قمّة شرم الشيخ المرتقبة… خطة سلام أم مناورة خطيرة؟

قمّة شرم الشيخ المرتقبة… خطة سلام أم مناورة خطيرة؟

تكاد لا تنقطع الأنباء عن التطورات الأخيرة بخصوص الاتفاق المزمع عقده لإنهاء الحرب في قطاع غزّة، ومع أننا شهدنا بالفعل خطوات ملموسة في هذا السياق، إلا أن الملف لم يطو بعد، ورغم أن الاحتمالات لا تزال مفتوحة، فإن الخطوة تؤشر إلى أن الشكل السابق في إدارة هذا الملف لم تعد صالحة، وتحتاج إلى تعديلات، وخصوصاً أن الحرب في عزّة تُعدّ تركة من تركات الإدارة الأمريكية السابقة، وهي التي فرضت شكلاً محدداً لها ووضعت أهدافها.

إن أهداف الحرب التي وُضعت، لم تصمد أمام الواقع، بل بات استمرار العدوان بشكله القائم عاملاً مساعداً ومسرّعاً في جملة من التغييرات الإقليمية، التي باتت على وشك أن تغير المعادلة كلياً بغير المصلحة الأمريكية، وهو ما يمكن أن يفسر إسراع إدارة ترامب بعقد هذه القمة حتى في غياب نتنياهو والمسؤولين «الإسرائيليين» كما لو أن «المهلة» الممنوحة انتهت.

تستضيف مصر «قمة شرم الشيخ للسلام» ظهر يوم الإثنين 13 تشرين الأول الجاري، ومن المفترض أن تُعقد برئاسة مشتركة مصرية–أمريكية وبحضور أكثر من عشرين زعيماً دولياً، ويبدو لافتاً حضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بل إن واشنطن وجهت دعوة رسمية لإيران لحضور القمة، كونها حملت عنوان «إحلال السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط».

احتمالات الفشل تظل قائمة، لكن المشهد كما يبدو الآن يمكن أن ينقلب لتكون «إسرائيل» هي من يسعى لإفشال الاتفاق بتناقض مع المسعى الأمريكي.

القضايا الخلافية قائمة!

من السهل أن نستنتج أن الإدارة الأمريكية كانت تعمل بشكلٍ جدي على عقد القمة كحدث إعلامي سياسي، وذلك رغم امتعاضٍ «إسرائيلي» محسوس، إذْ بدأ الكيان بالفعل بوضع عقبات أملاً في إعاقة الاتفاق، فما جرى الاتفاق عليه حتى الآن هو بعض الإجراءات الأولية لعمليات تبادل الأسرى، وانسحابات أولية لجيش الاحتلال مع وقفٍ للعدوان، ومع أن التهدئة الحالية كانت سبباً كافياً لفرح الفلسطينيين، بدأ رصدٌ لعددٍ من مشكلات «شيطان التفاصيل» المتشعّبة، فعلى سبيل المثال: فجّر فيتو «الشاباك» أزمة بعد معارضة الإفراج عن 25 اسماً من الأسرى البارزين الذين طالبت فيهم حماس كجزءٍ من الصفقة، وتعمل «إسرائيل» على تحويل الاتفاق الذي نص على إطلاق سراح 250 أسيراً من أصحاب المؤبدات إلى الإفراج على 195 وغيرهم من أصحاب المحكوميات العالية، وليس من الصعب أن نعرف أن الخطوة هذه إنما تهدف إلى استثناء شخصيات، مثل: مروان البرغوثي وأحمد سعدات، نظراً لأنها شخصيات فلسطينية مؤثرة، يمكن أن تتحول إلى رافعة حقيقية للوحدة الصف الفلسطيني، ويمكن لهذه الشخصيات صياغة مرحلة جديدة في ملف وحدة الفصائل الفلسطينية.

وإذا ما انطلقنا من كون ملف تبادل الأسرى كان الخطوة الأولى المنصوص عليها في الاتفاق، يبدو أنّها لم تنجز بعد بالشكل المطلوب، فماذا عن القضايا الأخرى، مثل: حكم قطاع غزة؟! ومستقبل حركة حماس ودورها في الحياة السياسية؟ الجواب كان واضحاً وقطعياً من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية، والتي عبر عنها موقف مشترك لحماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، إذْ اعتبرت هذه الأطراف أن «تحديد شكل إدارة قطاع غزة وأسس عمل مؤسساتها هو شأن فلسطيني داخلي» في إشارة إلى رفض فكرة ترامب حول تشكيل مجلس سلام دولي لإدارة غزّة بشكل انتقالي، بل إن قيادياً في حركة حماس اعتبر مجلس ترامب المقترح «عودة إلى عهد الانتداب والاستعمار».

