السودان حكومة موازية سيناريو ليبي... أم محاولة أخيرة قبل الهزيمة
في خطوة خطيرة تدفع الملف السوداني نحو مزيدٍ من التعقيد وتقربه أكثر من شبح التقسيم، أدى قائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو «حميدتي»، اليمين الدستورية رئيساً لمجلس رئاسي ضمن ما يُسمى بـ «حكومة السلام والوحدة» في مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور. هذه الخطوة، التي جاءت بعد أشهر من التراجع العسكري الملحوظ لقواته على عدة جبهات، ليست مجرد استعراض سياسي، بل هي محاولة لإعادة تشكيل المشهد السوداني وإجبار المجتمع الدولي على التعامل معه ككيان سياسي لا يمكن تجاوزه، مما يهدد بوحدة السودان.
وكانت تشكلت هذه الحكومة الموازية خلال اجتماع في نيالا في تموز 2025 الماضي، وضمت إلى جانب دقلو، عبد العزيز الحلو زعيم الحركة الشعبية- شمال نائباً للرئيس، ومحمد حسن التعايشي رئيساً للوزراء. يُعتبر هذا التحرك استكمالاً لمشروع دقلو السياسي الذي يسعى من خلاله إلى تحويل قوته العسكرية والميليشياوية إلى سلطة سياسية «شرعية»، متحدياً بذلك الحكومة المركزية في الخرطوم وجيشها النظامي، والمجتمع الدولي الذي لم يعترف بهذه الخطوة.
تراجع عسكري وصراع على الشرعية
لا يمكن فصل هذه الخطوة عن السياق العسكري المتدهور لقوات الدعم السريع. فبعد تقدم سريع في الأشهر الأولى للحرب، بدأت هذه القوات تفقد زخمها وتتراجع في العاصمة وفي مناطق حيوية مثل: ولاية الجزيرة وكردافان. لذلك، يرى محللون أن أداء اليمين هو محاولة «للفرملة» سياسياً لتعويض الخسائر الميدانية، وخلق «أمر واقع» جديد يصعب على الخصوم والمجتمع الدولي تجاهله، عبر تقديم نفسه كطرف سياسي لا يمكن استبعاده من أي تسوية مستقبلية.
وتأتي هذه الخطوة التصعيدية بينما يعيش مئات الآلاف من المدنيين في دارفور، وخاصة في مدينة الفاشر، تحت وطأة حصار خانق وأوضاع إنسانية توصف بـ «شبيهة بالمجاعة». لقد حذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من الكارثة الإنسانية ودعا لوقف فوري لإطلاق النار في الفاشر. اتهامات «الإبادة الجماعية» التي تلاحق قوات الدعم السريع، تضع هذه الحكومة الموازية تحت شكوك أخلاقية وقانونية كبيرة، وتجعلها تتحمل مسؤولية هذه المعاناة الإنسانية الهائلة.
الموقف الدولي والإقليمي
أظهر المجتمع الدولي والإقليمي رفضاً حاسماً لهذه الخطوة. فقد دعت كل من الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي الدول إلى عدم الاعتراف بهذه الحكومة، مؤكدتين على دعم وحدة وسيادة وأمن السودان، والتشديد على ضرورة التعامل مع السلطة القائمة والمعترف بها فقط. هذا الموقف الموحد يضع حكومة دقلو في عزلة دبلوماسية، ويقلل من فرص نجاحها في كسب شرعية دولية. من جهة ثانية يتكشف السلوك الأمريكي في التعامل مع الصراع في السودان، حيث تسعى واشنطن بشكل دائم إلى مساواة جميع الأطراف، وهو ما ترفضه الخرطوم باعتبار قوات الدعم السريع قوات متمردة، هذا الموقف ظهر في العقوبات الأمريكية على كلا الطرفين، في حينه أعلن الناطق باسم الحكومة السودانية بأن واشنطن تسعى إلى فرض «الاتفاق الإطاري» بطريقة تضمن بقاء المليشيات، يظهر الدور الأمريكي الداعم من جهة لاستدامة الصراع، ومن جهة أخرى فرضه لعقوبات على دقلو، وعدم الاعتراف بشرعية حكومته، تنصلاً من ممارساته على الأرض في تكرار لسياسة أمريكا في دفع الصراعات نحو الفوضى، واستثمار بنتائج الفوضى وتكريسها كأمر واقع، هذا النموذج الذي استخدم في إدارة الصراع بين الكونغو وحركة أم 23 وهو ما تداولته العديد من التقارير الإعلامية بأن وزير الخارجية الأمريكية أعلن أن السودان ستكون التالية بعد توقيع اتفاق بين راوندا وجمهورية كونغو الديمقراطية، في إشارة إلى توقيع صفقة تقاسم الموارد والنفوذ.
أداء محمد حمدان دقلو اليمين ليس مجرد مهرجان سياسي، بل هو تصعيد خطير يدفع بالسودان إلى حافة الهاوية. إنه إعلانٌ جديد عن رفض الانصياع لسلطة الدولة المركزية، وتكريس لسياسة الأمر الواقع القائمة على القوة العسكرية والموارد الطبيعية. في حين تهدف هذه الخطوة إلى كسب شرعية وترتيب أوراق دقلو للمفاوضات المستقبلية، فإنها في واقع الأمر تزيد من تعقيد الأزمة، ولكنها تدفع الصراع نحو خيارات أكثر حزماً، مع إمكانية الاستفادة من الرفض الشعبي والإقليمي والدولي للتصعيد الحالي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1241