من نيجيريا إلى مالي... واشنطن تحرك ورقة الإرهاب!
في أوائل تشرين الأول 2025، أطلق دونالد ترامب تصريحات مثيرة، هدّد فيها بـ«تدخل عسكري مباشر» في نيجيريا، وقطع المساعدات العسكرية الأمريكية، مُبرّراً ذلك بما وصفه بـ«تهديد وجودي للمسيحيين» في البلاد. واتهم ترامب الحكومة النيجيرية بالتواطؤ مع جماعات مسلّحة في استهداف المسيحيين، كما أصدر أوامر للبنتاغون ببدء التخطيط لعملية عسكرية محتملة، ويُدرج نيجيريا رسمياً على قائمة «الدول ذات القلق الخاص» بسبب انتهاكات الحرية الدينية.
لكن تحويل أزمة أمنية معقّدة تشمل جذوراً اجتماعية واقتصادية وسياسية عميقة إلى قضية دينية بحتة، يُثير تساؤلاتٍ حول الدوافع الحقيقية وراء هذا التصعيد الكلامي والسياسي. فنيجيريا، كأكبر دولة أفريقية سكاناً، وأكبر منتج للنفط في القارة، وصاحبة ثاني أكبر احتياطي غاز، تمتلك ثقلاً جيو-استراتيجياً لا يمكن تجاهله. كما أن موقعها على خليج غينيا، المقابل جغرافياً لفنزويلا، يجعل منه ساحة تنافس دولي محتدم، خاصة في ظل تصاعد الضغوط الأمريكية على كاراكاس. كما تبرز الأهمية الاستراتيجية لخليج غينيا خاصة بعد فشل الولايات المتحدة و«إسرائيل» في إنهاء سيطرة «أنصار الله» في اليمن على باب المندب، وبالعكس فرض اليمن واقعاً جديداً في البحر الأحمر وخليج عدن، أثّر على حركة التجارة البحرية، ودفع شركات النقل البحري إلى الالتفاف حول أفريقيا.
وفي هذا السياق، فإن التهديدات الأمريكية ليست كما يدعي ترامب ووزير حربه: «دفاعاً عن الأقليات»، بل هي محاولة لخلق ذريعة تُسهّل التدخل المباشر، أو على الأقل فرض شروط سياسية وعسكرية جديدة، على غرار المطالبة بإقامة قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة، وهو ما ترفضه أبوجا صراحةً حتى الآن.
وقد أبدى الاتحاد الأفريقي موقفاً واضحاً إزاء التصريحات، إذ استنكر في بيان رسمي ما اعتبره «تدخلاً غير مقبول في شؤون دولة ذات سيادة»، وشدّد على أن التحديات الأمنية التي تواجه نيجيريا من عنف الجماعات المتطرفة (مثل: بوكو حرام، وفصائل مسلحة فولانية)، إلى النزاعات القبلية، والصراع على الموارد، والجريمة المنظمة، هي قضايا معقدة لا تُختزل في بُعد طائفي أو ديني. ودعا الاتحاد إلى دعم إقليمي ودولي يحترم السيادة الوطنية، ويُركّز على بناء القدرات المحلية، لا فرض الحلول الخارجية.
من نيجيريا إلى مالي…نفس الأوراق، ونفس اللاعبين
بينما تتصاعد اللهجة الأمريكية تجاه أبوجا، تشهد مالي لا سيما العاصمة باماكو أزمة محروقات حادة، دفعت إلى إغلاق الجامعات والمدارس، وتعطيل الحركة الاقتصادية. ويرجع هذا الوضع إلى حصار اقتصادي تفرضه جماعات مسلحة مرتبطة بتنظيمي القاعدة والدولة الاسلامية، تستهدف من خلاله قوافل الوقود الآتية من السنغال وساحل العاج. وعلى أثر هذا التصعيد، عبّر مساعد وزير الخارجية الأمريكي كريستوفر لاندو عن «دعم بلاده لجهود الجيش المالي في مواجهة الإرهاب»، وعبّر عن: «رغبة واشنطن في تعزيز التعاون الأمني»، في ابتزاز واضح لاستغلال تصاعد النشاط الإرهابي في مالي كـذريعة لتجديد العروض الأمنية الأمريكية، يُطرح ضمن استراتيجية أوسع: إعادة فرض النفوذ الغربي في منطقة أضحت بشكل كبير خارج دائرة التحكم الغربي.
الجماعات المتطرفة التي تهدّد الاستقرار في نيجيريا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو، لم تظهر من فراغ. بل نشأت وازدهرت في فترات الذروة للتدخلات الغربية، العسكرية والسياسية والاقتصادية، تحت غطاء «محاربة الإرهاب» أو «نشر الديمقراطية». ومع مرور الوقت، باتت هذه التنظيمات جزءاً من منظومة ضغط غير مباشرة: فهي تُستَخدم لخلق حالات طوارئ أمنية، تُبرّر بعدها الدعوات إلى «التدخل الدولي»، أو تُفرض عبرها شروط سياسية واقتصادية، تُعيد ربط الدول الأفريقية بدورة التبعية. إن نجاح الولايات المتحدة في نشر الفوضى واحتواء التطورات المتسارعة في دول الساحل الأفريقي، يمكن أن يتحول إلى نقطة بصالح المعسكر الغربي، لكنه سيورط الولايات المتحدة في جبهة جديدة، وقد يظل محدود الأثر، لكن فشل هذه المحاولة، أو تراجع واشنطن عنها، ربما يعطي زخماً جديداً في أفريقيا، وربما نشهد تحولات جديدة في سياق الاتجاه المعادي للغرب.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1251
معتز منصور