينة قد تحتوي أكثر من نموذج) بحسب مدير مخبر المرفأ الذي أشار إلى أن عمل الأقسام ليس بالمستوى ذاته، حيث "العمل كثيف بالدرجة الأولى في مخبر التحاليل الغذائية، أقل قليلاً في مخبر التحاليل المعدنية، وأقل في مخبر التحاليل الكيميائية، والفروقات تعود إلى أن الاعتمادات مع الجهات الرسمية تختلف في كل قسم..!" هذا بحسب مدير المخابر أيضاً، والذي أكد لنا أنه بناء على مرسوم إنشاء مديرية المخابر المركزية، وبناء على تعاميم من رئاسة مجلس الوزراء، فإنه "يجب أن يصار إلى إحالة أي عينات ترد عبر المنافذ البحرية إلى مخابر المرفأ، والمرسوم ذاته حدد المهمات."
من هنا نبدأ بالتساؤل: هل رقم 200 نموذج أسبوعياً (وبالتالي عينات أقل)، هو الرقم المعبر عن كافة العينات التي يفترض أن تؤخذ من كل البضائع الواردة إلى المرفأ؟! إن هذا الوسطي للنماذج يعني أن عدد العينات المختبرة أقل من 800 شهرياً، وأقل من 9600 عينة محللة في مخابر المرفأ خلال السنة الكاملة.
وإذا ما قارنا هذا الرقم مع ما صرح به المدير العام للشركة العامة لمرفأ طرطوس بأنه خلال ثمانية أشهر فقط من عام 2013 وصلت أكثر من 68 ألف حاوية إلى مرفأ طرطوس، فإن عينة من كل حاوية تعني أن مخبر المرفأ لا يصله إلا ما يقارب 15% من العينات، هذا ويذكر أن رقم العينات يفترض أن يكون أكبر من عدد الحاويات، نظراً لكون مرفأ طرطوس مختص "بالدوكما" وتعتبر نسبة الحاويات فيه قليلة. إذاً أين تنقل هذه العينات وأين تختبر..؟!
من المؤكد أن المخابر ونقص إمكانياتها ليست السبب، حيث يؤكد المدير بأن المخبر وكوادره "جاهزون لتحليل 85-90% من المواد التي ترد في المخابر المختلفة، والنسبة المتبقية هي مواد لم ترد مسبقاً.."
المخبر الكيميائي..تجهيزات (مصمودة)
الملاحظ من الجولة على المخابر هو مستوى التجهيز العالي في أغلبها، ومستوى تعقيد عملية التحليل ودقتها، ومدى خبرة الكوادر، وبالتالي موثوقية شهادات الاختبار التي تصدر، يعمل مخبر التحاليل الغذائية، بشكل كامل تقريباً، حيث تقوم عمليات تحليل دقيقة فجهاز يحلل نسب الحموض الدسمة في كل نوع من انواع الزيوت، وجهاز آخر يقيس الحد الأعظمي للسموم الفطرية في الحبوب وغيرها.
في المخبر الكيميائي المشهد مختلف، وهو لا يختلف من حيث التجهيزات، بل التجهيزات مكتملة في المخبر الكيميائي، وهي في جزء منها أفضل منها في المخبر الغذائي، بحسب العاملين فيه. فالمخبر أهميته من الطيف الكبير من المواد التي يفترض أن يقوم بتحليلها ومن أهميتها، كالأسمدة، والمواد الكيميائية الأولية الداخلة في الصناعة، ويضاف إليها العديد من المنتجات المستوردة التي تندرج ضمن إطارها كمواد التجميل وكافة المنظفات.. لا يصل من هذه المواد إلى المخبر الكيميائي إلا القليل النادر، بينما ترسل العينات لتحلل في مخابر أخرى. والمستغرب أن المخابر الأخرى يفترض أن تكون عالية التقنية والتجهيز، ليكون عملها أفض من المخبر الكيميائي الذي يحتوي على أكثر من عشرة أجهزة متخصصة نذكر منها: جهاز ftir الكشف النوعي عن المواد، جهاز قياس ph، حساب الرطوبة، toc تحديد الكربون العضوي، ، قياس الدهون، حساب الرماد للمواد، جهاز تحديد العناصر بدقة عالية وبأجزاء من المليون، جهاز قياس الشوارد، وغيرها.. تبقى هذه التجهيزات معطلة والعمل شبه متوقف في هذا المخبر الهام!.
