الدين الأمريكي.. تسويف وليس حلاً

الدين الأمريكي.. تسويف وليس حلاً

تهدد أزمة الدين العام الولايات المتحدة الأمريكية بالإفلاس، وإن خرج الكونغرس الأمريكي بتوافق على رفع سقف الدين لتفادي إعلان الإفلاس فهذا لا يعني حل الأزمة، وإنما تأجيلها، فالقضية أعمق من ذلك وتتعدى حتى الحديث عن الجوانب النقدية والمالية في هذا الموضوع، ولكن سنضيء في هذه المقالة قدر الإمكان على بعض الجوانب الاقتصادية والمالية والنقدية لأزمة الدين العام الأمريكي التي تعتبر التجسد الحالي لأزمة الرأسمال العالمي في مركزها الولايات المتحدة الأمريكية وفي القطاع المالي الأكثر تضخماً ونمواً.
وصل الدين العام لمستويات قياسية، فقد بلغ حجمه، وفقاً لمكتب الدين العام التابع لوزارة الخزانة الأمريكية حتى 7-10-2013: 16,7 تريليون دولار أمريكي.

مفهوم الدين العام
بداية علينا توضيح مفهوم الدين العام وهو دين الحكومة الأمريكية على مجموعة الدائنين الذين يتوزعون بين المؤسسات الفيدرالية، والمستثمرين والحكومات الخارجية.
وفق تصنيف وزارة الخزانة الأمريكية يتوزع الدائنون للحكومة الأمريكية وفق التالي:

1- دين لدى المؤسسات الفيدرالية الأمريكية (Intragovernmental debt holdings):
يشمل 230 مؤسسة فيدرالية، وزارات وصناديق ضمان اجتماعي وغيرها: إجمالي دينها المستحق على الحكومة : 4.829 تريليون $- بنسبة: 28%.

2- الدين الذي يملكه العامة (الحكومات الخارجية والمستثمرون) Debt Held by the Public:
يشمل العديد من الجهات أهمها:
• المستثمرون الأجانب (مستثمرون وحكومات خارجية) 48%
• البنك الفيدرالي 15%
ديونها المستحقة على الحكومة: 11.918 تريليون $- بنسبة 72%
تبلغ ديون الحكومات الخارجية من الدين الأمريكي نسبة 48% من الدين العام الخارجي أي حوالي 5,5 تريليون $ توزع وفق التالي:
• الصين 22%: بمقدار 1,277 تريلون $.
• اليابان 20 %: بمقدار 1,135 تريليون $
يوزع الباقي بين مجموعة من الدول نستعرض العشر الأوائل منها والتي تشكل نسبة 72% من الدين الخارجي.

الإنفاق... استمرارية العجز والدين

نمو النفقات والإيرادات في الولايات المتحدة الأمريكية خلال خمس سنوات :

نمت نفقات الولايات المتحدة بشكل متسارع خلال العقد الماضي ففي عام 2000  شكلت النفقات نسبة: 32% من الناتج المحلي وارتفعت إلى  38% في عام 2008.
تراجعت إيرادات الحكومة المتأتية من الضرائب حيث شكلت في عام 2000: 34% من الناتج الإجمالي، لتهبط إلى نسبة 31% من الناتج في عام 2008.
خلال عقدين من الزمن تقريباً منذ عام 1980 وصولاً إلى عام 2007 كانت النفقات تزيد على الإيرادات بمعدل نقطتين تقريباً، وفي السنوات الأخيرة وتحديداً منذ عام 2008 وصولاً إلى عام 2013 نمت النفقات بشكل متزايد، بينما حافظت الإيرادات الحكومية على مستوى ثابت ليصبح الفارق بين الإيرادات والنفقات أكثر من ست نقاط، مما خلق عجزاً مزمنا تراكم على شكل الدين العام.

تعكس هذه الخريطة للدين العام مدى عالمية الأزمة، ومدى الآثار المترتبة على عجز الولايات المتحدة عن السداد، مما يعني أن المشكلة ستتجاوز البعد النقدي والمالي وستغوص في صلب الوضع الاقتصادي، فالعجز عن السداد يعني انخفاضاً سريعاً في سعر الدولار، ويعني أيضاً ارتفاعاً هائلاً لأسعار النفط  المُدخل الرئيس في عملية الإنتاج، بالإضافة إلى الشبكة الكبيرة من المصارف ومراكز التمويل العالمية التي تتعامل بسندات الخزينة الأمريكية التي سينعكس فشلها على الوضع المالي والثقة بكافة المشتقات المالية الصادرة عن الولايات المتحدة الأمريكية وبنوكها الكبرى.. وما يحمله كل هذا من ارتباط عميق مع الإنتاج الاقتصادي العالمي، والتجارة الدولية.

الدين العام والنمو

• يشكل الدين العام نسبة 107% من الناتج المحلي لعام 2013، مخالفاً المؤشرات العالمية التي تقول بأن الدين العام ينبغي أن لا يتجاوز 60% من الناتج المحلي.
• خلال العقد الماضي نما الدين العام بنسبة 81%، بينما نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 18%.
عملت الولايات المتحدة الأمريكية خلال العقود الماضية على توسيع حجم الدين العام، كنتيجة للتضخم الكبير في نفقاتها، مقابل تراجع تدريجي في الإيرادات، النفقات التي تركزت على الإنفاق العسكري، كانت تهدف إلى تحقيق معادلة السلاح يحمي المال، والمال ينفق على السلاح، حيث اعتمدت الولايات المتحدة في إنفاقها العسكري على كتلة متضخمة من الدولارات المطبوعة بلا رقيب، بالإضافة إلى اعتمادها على هيمنتها العسكرية لفرض قوة الدولار بالسيطرة على مصادر الطاقة، وتدهور طرفي المعادلة، أي عدم تمكن السلاح من السيطرة التامة على الموارد مقابل التراجع التدريجي لنفوذ الدولار وحصته من التجارة الدولية أمام العملات الأخرى، أصبحت تلغي فعالية طرفي المعادلة ليتراجع وزن الدولار مع عدم قدرة السلاح الأمريكي على تحقيق مستوى الهيمنة المطلوب.