مقولات سياسية.. خلف الموازنة الحكومية

مقولات سياسية.. خلف الموازنة الحكومية

“تناقش”  الآن الموازنة التقديرية لعام 2014 في مجلس الشعب، وتنتظر الإقرار لتوزع اعتماداتها المتواضعة في هذا العام وتبدأ بتحصيل إيراداتها الإجمالية المقدرة بـ 865 مليار ل.س وزيادة بنسبة 36,6% عن موارد موازنة عام 2013 أي الـ 633 مليار ل.س.. ناقشت قاسيون في عددها السابق رقم “628” جانب النفقات في موازنة عام 2014 والتي أسميناها موازنة تقشفية والتي انخفضت مخصصاتها الحقيقية بنسبة 100% إذا ما أخذنا تراجع القدرة الشرائية لليرة السورية مقاساً بتغيرات سعر الصرف خلال عام 2013..

تراجعت مخصصات دعم المحروقات بنسبة 60% ، وبتقديرات قيمة الليرة تراجعت 80%، بينما لم يشهد أي بند زيادة فعلية، وتراجع الحجم الحقيقي للنفقات العامة إذا ما قيس بقدرة هذه الاعتمادات على تلبية الاحتياجات مع تراجع قيمة الليرة يترافق أيضاً بتراجع الإيرادات العامة المتوقعة من حيث القيمة الحقيقية.. والذي يعكس خطراً حقيقياً على التراجع الكبير في الموارد الحكومية في عامي الأزمة، هذا الخطر الذي لا ينعكس جدياً في البيان المالي للحكومة التي على ما يبدو  يسودها منطق «التراخي بانتظار موارد الخارج بعد التسوية»..

تقديرات في القيمة الحقيقية للإيرادات العامة للحكومة..

بأخذنا سعر صرف الليرة السورية كمؤشر فقط على تراجع قيمة الليرة، وبالتالي تراجع قدرتها الشرائية فإننا نستطيع أن نقارن بشكل تقديري مستوى تدهور القيمة الفعلية للموارد الحكومية خلال عامي الأزمة بالمقارنة مع الأعوام السابقة..

موازنة    2011     2013    2014

سعر الصرف
ل.س/$    50       75        150

الإيرادات
مليار $    17       8,4        5,7

انخفضت الإيرادات الحكومية بين إيرادات 2011 وإيرادات 2014 التقديرية بنسبة 66%


لا ترد هذه التقديرات في الموازنات الحكومية التي تعلن بأن إيرادتها التقديرية بين عامي 2013-2014 قد ارتفعت بنسبة 36,6%، دون أن تقدر القيم الحقيقية التي تشير إلى تراجع في قيمة هذه الموارد بين العامين بمقدار 32%.
إن عدم قراءة الحكومة لمواردها ولمستوى إنفاقها من باب القوة الشرائية لليرة السورية هو تغافل عن الحقائق، وهو إشارة على المنطق الشكلي الذي يسود الموازنة لعام 2014، والذي لا يرى في جانب الموارد إلا نقطة واحدة يتغني بها.. هي ما حصلته الحكومة من فروقات أسعار المحروقات!!

ثلاثة موارد (سياسية) .. في موازنة الحكومة الشكلية

قراءة أرقام الايرادات الحكومية المتوقعة في موازنة 2014 تعطي دلائل إضافية على سيادة نهج شديد الانحياز في السياسة الاقتصادية نحو الأقوياء/الأغنياء/المحتكرين/أصحاب الربح/ الفاسدين .. إلخ، وضد المستضعفين/ الفقراء/ المسلوبين/ أصحاب الأجر.. إلخ، لتشير بأن الأزمة الوطنية الحالية كانت فرصة لزيادة هذا الانحياز بشكل مطلق لتتحول الموازنة الحكومية لعام 2014 بكل رقم من أرقامها إلى دليل فعال، ونطرح هنا ثلاثة من أهمها..

ضرائب (أجور) ثابتة.. (ربح) متراجعة

الإيرادات المتوقعة    التغير عن 2013
الضرائب المباشرة          مليار ل . س                    (-41%)