جبهة «إسرائيل» ليست موحدة!

رغم أن الحكومة «الإسرائيلية» صادقت على الاتفاق وقبلت به، إلا أن هذا القرار جاء حسب رأي الأغلبية وبمعارضة 5 وزراء من حزبي «القوة اليهودية» و»الصهيونية الدينية»، وعلى رأسهم إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، الذين يشكلون حجر الأساس في الائتلاف الحكومي الحالي، وهو ما يمكن أن يفسر القرار «الإسرائيلي» المتأخر بعدم مشاركة مسؤولين في القمة المزمعة، بل ذهب سموتريتش إلى توجيه دعوة علنية لـ «القضاء على حماس» بعد إعادة الرهائن، ما يزيد من شكوك جميع الأطراف الأخرى على مدى موثوقية الطرف «الإسرائيلي» وخصوصاً أن وسائل الإعلام نقلت أنباءً عن تدريبات أجراها جيش الاحتلال على «احتلال سريع لمناطق في غزّة» وقالت بعض المصادر «الإسرائيلية» الرفيعة التي نقلت تصريحاتها القناة :12 إن «القيادة السياسية في تل أبيب اتخذت قراراً بـالعودة إلى القتال إذا لم تتجاوب «حماس» مع المقترح الأمريكي الإضافي [مقترح ويتكوف] بحلول نهاية الأسبوع المقبل على أبعد تقدير» والمقترح ينص على تمديد وقف إطلاق النار دون الانتقال الفوري إلى المرحلة الثانية من خطة ترامب الأصلية، ما يمكن أن يتحول إلى انسحاب «إسرائيل» من الاتفاق، وهو ما رفضته حماس التي تصر على تطبيق الاتفاق كما هو دون تعديلات. ما يعني أننا الآن أمام وقف إطلاق نارٍ هشٍّ، يمكن أن ينهار، لكن قدرة إنجاز ذلك إذا ما كان هناك معارضة أمريكية يبقى محل شك جدي.

ما سبق، يؤكد أن هناك سبباً محدداً دفع الإدارة الأمريكية إلى ما يشبه الإعلان عن اتفاق والاحتفال به، قبل الوصول إليه فعلياً، وقبل الاتفاق على تفاصيله، وهذا بحد ذاته مؤشر لا يجوز إغفاله، فذلك لا يعني بالضرورة أن مشروع تفجير المنطقة جرى طيه، وهو ما عبّر عنه علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى الإيراني في تحذيرٍ نشره على منصة X كتب فيه: «بداية وقف إطلاق النار في غزة قد تكون نهاية وقف إطلاق النار في مكان آخر»، مع وضع وسوم لدول العراق واليمن ولبنان. وقال النائب بالبرلمان التركي مصطفى كايا: إنّه من «المُرجّح أن تنتهك [إسرائيل]، التي لا تعرف حدوداً، هذا الاتفاق» لكن ومع ذلك يمكن أن تتحول هذه القمة إلى بداية مرحلة جديدة، تحاول فيها الولايات المتحدة تدارك ما لحق بها من ضربات خلال هذه الجولة من الصراع.

إن الحرب في هذه اللحظة المحددة هي في الحقيقة حاجة ملحة للولايات المتحدة الأمريكية المأزومة، لكن الحرب المشتعلة في غرب آسيا خلال السنوات الماضية لم تحقق أيّاً من الأهداف الأمريكية، بل كما ذكرنا في البداية أصبحت عاملاً محفزاً في اتجاه مناقض، مع ذلك يظل وارداً أن تكون محاولة وقف الحرب في غزّة خطوة لتخفيف الضغط من جبهة، وتسخير الإمكانيات لجبهة أخرى، فالهدف الأمريكي من إحداث خلل كبير ونوعي في ميزان القوى لصالح المعسكر الغربي لم يجر تحقيقه، وإن وقف الحرب الآن يعني قبولاً بالهزيمة لا في غزّة... بل في معركة تثبيت قواعد النظام

العالمي المنهار، والمهيمن عليه أمريكياً، فبالنسبة لواشنطن أي تراجع في هذه المنطقة الآن يعني أنّها ضيّعت سنوات من وقتٍ ثمين لا يمكن تعويضه، فإن نجح ترامب في إيقاف الحرب، فيكون ذلك هزيمة حقيقية للولايات المتحدة تضاف إلى قائمة هزائمها الأخيرة، ويدخلنا في مرحلة جديدة ينحسر فيها الوزن الأمريكي من منطقتنا بشكلٍ أكبر، وستكون الولايات المتحدة مضطرة لتحمل نتائج ما جرى، وأفضل ما تستطيع القيام به هو تقليل الخسائر ووقف تراكمها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1247