الضربة الصهيونية في قطر وملامح الحرب على الجميع!

الضربة الصهيونية في قطر وملامح الحرب على الجميع!

فرضت الضربة الصهيونية الأخيرة على مقرات قادة حركة حماس في قطر واقعاً كان البعض لا يرغب في رؤيته، وهو أن سلوك «إسرائيل» المأزومة لا يهدد قطاع غزّة أو إيران وحزب الله فحسب، بل هو تهديد لمنطقة غرب آسيا كلّها، ورغم قتامة المشهد وظهور الكيان الصهيوني كما لو أنّه صاحب اليد الطولى، إلا أن مراقبة المشهد العام وتحليله بدقة يكشف مسألة أخرى!

في يوم الثلاثاء 9 أيلول وجهّت مقاتلات تابعة لجيش الاحتلال ضربة كبيرة لموقع تتواجد فيه قيادات من حركة حماس، وانطلقت الصواريخ من البحر الأحمر باتجاه هدفها، وألحقت أضراراً كبيرة بالموقع المستهدف، لتؤكد حركة حماس لاحقاً أن وفدها المفاوض بقيادة رئيسها خليل الحية، نجا من محاولة الاغتيال، لكنّها نعت خمسة من أعضائها، هم نجل خليل الحية همام الحية ومدير مكتبه جهاد لبد، وثلاثة مرافقين آخرين، هم عبد الله عبد الواحد، ومؤمن حسونة، وأحمد عبد المالك.

لا تزال بعض تفاصيل الحدث غير معروفة وتحديداً كيف نجت الشخصيات من الاغتيال، وهل كان ذلك نتيجة معرفة مسبقة بالاستهداف، أو أن المعلومات التي تحرّك جيش الاحتلال وفقها لم تكن دقيقة، كل هذه التفاصيل لا تغير أبداً من فحوى الرسالة السياسية وخطوة «إسرائيل» العدائية، وهو ما سنحاول الإجابة عنها في هذه المادة.

طعنة جديدة في الظهر

تكرر هذا المشهد للمرة الثانية خلال أشهر قصيرة، فالضربة الصهيونية لم يكن من الممكن تنفيذها دون علم وقبول أمريكي، وخصوصاً أنّها استهدفت الخليج العربي وقطر بالتحديد، التي تستضيف قاعدة العديد الأمريكية، وهي مزودة بأنظمة حماية ورصد متقدمة، هذا فضلاً عن أن الجيش الأمريكي موجود بعدد كبير من المواقع في الخليج، ولا يمكن أن تخرج عشر مقاتلات لجيش الاحتلال، وتطلق صواريخ من أقصى غرب منطقة الجزيرة إلى أقصى شرقها، دون أن تُرصد هذه الطائرات والصواريخ، وما يفاقم المشكلة فعلياً، أن اللقاء الذي استهدفه الطيران «الإسرائيلي» يفترض أنّه جلسة لقيادة حماس لنقاش المقترح الأمريكي لاتفاق وقف إطلاق نارٍ في غزّة، بعد أن زاد النشاط الدبلوماسي من حضوره في هذا الميدان. ما يضعنا أمام واقع أن «إسرائيل» وبضوء أخضر ومشاركة أمريكية يمكن أن تقطع أي مفاوضات بتوجيه ضربة عسكريةـ تماماً كما جرى مع بدء العدوان على إيران، والذي حدث قبل يومين من موعد جلسة تفاوض جديدة مقررة، وهذا قبل كل شيء يؤشر لا على انخفاض مصداقية واشنطن في أي مفاوضات تجريها فحسب، بل أيضاً يدل أن هذه الخطوات العدائية باتت جزءاً من استراتيجية شاملة تلائم حجم الأزمة الأمريكية-الصهيونية. وباتوا غير آبهين بما يمكن أن ينتج عن عدوانية من هذا النوع، كما لو أنّهم مدركون أن هناك مواجهة قادمة لم يعد بالإمكان تجنبها.