الخشب والورق.. حصة آخرين!
يعتبر الخشب والورق من أكثر المواد التي ترد إلى المرفأ في المرحلة الحالية بالإضافة إلى الحديد والمواد الغذائية، وعلى الرغم من جاهزية مخبر تجريب المواد لتحليل عينات الورق والخشب إلا أنها لا تصل إلى المخبر أبداً، فالخشب الذي يتراكم في باحات المرفأ، والذي تتوفر تجهيزات قياسه في المخابر، لا تصل منه أي عينات للتحليل على الرغم من توفر جميع التجهيزات من جهة، وحاجة عينات الخشب إلى اختبارات دقيقة، حيث تعطي الأجهزة انحناء الخشب وكسره، وتفحص رطوبته، ولا يمكن فحص هذه المعايير بلا هذه الآلات. الظاهرة المختلفة في مخبر تجريب المواد هي النقص في التجهيزات، حيث للمخبر شعبتين شعبة مواد البناء بالإضافة إلى شعبة النسيج، حتى اليوم لم يتم اعتماد الإسمنت، أو السيراميك ليحلل في مخبر المرفأ، ويعمل العاملون في المخبر اليوم على محاولة طلب الأجهزة الناقصة ويتوقعون أن يعتمد الاسمنت قريباً، وربما السيراميك، نقص التجهيزات في بعض الحالات غير مفهوم وهو يعود إلى اللجنة التي كلفت بشراء التجهيزات وتوقيع العقود، فعلى سبيل المثال تم استقدام جهاز منذ حوالي أسبوعين فقط لتحليل الاسمنت، بينما قوالب الجهاز ضمن الطلبات الأولى التي وضعتها اللجنة.
النسيج ومواد البناء كالرخام والسيراميك، هي من أقل عمليات التحليل تكلفة، وبالتالي أعلاها عائدية اقتصادية على مديرية المخابر ككل، وهي مواد تستورد بكثافة عبر البحر، ومع ذلك لم توضع تجهيزاتها في حسابات اللجنة التي وقعت العقود والتي كانت المديرية العامة للجمارك طرفاً فيها، بالإضافة إلى ممثلين عن وزارات أخرى، وجميعها لا يتم تحليلها في المخبر. أما المحارم فتجهيزاتها مكتملة ولكنها لم تعتمد إلا منذ فترة قصيرة ولم تكن تصل إلى المخبر أبداً.
المخبر الأخير وهو مخبر المعادن فيعمل بشكل كامل تقريباً، وتجهيزاته متوفرة، كما يشير العاملون في مخابر المرفأ بأن مخبر المعادن وتجريب المواد هي من أكثر المخابر عائدية اقتصادية نتيجة عدم الحاجة إلى مواد تستخدم في التحليل، كما في مخبر الغذائية (حيث تبلغ فواتير شراء المواد المطلوبة للتحاليل مئات آلاف الليرات يومياً)، ومع ذلك فإن الحديد هو أكثر المواد التي تنقل إلى مخابر أخرى.
الجمارك: (الزبون) الوحيد (المتقاعس)
العينات الواصلة عبر المنفذ البحري يجب أن يصار إلى تحويلها جميعاً إلى مخابر المرفأ، وذلك بحسب مرسوم التأسيس، وبحسب كتاب من وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك رقم 1126/18/1 تاريخ 12-6-2013 مرفق بكتاب من رئاسة مجلس الوزراء رقم 15620، ومذكرة تفاهم مع وزارة النقل ووزارة التجار الداخلية وحماية المستهلك، وجهه نائب رئيس مجلس الوزراء السابق د.قدري جميل إلى مديرية الجمارك العامة، بتاريخ 12-6-2013، استلمته الجمارك بتاريخ 18-7-2013، حيث يرد في الكتاب "أن المخبر المركزي للشركة العامة لمرفأ طرطوس يملك الخبرة والتقنيات اللازمة لاعتماده في تحليل المواد اللاغذائية وطنياً ولا نرى مانعاً من إحالة عينات المواد اللاغذائية المستوردة إليه إليه لتحليلها واعتماد نتائجها، وبالتالي فإن الكتاب يطالب بتوسيع نطاق العينات المختبرة في المخبر المركزي للمرفأ." وهو وموقع من مدير الجمارك العام، ومن مدير جمارك طرطوس، للعلم والعمل به أصولاً.
