تصاعد وحشية «إسرائيل» وتصاعد ردود المقاومة
كلما ظنّ المرء أن الأوضاع يستحيل أن تصبح أكثر سوءاً مما هي عليه في قطاع غزة، يمضي الكيان الصهيوني في إجرامه بشكل أكثر وحشيةً، مؤكداً أن جلّ ما يريده هو تحويل القطاع إلى جحيم شامل، هدفه قتل أي إمكانية حياة فيه، ودفع المليوني فلسطيني القاطنين فيه إلى خيار من اثنين: إما الموت أو التهجير...
ولكن رغم ذلك، ورغم هول المأساة والمخاطر، تفاجئنا المقاومة الفلسطينية بدورها، لترفع من همم الفلسطينيين، وجميع الشعوب التي ترى نفسها جزءاً من هذه المعركة، ويبدأ التحضر لقوافل صمود جديدة تهدف لفكّ الحصار، وعلى المستوى السياسي باتت الولايات المتحدة أكثر وضوحاً وتبجحاً بمشاركتها في هذه الجريمة.
وفي سياقٍ متصل، أعلنت الأمم المتحدة رسمياً وجود «مجاعة» في غزة، بالإضافة لصدور العديد من التقارير الدولية التي تؤكد هذا الأمر بشكل قاطع، مما دفع مجلس الأمن الدولي للتطرق لهذه المسألة بشكل مباشر، وإدانة الكيان الصهيوني به، باعتبار استخدام التجويع كسلاح حرب أمر محظور، وجريمة إنسانية، ليتفق كل أعضاء مجلس الأمن على هذا الأمر، باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية.
واشنطن... المجرم الأول
واشنطن التي ما فتأت تتحدث إدارتها الجديدة منذ مطلع العام الجاري عن سعيها لإنهاء الحرب على قطاع غزة، لم تنتج شيئاً سوى فتح الباب واسعاً لحكومة نتنياهو المتطرفة لفعل ما تشاء، وكيفما تشاء، وبالقدر الذي تشاء، وعلى الهواء مباشرة، ضاربةً عرض الحائط كل القوانين الدولية، وكل المفاهيم الإنسانية، وكل القواعد السياسية، ولتحمي الولايات المتحدة كيانها الصهيوني على المستويين الإقليمي والدولي، عسكرياً وسياسياً، من ردود الفعل الشعبية والسياسية عموماً على جرائمهم.
رغم ذلك كله، لا تزال واشنطن تتبجح بسعيها لإحلال السلام ووقف الحرب على قطاع غزة، وتتباكى إدارتها على الفلسطينيين المدنيين وجوعهم، بينما وفي الوقت نفسه، تلغي تأشيرات حوالي 80 فلسطينياً من منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، بما فيها رئيسها محمود عباس وغيره، لمنعهم من حضور اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر أيلول في نيويورك... وهو سلوك يهدف لتقويض هذه الكيانات الفلسطينية ونشاطها، ويُعد بمثابة هجوم عليها، بصرف النظر عن تقييم أيّ كان منها، بما فيها السلطة الفلسطينية، التي لم يعد دورها وسلوكها ملائماً مع توجهات الصهيوني في قطاع غزة، والأهم بطبيعة الحال، هو ما يتعلق بمنظمة التحرير الفلسطينية كونها الممثل الشرعي للفلسطينيين عموماً.
ومع ذلك يؤكد الرئيس دونالد ترامب، أنه يتوقع إنجاز وقف إطلاقٍ للنار بحلول نهاية العام! أي أنه ضوء أخضر وباب مفتوح على مصراعيه أمام الكيان الصهيوني خلال الأشهر القادمة للقيام بكل ما يمكن فعله ليس في غزة وحدها، وإنما في الضفة الغربية وجنوب لبنان والمنطقة عموماً.
المجاعة في غزة
أعلن التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي أن 514 ألف فلسطينيّ في قطاع غزة يعانون رسمياً من المجاعة، أي نحو ربع سكان القطاع، ومن المتوقع أن يرتفع العدد إلى 651 ألف في نهاية شهر أيلول.
وقد أعلن وصول عدد الوفيات بسبب سوء التغذية والجوع في القطاع إلى 332 حالة، بينهم 124 طفلاً فلسطينياً، ووسط ذلك كله، نقلت هيئة البث «الإسرائيلية» عن اجتماع لحكومة الاحتلال أنهم يناقشون ويسعون لإيقاف عمليات إسقاط المساعدات الجوية على قطاع غزة، وتقليص إدخال المساعدات إلى شماله.
علاوة على ذلك، باتت تتفشى الأمراض الناتجة عن الظروف المعيشية والإنسانية السيئة جداً التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة، لينبه مؤخراً مشفى الشفاء الطبي في مدينة غزة، بحدث جديد، عن توافد أعداد كبيرة من مصابين بأعراض تشبه أعراض فيروس كورونا، مشيرين إلى تفشي فيروس أو مرض جديد بين سكان القطاع.
