المقاومة الفلسطينية تعود للواجهة بشكل متزامن مع الاستهداف الإيراني
تشهد المنطقة منذ السابع من أكتوبر تحولات جذرية تتداخل فيها العوامل العسكرية والسياسية بشكل معقد، مما يُعيد تشكيل ملامح الإقليم بأكمله. يسعى الكيان الصهيوني، من خلال تنقله بين جبهات متعددة، إلى تحويل أزمته الوجودية إلى صراع إقليمي واسع، آملاً أن يجد في ذلك مخرجاً من مأزقه. ورغم الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، تواصل المقاومة الفلسطينية فرض وجودها، محافظةً على قدرتها في تنفيذ ضربات نوعية، وكمائن مركبة، وعمليات قنص تستهدف ضباط وجنود الجيش الصهيوني.
العدوان على إيران: فصل جديد من الحرب المستمرة
في الثالث عشر من يونيو/حزيران الجاري، بدأ فصل جديد من المواجهة مع استهداف الكيان الصهيوني لمنشآت نووية إيرانية، إلى جانب تنفيذ عمليات اغتيال طالت عدداً من القادة والعلماء. في المقابل، جاء الرد الإيراني متدرجاً في القوة، مستهدفاً مراكز حيوية داخل الكيان تشمل منشآت أمنية وعسكرية واستخباراتية. فشلت الاستراتيجية «الإسرائيلية» القائمة على الضربات الخاطفة في تحقيق أهدافها، إذ لم تستطع دفع إيران نحو الفوضى الداخلية. هذا الفشل دفع الكيان إلى إعادة ترتيب أولوياته، ووجد نفسه أمام حرب لا يمكنه التحكم بنهايتها، فأصبحت إيران جبهة رئيسية، بينما تراجعت غزة إلى مرتبة ثانوية في سلم أولوياته العسكرية. مع اضطرار الجيش «الإسرائيلي» إلى نقل بعض قواته من غزة إلى جبهات أخرى، تحسباً لتداعيات التصعيد مع إيران. حيث قامت قيادة جيش الاحتلال بسحب قوات النخبة؛ فأخرج الجيش «الإسرائيلي» الفرقة 98، التي تضم المظليين وقوات الكوماندوز، من قطاع غزة بعد بدء الحملة ضد إيران. كما غادر لواء «ناحال» القطاع لتعزيز الدفاع في الضفة الغربية، ليحل محل قوات قيادة الجبهة الداخلية المكلفة بمهام الإنقاذ والإغاثة في مواقع الدمار داخل «إسرائيل».
ملف غزة: التفاوض واستمرار المقاومة
تداولت وسائل الإعلام تقارير تفيد بإعطاء رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو الضوء الأخضر للفريق التفاوضي للتوصل لإتفاق قبل نهاية شهر حزيران / يونيو الجاري، كما جرى حديث ملتبس فيما يخص وقف الحرب في مقابل طرح وقف إطلاق نار طويل الأمد وليس إنهاء الحرب، وهنا لا يمكن إنكار حاجة الكيان لعقد اتفاقية في ظل الضربات الموجعة التي يتعرض لها. ولكن الكيان قد يلجأ إلى المفاوضات أو الإيحاء برغبته بعقد صفقة كنوع من التكتيك، بهدف كسر زخم عمليات المقاومة وتحييد أثرها. جاء ذلك بعد موجة الإبادة الجماعية الأخيرة، التي أطلق عليها العدو اسم «عربات جدعون»، والتي قوبلت بسلسلة عمليات نوعية ومركبة من المقاومة أُطلق عليها «حجارة داوود».
في هذا السياق، شهد قطاع غزة تصعيداً في العمليات، وصولاً إلى قصف مستوطنات غلاف غزة بصواريخ، وكذلك عمليات نوعية وكمائن لآلياته وعمليات قنص تسببت في خسائر يومية للجيش «الإسرائيلي» وأصبح خبر «حدث أمني صعب في غزة خبراً يومياً، مما دفع الكيان على ما يبدو للإيحاء بالرغبة بالبدء بالمفاوضات لأهداف تكتيكية، وليس رغبة بإنهاء الحرب على غزة، مع الاحتفاظ بخيار التصعيد حسب التطورات اللاحقة.
المشروع الصهيوني في مأزق
يواجه المشروع الصهيوني في غزة وكامل الأراضي المحتلة طريقاً مسدوداً على عدة أصعدة. فعلى الصعيد العسكري، أظهرت الآلة العسكرية عجزها عن تحقيق تقدم في ملف الرهائن، رغم عمليات التمشيط الشاملة التي شملت كل ركن في القطاع. وعلى الصعيد السياسي، تبددت آمال ترحيل السكان بعد رفض الشعب الفلسطيني التهجير وتمسكه بأرضه، وكذلك تمسك المقاومة بشروطها التفاوضية، التي تركزت على وقف العدوان بشكل كامل، ورفع القيود عن دخول المساعدات الإنسانية، هذا فضلاً عن إعادة إعمار للقطاع.
الأزمات الداخلية: الضغوط تتفاقم
تفاقمت التحديات الداخلية للكيان في الفترة التي سبقت العدوان على إيران. وصلت الخلافات السياسية إلى ذروتها مع تقديم المعارضة مشروع قرار لحل الكنيست، والذي لم يُقبل إلا بفارق صوتين. كما واجه رئيس الوزراء نتنياهو منعطفاً خطيراً مع القضاء، حيث خضع لجلسة «الاستجواب المضاد» في ثلاث قضايا فساد، تهدف إلى كشف التناقضات في شهادته، مما زاد من تعقيد المشهد السياسي الداخلي.
ترسم التطورات الأخيرة صورة «لإسرائيل» تحاول عبثاً إعادة ترتيب أوراقها في ساحة إقليمية معقدة. بينما تتراجع غزة نسبياً في سلم الأولويات العسكرية، تبرز إيران كجبهة رئيسية تستهلك جزءاً كبيراً من موارد الكيان. يتزامن ذلك مع تزايد العزلة الدولية وتصاعد الأزمات الداخلية، بينما تثبت المقاومة في غزة قدرتها على الصمود والحفاظ على شروطها التفاوضية رغم محاولات الكسر والإخضاع، مع استمرار المواجهات على جبهة إيران، والتصاعد المتواصل في قدرة إيران على استهداف تاريخي للعمق «الإسرائيلي» لا يظهر في الأفق إلا تفاقماً مرتقباً في المشهد السياسي الداخلي، وخصوصاً أن استمرار الحرب في هذا الشكل من شأنه أن أن يضع الكيان في مأزق لن يكون من السهل الخروج منه.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1231