(الجمارك) .. لا تلتزم
يتضح من الشهادات ومن تقاطع كلام الإدارة وآليات العمل الرسمية، أن مديرية جمارك طرطوس هي الزبون الرئيسي لمخابر المرفأ، وهي المسؤولة عن تعطيلها، فالمديرية مسؤولة عن الإشراف على عمليات إفراغ البضائع، والكشف، وأخذ العينات من البضاعة المستوردة لاختبارها، الذي يجب أن يتم في مديرية المخابر المركزية طالما أن المادة تتوفر تجهيزات تحليلها. على الرغم من من ذلك فإن الجمارك لا تلتزم بهذه القرارات جميعها، ولا يدخل إلى مخابر المرفأ، إلا ما نسبته التقديرية أقل من 15% من العينات التي يفترض أن تؤخذ.
(الجمارك) هل تمتلك الإمكانيات!؟
تشير المعلومات إلى أن مديرية الجمارك تقوم بالكثير من عمليات التحليل بنفسها، وعلى الرغم من تشكيك إدارة المخابر بإمكانيات مخابر الجمارك، فقد حاولنا الدخول إلى مديرية الجمارك ولم يكن هذا متاحاً، حيث طلب منا مهمة صحفية، وأذوناً مسبقة ورفض أي من القائمين الحديث معنا أو إعطاءنا أية معلومات. ولكن المعلومات التي حصلنا عليها من مصادرنا، تشير إلى أن مخبر الجمارك يحوي موازين، ومساطر فقط، ولا يحتوي على أي جهاز قياس، بالإضافة إلى "الكشافين" وهم موظفين عاملين في الجمارك ولا يشترط أن يكونوا من حملة الاختصاصات في عملية الاختبار!، وبالتالي فإن أغلب عمليات التحليل التي لا ترسل إلى مخابر المرفأ، وتختبر لدى مخابر الجمارك تقوم وفق ما يسمى "الكشف الحسي" باستخدام ميزان وموظف!!. فهل يكشف "الكشف الحسي" عن نسب ph، ويحدد الكربون العضوي، والآزوت، ويقيس الانعطاف والكسر في الخشب وبقية مواد البناء، ويقيس درجة الرطوبة؟ بالتأكيد لا يستطيع الكشف الحسي أن يقوم بهذه العمليات، وبالتالي فإما أن هذه الاختبارات لا تتم نهائياً وهو الأغلب، أو تتم في مخابر أخرى مع تجاهل وجود مخابر المرفأ، على الرغم من أن المسافة التي تفصلها عن مخابر الجمارك وهي طابق فقط في البناء ذاته.!!
المخابر الأخرى
علمت قاسيون من مصادرها بأن مديرية الجمارك تتعاقد مع المخابر الموجودة في كلية الهندسة التقنية بطرطوس، حيث يتم إرسال عينات من الحديد والخشب والبلاستيك، وعينات من المواد الكيميائية إلى مخابر الكلية. طبعاً كلية الهندسة التقنية رفضت أيضاً التصريح حول موضوع المخابر، وطلبت مهمات صحفية، وشروطا أخرى، وبالتالي فإننا لم نستطع أن نجري المقارنة بين مخابر المرفأ، وبين مخابر الكلية من حيث التجهيزات والتقنيات، على الرغم من كون المقاربة بحد ذاتها غير دقيقة، فمخابر الكلية هي مخابر لأغراض تدريسية، ولا يمكن أن تكون بديلاً عن مخابر كلفت 300 مليون ل.س بالحد الأدنى، ولديها حوالي 100 كادر مؤهل، ومهمتها الرئيسية إجراء التحاليل. ولكن تعليقات على تحاليل الجامعة حصلنا عليها من مصارد معلوماتنا أشارت إلى النقاط التالية: أولاً أزمنة التحاليل في مخابر الجامعة قياسية أي يتم إجراء تحاليل وتعطى نسب بزمن تحليل سريع بشكل غير منطقي في بعض المواد، يضاف إلى ذلك أن بعض التحاليل تتطابق لحد النسخ! مع البيانات الجمركية المرسلة مع البضائع المستوردة، والجهة التنفيذية التي توقع على التحاليل الواردة من مخبر الجامعة، هي ذاتها الجهة التي تقوم بعمليات التحليل، وهي باسم وحيد لعميد كلية الهندسة التقنية..!
