بكين تُصعّد في «حرب المعادن النادرة»
معتز منصور معتز منصور

بكين تُصعّد في «حرب المعادن النادرة»

أثار إعلان الصين عن فرض قيود جديدة على صادرات العناصر الأرضية النادرة موجة من الصدمات في الأسواق العالمية، معلناً عن مرحلة جديدة في حرب الموارد الاستراتيجية. تمثل هذه الخطوة تصعيداً كبيراً في المنافسة التكنولوجية والتجارية العالمية، خاصة بين بكين وواشنطن، وتأتي في توقيت حاسمٍ قبل أسابيع من قمة مرتقبة بين الرئيسين الصيني والأمريكي.

لا يمكن فهم هذا الإجراء بمعزل عن سياقه الجيوسياسي، فهو ليس مجرد تنظيم تجاري، بل هو استخدام مدروس لأحد أقوى أسلحة الصين الاقتصادية.

الإجراءات الصينية الجديدة

شملت القيود الصينية الجديدة مجموعة من الإجراءات المحددة بشكل زمني.

أولاً: توسيع القائمة الخاضعة للرقابة، حيث أضافت الصين خمسة عناصر أرضية نادرة جديدة إلى قائمتها للمواد الخاضعة لرقابة التصدير: الهولميوم، والإربيوم، والتوليم، والإيوربيوم، والإتربيوم. إن اختيار هذه العناصر تحديداً ليس عشوائياً، بل يهدف إلى الضغط على قطاعات تكنولوجية محددة، وعالية القيمة، تعتمد على خصائصها المغناطيسية والبصرية الفريدة، مما يضع ضغوطاً دقيقة على نقاط حيوية في سلاسل توريد الدفاع والاتصالات الغربية.

ثانياً: آلية التراخيص الإلزامية: بموجب القواعد الجديدة، تُصبح الشركات الأجنبية ملزمة بالحصول على ترخيص تصديرٍ صيني خاص للمنتجات التي تحتوي على معادن نادرة صينية، حتى لو تم تصنيعها خارج الصين. تُحاكي هذه الخطوة القيود التي تفرضها الولايات المتحدة على الشركات التي تستخدم تقنيات أمريكية، وتمنح الصين نفوذاً يمتد إلى ما وراء حدودها، ويطال سلاسل القيمة العالمية بأكملها.

القيود القطاعية المحددة: فرضت بكين قيوداً صارمة على قطاعات معينة. فحظرت التصدير بشكل كامل إلى شركات الدفاع الأجنبية. كما ستخضع طلبات شركات أشباه الموصلات المتقدمة (التي تعمل على رقائق بقدرة 14 نانومتر أو أكثر تقدماً) وشركات أبحاث الذكاء الاصطناعي ذات الاستخدام العسكري المحتمل، لمراجعة مشددة على أساس كل حالة على حدة.

السيطرة على التكنولوجيا: لم تقتصر القيود على المواد الخام فقط، بل شملت أيضاً عشرات من معدات وتكنولوجيا التعدين، والتكرير، والتصنيع المرتبطة بالمعادن النادرة، مما يمنع نقل أي معلومات، أو معدات قد تساعد دولاً أخرى على بناء صناعات منافسة.

تأثير القرار والرد الأمريكي

رغم الأثر المباشر الذي شمل عدد من البورصات، والهزة التي أحدثها قرار الصين، إلا أن الأثر الاقتصادي والسياسي لا يزال يتفاعل ويتعمق، ليشمل فعلياً مجمل النظام العالمي، وأحد أهم ركائزه، وهي السيطرة الغربية على جميع مفاصل الإنتاج، وخاصة الإنتاج التكنولوجي، وهو ما يفسر جزئياً ردة فعل ترامب، حيث ألغى اللقاء الذي كان سيجمعه مع الرئيس الصيني، معتبراً أن «الصين أصبحت عدائية جداً، وبأن بكين تحتجز العالم كرهينة» متجاهلاً أن ما تقوم به بكين اليوم هو خطوة ضرورية في مجابهة البلطجة الأمريكية المتصاعدة اتجاه الصين تحديداً.

«حرب المعادن النادرة» وتأثيرها على النظام العالمي

تمثل قيود الصين الأخيرة على تصدير المعادن النادرة نقطة تحول في الصراع الاقتصادي العالمي، وتؤذن ببداية مرحلة جديدة في «سباق السيطرة على التكنولوجيا العالمية». لم تعد هذه الموارد مجرد سلع تجارية، بل أصبحت أسلحة جيوسياسية فعالة في يد بكين.

لقد أظهرت هذه الخطوة بوضوح القدرة الصينية على مواجهة العقوبات والإملاءات الأمريكية والتهديد بإخضاع الصين ودول العالم من خلال سلاح العقوبات، ليصبح الظرف ملائما لتقول الصين كلمتها بشكل واضح «تقنيتكم لا قيمة لها بدون العناصر الأرضية التي أهيمن عليها».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1247