قافلات الصمود والمظاهرات
جواباً ورداً على أحداث قطاع غزة المتزايدة سوءاً، عادت موجة جديدة من قوافل الصمود العالمية للظهور، ومن المقرر أن تغادر أول قافلة ميناء برشلونة في إسبانيا في 31 آب، ويجري وصفها بأنها أكبر أسطول بحري حتى الآن لكسر الحصار عن قطاع غزة وإدخال المساعدات، ومن المقرر أن تنطلق قافلة ثانية من شواطئ تونس في 4 أيلول المقبل، فضلاً عن قوافل وسفن أخرى تتبع لاحقاً من مناطق مختلفة أخرى في البحر المتوسط.
كما أعلن ناشطون خليجيون استعدادهم لإطلاق «سفينة الصمود الخليجية» تحت شعار «خليجيون نبحر لكسر الحصار» وهو جزء من «أسطول الصمود العالمي» الذي سيبحر خلال الأيام المقبلة.
وبالتوازي مع ذلك، شهدت عدة دولٍ أوروبية نشاطاً متصاعداً في التظاهرات الداعمة لقطاع غزة، والداعية لوقف الحرب، ووقف التجويع وإدخال المساعدات الإنسانية، من بينها إيطاليا وألمانيا والسويد وغيرها.
اشتباكات عنيفة
ميدانياً على الأرض، يمضي الكيان الصهيوني في إطار عمليته العسكرية الأخيرة الهادفة للسيطرة على قطاع غزة ومدينة غزة، ليعلن الجيش «الإسرائيلي» عن بدء العمليات باتجاه مدينة غزة، ووقعت اشتباكات ضارية بالفعل على مشارفها، سقط خلالها عدد من القتلى «الإسرائيليين» والعديد من الجرحى فضلاً عن حدث أمني هدد بأسر 4 جنود.
ففي هذه الاشتباكات جرى مثالاً حدث حيّي الزيتون والصبرة جنوب مدينة غزة، حيث دمرت المقاومة ناقلة جند صهيونية، وقتلت ضابطاً «اسرائيلياً»، وأصيب العديد من الجنود «الإسرائيليين» من ألوية مختلفة خلال الاشتباكات، ووسط ذلك كله تم فقدان الاتصال مع 4 جنود «إسرائيليين» سادت خلالها حالة من الهلع من وقوعهم في الأسر، مما دفع الكيان الصهيوني لتفعيل بروتوكول في جيشه يسمى «هانيبال» يهدف لقتل الجنود «الإسرائيليين» فور وقوعهم في الأسر أو التهديد به، عبر استهداف المجموعة الآسرة بقوة ضاربة وشاملة حتى وإن أدت لموت جنودهم... كما تم إصابة عدد من جنود الاحتلال التابعين للواء غولاني في منطقة خان يونس جنوب قطاع غزة.
وكان الناطق باسم المقاومة الفلسطينية في غزة «أبو عبيدة» أكّد مسبقاً أن المقاتلين مستعدين ومستنفرين لمواجهة قوات الكيان الصهيوني بقوة كبيرة في مدينة غزة، مؤكداً أن دخولهم للمدينة سيزيد من فرص واحتمالات أسر جنود جدد، مؤكداً «الموت أو الأسر» لهم.
الأزمة الداخلية
تتصاعد الأزمة السياسية داخل «إسرائيل» ويتزايد معها الضغط على حكومة نتنياهو المتطرفة لوقف الحرب، ويصف «الإسرائيليون» حكومة نتنياهو أنها هي الخطر على «إسرائيل».
فقد عبر رئيس مجلس الأمن القومي «الإسرائيلي» السابق إيال حولانا عن اعتقاده أن هذه الحرب لا جدوى منها، وأن حركة المقاومة لن تستسلم وترفع الراية البيضاء.
وقال رئيس حزب «الديمقراطيين» يائير جولان: إنه لا جدوى من عملية احتلال غزة عسكرياً، وأن المصلحة العليا هي إطلاق سراح كل الأسرى وإنهاء الحرب.
كما قال نائب وزير الدفاع ونائب رئيس الأركان السابق متان فيلنائي: إن «الخطر الذي يهدد إسرائيل هي حكومة نتنياهو، حيث يعمل فيها مسؤولون هم الأكثر تطرفاً في تاريخ [دولة إسرائيل]، وهم لا يمثلون وبعيدون عن تمثيل 10% من [دولة إسرائيل]».
ومن هذه الأمثلة الكثير مما يتعلق بالظروف السياسية والانقسامات والأزمة داخل الكيان الصهيوني، التي لا يقمعها سوى نشاط الحرب نفسه، الذي يهدف نتنياهو لإدامتها وتصعيدها لإطالة عمر حكومته، مما يعني بدوره أن الفترة القريبة المقبلة لن تختلف عمّا سبقها، بل ومن المرجح أن تتصاعد التوترات على الأقل حتى استئناف «الكنيست» لنشاطه في شهر تشرين الأول، وما قد ينتج عن اجتماعاته، وهو ما يتوازى مع رؤية واشنطن فيما يتعلق بتسوية نهاية العام.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1241