* تجدر الإشارة إلى أن مصادر أخرى، أشارت إلى علاقة بين المدير العام للمديرية العامة للمخابر المركزية، وبين كلية الهندسة التقنية، حيث يعمل كمدرس فيها، وفي هذا إن صح، مخالفة لشروط العمل في جهتين رسميتين مرتبطتين بطبيعة النشاط.!
تساؤلات.. مشروعة
• لماذا طالت عمليات تجهيز مخابر تابعة للدولة، كلفت مبالغ تفوق 300 مليون ل.س، من عام 2006 إلى عام 2012، مع العلم أن الآلات قد وصلت إلى اللاذقية منذ عام 2008، والكوادر بدأ تأهيلها منذ اتخاذ القرار بإنشاء المديرية.
• خلال عمليات تجهيز المخابر بالأجهزة الضرورية، لماذا تركت نواقص كبرى وتحديداً في المخابر ذات العائدية العالية، كما في النسيج والاسمنت والسيراميك والرخام وغيرها.
• لماذا لا تحاسب مديرية جمارك طرطوس على مخالفتها للمراسيم والقرارات الحكومية الصادرة، حيث لا تقوم بإرسال كافة العينات إلى مديرية المخابر المركزية في الشركة العامة لمرفأ طرطوس، وهي جاهزة لتحليل 85-90% من المواد بحسب إدارتها.
• مديرية المخابر تقوم بإصدار شهادات مطابقة دقيقة لكل عينة من كل مادة تدخل إلى البلاد، فالتجهيزات العلمية والكوادر الكثيرة هي ضمانة تخفف من عمليات التلاعب في نتائج العينات، وبالتالي يمكن أن نستنتج أن إحدى الغايات من تحجيم دور المديرية المركزية للمخابر هو فسح مجال للتلاعب، والسماح بتجاوز المواصفات القياسية التي تقيسها المخابر.
• عدا عن الجمارك، التي تتحمل المسؤولية الأولى بمخالفاتها الواضحة والمتعمدة لقرارات ومراسيم صاردة، ألا تتحمل إدارة المخابر والإدارة العامة للمرفأ مسؤولية بقاء تجهيزات متكاملة في مخبر كالمخبر الكيميائي، لا يصلها إلا ما ندر من التحاليل التي تحول إلى جهات أخرى، ولماذا لم تبحث الإدارتان في أمر الجهات التي تساق إليها العينات، أو تطالب بحقها المشروع في تحليل العينات بطريقة دقيقة وبالأجهزة الحديثة المتاحة، وتطالب بإلزام مديرية الجمارك بالقوانين التي تقول بإرسال العينات كافة إلى المخابر، ألا يعتبر كل هذا التغاضي عن الموضوع وتضييق المسؤوليات، إهمالاً، وهدراً في المال العام؟ غن لم نقل مشاركة في المسؤولية عن المخالفات.
• لماذا تقوم الجمارك بعمليات "الاعتيان" أي أخذ العينات من الحمولة، ولماذا لا تشارك إدارة المخابر في هذه العملية التي يفترض أن تكون علمية ودقيقة، لتؤخذ العينة معبرة تماماً عن حمولات السفن، وفي ظل مخالفات الجمارك المذكورة والتي تفتح الكثير من التساؤلات، هل يفترض أن تكون الجمارك هي الجهة الوحيدة التي تقوم بعملية الاعتيان؟ وهل الموثوقية عالية هنا؟
نضع هذه الأسئلة جميعاً برسم الجهات الرسمية المرتبطة بالموضوع، أي مديرية الجمارك العامة في طرطوس، الإدارة العامة للشركة العامة لمرفأ طرطوس، والإدارة العامة للمديرية المركزية للمخابر.عسى أن تساهم الإجابة على هذه التساؤلات المشروعة في صيانة السيادة الوطنية بشكل حقيقي..