إن تقدير الإيرادات الضريبية بهذا المستوى من الانخفاض يشير إلى أن الحكومة لا تقرأ تغيرات الوضع الاقتصادي، الذي من المفترض أن يسمح بزيادة تحصيلاتها الضريبية، ولا تنوي أن تعدل من ضريبة الدخل المقطوع التي تسمح للتجار تحديداً بالتهرب الضريبي المشروع.. فرقم الضرائب المباشرة الذي يبلغ 53 مليار ل.س يحوي رقماً متزايداً وحيداً مضموناً هو ضريبة دخل الرواتب والأجور التي كانت الضريبة الوحيدة التي تتسم بالثبات عموماً، ولم تتراجع جدياً خلال الأزمة والتي سيرتفع رقمها مع الزيادة في الأجور.. وبافتراض أنها ستبقى بحدود 11-12 مليار ل.س فإنها تشكل نسبة 20% من الضرائب المباشرة، بينما كانت تقديرات رقم ضريبة دخل المهن والحرف التجارية وغير التجارية التي تشمل ضرائب الأرباح لجميع النشاطات الاقتصادية 77 مليار ل.س في عام 2013، بتراجع 35% عن 2012..!!
فالجانب الأول للسياسة الاقتصادية المنحازة تظهره إيرادات الضرائب، وهو ما سنسميه «الجانب السياسي الأول» لإيرادات الموازنة فالحكومة لن تزيد إيرادات الضرائب على الأرباح على الثروات على الاحتكار ولن تسعى لتغيير جدي في الضريبة في مواجهة التراجع الكبير في الموارد، وستحصل على إيراداتها من ضريبة الدخل على الرواتب والأجور ثابتة أو مرتفعة..
فروق الأسعار.. فخر الإيرادات الحكومية!!
    الإيرادات المتوقعة    التغير عن 2013
فروقات الأسعار     مليار ل.س    + 1852%

ورد في البيان المالي للموازنة : «تعزى الزيادة في إجمالي الإيرادات الجارية المقدرة، إلى الزيادة في فروقات الأسعار المقدرة من 9,5 مليار ل.س في موازنة عام 2013 إلى 185,5 مليار ل.س.. ويعود ذلك إلى زيادة أسعار المشتقات النفطية (البنزين والمازوت) خلال عام 2013 للحد من الهدر في الموارد واعتبارها إيراداً للخزينة»..
بالتالي فإن الحكومة تعلن بأن أهم موضع لإيراداتها هو ما تتوقع تحصيله من «بيعها» للمحروقات والبنزين والمازوت فقط، وهذا ما يفسر التخفيض الحكومي الكبير لقيمة دعم المحروقات بنسبة 60%، أي أن الحكومة إما تخطط لرفع جديد لأسعار المحروقات، أو أن تقديراتها المعلنة لكلفة استيراد اللتير هي أكثر بكثير من الواقع.. وبهذا تنتقل المحروقات من مادة مدعومة وعبء إلى أكثر موارد الحكومة نمواً..!! وربما تكون هذه المقولة التي تريد الحكومة أن تقولها من موازنتها دعماً للاتجاه الذي كان يسعى دائماً لتحرير أسعار المحروقات، متذرعاً بالعجز.. وهو ما سنعود إليه في دراسة لاحقة، ونكمل هنا قراءة أرقام الإيرادات المقدرة لعام 2014..
«الجانب السياسي الثاني» لإيرادات الموازنة هو إعلان الحكومة أن الثقل الرئيسي لنمو الموارد الحكومية سيكون من جيوب المواطنين ومن حقوقهم السابقة..

ثبات الإيرادات.. من شركات الاتصالات

الإيرادات المتوقعة    التغير عن 2013
حق الدولة في شركات عقود الخدمات (الخليوي)    40,3 مليار ل.س               +  0,8%

تقدر الحكومة ثبات إيراداتها من حقوقها في شركات الاتصالات، والتي من المفترض أن تشكل حصة الدولة منها نسبة 50% في حال مدد العقد خلال عام 2014، أي أن الموازنة تفترض ثبات إيرادات الشركتين خلال العام الحالي مع العلم أن إيراداتهما لم تتراجع خلال عامي الأزمة الماضيين، وأن ذريعة سعر الصرف انتهت فعاليتها مع تراجع سعر الصرف نسبياً إلى 150 ل.س/$ مقابل وصوله إلى 200ل- 300 ل.س/$ خلال العام الحالي.. وهذه الذريعة هي التي سمحت للشركتين برفع أسعار خدماتهما بمتوسط 45% والتي قدرنا إيراداتها للشركتين بالحد الوسطي 130 مليار ل.س، بالتالي فإن زيادة الإيرادات محسومة فلماذا تقديرات الحكومة ثابتة؟!
يضاف إلى ذلك أن هذا التقدير يعني أن الجدل المطروح حول وضع الشركتين أي مصير عقودهما التمديد أم استعادة الدولة لأملاكها وإنهاء العقد، أم ترخيص الشركتين أي خصخصتهما بالكامل يميل نحو تمديد عقود الشركتين ولكن بحصة أقل للدولة!! مع العلم أن تقديرنا لموارد الحكومة من استعادة قطاع الاتصالات بأكمله وإنهاء العقود تبلغ 400 مليار ل.س تتجه نحو الزيادة..
 ليكون «الجانب السياسي الثالث» لإيرادات الموازنة هو إيرادات الاتصالات التي تشير إلى أن الحكومة لا تنوي تحصيل إيرادات من هذا القطاع السيادي الرابح التي تحصل على أرباح صافية قدرت خلال سبعة أعوام من عمل الشركتين بحوالي 175 مليار ل.س..