هل اتفاقات التطبيع هدف بحد ذاته؟

يحاجج البعض أن «إسرائيل» حريصة كلّ الحرص على «الاتفاقات الإبراهيمية» لكن هذه الفكرة لم تعد قادرة على الصمود أمام الوقائع الجديدة، فحين تبدأ «إسرائيل» بتوجيه ضربات ضمن الخليج العربي، تكون بذلك أعلنت صراحةً انّه لم يعد هناك «استثناءات» وتعلنها كما هي فعلاً، حرب على الجميع. لكن مع ذلك يبقى من المحق أن نسأل: لماذا اختارت «إسرائيل» هذا الموعد بالتحديد، فاجتماعات قادة حماس هي اجتماعات دورية، ولم تكن المرة الأولى التي يجلسون لمناقشة مقترح ما للهدنة، أو وقفٍ لإطلاق النار،

الإجابة عن هذا السؤال مركبة، فهذه الاتفاقات ومنذ بدء الحديث عنها كانت من وجهة نظر ترامب نتيجة لوجود «مصالح أمنية مشتركة بين [إسرائيل] ودول العربية» أي أنّها كانت أداة أساسية في محاولة بناء فريقين واحد يضم «إسرائيل» وبعض الدول العربية، والآخر فيه إيران وكل من يرفع السلاح في وجه الكيان الصهيوني، ولذلك كان الهدف البعيد من هذه الاتفاقيات سيئة الذكر أن تخلق واقعاً جيوسياسياً محدداً، يكون ملائماً للكيان الصهيوني، ويرفع العبء عن الولايات المتحدة التي كان من المفترض أن تتفرغ لـ «المخاطر» القادمة من شرق آسيا، لكن ما جرى في الواقع كان غير ذلك تماماً، ولا يبدو أن هناك أوهاماً في أذهان قادة الولايات المتحدة أو «إسرائيل» عن إمكانية خلق تحالف من هذا النوع الآن، بل إن العلاقات العربية الإيرانية شهدت تحسناً غير مسبوق في السنوات الأخيرة، وهذا التحسن لن يطول حتى يأخذ أشكال تعاون ملموس في شتى المجالات ومنها العسكرية، وتحديداً بعد أن أيقنت دول الخليج أن السلاح الأمريكي المكدس فيها لن يحميهم من أي اعتداءات صهيونية محتملة.

من هنا لن يكون من الصعب إدراك أن مصير هذه الاتفاقيات بات محسوماً والمسألة مسألة وقت، والمهم بالنسبة للكيان الصهيوني والولايات المتحدة الآن هو مواجهة الواقع الجديد الناشئ، حتى وإن تطلب ذلك توجيه ضربات عسكرية في الخليج وغيره.

الموقف العربي-الإسلامي

بالعودة إلى دلالات توقيت الضربة، يبدو أن الكيان وبعد الحرب الأخيرة مع إيران أدرك أنه لم يعد بالإمكان عكس اتجاه تطور علاقات إيران مع المنطقة، وأن الدول العربية بدأت تتحرك بِخطاً أوضح، لإيجاد ما يمكن أن يحميها من المغامرة الصهيونية التي يمكن أن تشعل النار في الجميع دون استثناء، وقد يكون ما جرى في مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري في مطلع أيلول مؤشراً على نمو توافق عربي-إسلامي على عدد من المسائل، لا تصب في مصلحة الاحتلال الصهيوني، فمن جهة نقلت تقارير أن المجلس اعتمد «رؤية مشتركة للأمن والتعاون في المنطقة» بمبادرة مصرية-سعودية، ورغم أن هذه الرؤية لا تزال تبدو مبهمة إلا أن الوثائق الصادرة عن هذا الاجتماع وضعت سياقاً محدداً يقول: إن عدم تسوية القضية الفلسطينية بشكل عادل، والممارسات العدوانية لقوة الاحتلال، هما ما يقف حاجزاً أمام فرص تحقيق التعايش السلمي في المنطقة، وإن إنهاء الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية بات ضرورة ملحة، ثم جرى الإعلان بعد الضربة على قطر عن قمة طارئة عربية-إسلامية يوم الإثنين 15 أيلول، ومن المتوقع أن يتخذ المجتمعون قراراً بخصوص طبيعة الرد على هذا الاعتداء.

إن شعوب المنطقة رأت دائماً أن المنظمات وهياكل المؤسسة الرسمية العربية والإسلامية لم تقدم إلا بيانات استنكار، لكنّها لم تتحول إلى أي إجراء ملموس، لكن طبيعة الظرف الحالي تفرض على الجميع تحويل كل هذه المؤسسات إلى أطر فاعلة، وتحديداً كونهم يرون تهديداً حقيقياً في السلوك الأمريكي-الصهيوني، ولأن تجاهل هذا التهديد أكثر من ذلك يمكن أن يتحوّل إلى زلزال حقيقي، فبالنسبة للكيان الصهيوني، لا يمكن القبول بنشوء توافق بين هذه الدول، فمن شأن هذا أن يقرب نهايته، وهو لذلك يعمل على إعاقته، ولكنّ الكيان بهذا السلوك يعلن الحرب على الجميع، حتى أولئك الذين كانوا قبل وقت قصير «حلفاء محتملين» من وجهة نظرهم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1243