«المسير الدولي إلى غزة»: شعوبُ العالم تطالبُ بوقف الإبادة!
في الليلة الثانية عشرة من حزيران، وبينما كانت عناوين الأخبار تتحدث عن بدء العدوان الإسرائيلي على إيران، كان متضامنون دوليون قد وصلوا إلى القاهرة بالآلاف من 80 دولة حول العالم فيما صار يعرف بحراك المسير الدولي إلى غزة. قوام الحركة أولئك الذين رأيناهم يتظاهرون في كل دول العالم، منذ بدء حرب الإبادة في فلسطين، رفضاً لتواطؤ النظام الدولي مع جرائم «إسرائيل». الحراك خطوة تصعيدية تستلهم من التاريخ النضالي للشعوب حراكات مماثلة، كمسيرة الملح التي نظمها غاندي، حيث سار عدد هائل من الهنود إلى الشاطئ سلمياً لاستخدام ملح بلادهم فقمعوا! مما سلط الضوء على رفض الشعب الهندي لاستعمار بريطانيا لبلادهم ونهبها.
- القاهرة
لماذا هذا الحراك؟
في بيانه، أعلن المسير الدولي إلى غزة أن الفكرة جاءت بعد أن طفح الكيل من صمت الحكومات وتواطئها: «نصعد اليوم بعد أن شهدنا 17 عاماً من الحصار البري والبحري والجوي على غزة من قبل [إسرائيل] ويتم الآن التضييق المستمر على مرور المساعدات من معبر رفح على الحدود المصرية. في قطاع غزة 2.3 مليون إنسان تحت الحصار أكثر من نصفهم أطفالاً، محاصرين في المكان الأكثر كثافة سكانية في العالم، مقيدو الحركة، محرومون من الغذاء والدواء والوقود مع قصف مستمر لا يستثني المدارس والمستشفيات والمدنيين. كل هذا يعتبر انتهاكاً صارخاً لاتفاقية جنيف الرابعة، فيما يتعلق بحماية الأفراد أثناء الحروب، نتحرك لوقف إبادة الشعب الفلسطيني في غزة».
التصعيد من التظاهر إلى المسيرة تجاه غزة
تراوحت أعمار المشاركين في الحراك من السنة إلى السبعين عاماً، ليدي (سبعين عاماً) مزارعة من فرنسا قالت لقاسيون: «أقوم بذلك لأجل غزة أولاً ولأجل أحفادي». الحراك ضمَّ عدداً من الطلاب الذين شاركوا في احتلال الجامعات في دول مختلفة من العالم لمطالبتها بمقاطعة «إسرائيل»، كما ضمّ مجموعةً من الدبلوماسيين، مثل: اليسارية كارولا راكيت، عضو البرلمان الأوروبي عن ألمانيا، والإيرلندي باول مارفي مؤسس حركة «الناس قبل الأرباح» وعضو سابق في البرلمان الأوروبي، الذي اعتقل مع عدد من أفراد الوفد الإيرلندي ودعا بعد الإفراج عنه لـ«إيقاف الإرهاب [الإسرائيلي]»، كذلك ضمت القافلة هالة غريط الدبلوماسية الأمريكية السابقة في الخارجية الأمريكية، التي استقالت العالم الماضي احتجاجاً على السياسات الأمريكية في فلسطين.
انضم إلى الحراك كذلك عدد كبير من الحقوقيين والصحفيين الذين تطوعوا لتوفير الدعم القانوني والتغطية الإعلامية للحراك. إضافة إلى أطباء دعموا غزة بلا توقف وبعضهم أمضى فترات في مشافي غزة في السنتين الماضيتين ورأوا ضحايا الإرهاب الصهيوني. ريغولا غرافير، طبيبة نسائية من سويسرا، تقوم بمشروع لدعم نساء غزة وأطبائها، قالت لقاسيون: «إن استهداف العاملين في المجال الصحي بشكل خاص لتسهيل الإبادة في فلسطين هو محاولة لقتل الأمل لدى الفلسطينيين بالتعافي». كما شارك حفيد نيلسون مانديلا في الوفد القادم من جنوب أفريقيا سائراً على خطا جده في مقاومة أنظمة الفصل العنصري في فلسطين كما في جنوب أفريقيا.
تنظيم العملية
كان لكل وفد دولة متحدث باسمها قام بتقديم طلب للسفارة المصرية في بلده الأم، حيث تم التماس موافقة السلطات المصرية للسير من العريش المصرية إلى معبر رفح للاعتصام والتخييم حتى فتح ممر إنساني لكسر الحصار. لم تقدّم السلطات المصرية رداً واضحاً قبل وصول الوفود، ورحبت شفهياً بالتضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني. مع وصول الوفود أعربت السلطات المصرية عن قلقها من أن أي صدامات يمكن أن تحدث عند الحدود قد تؤدي إلى الضغط على القاهرة، وخصوصاً أنّ المسير تزامن مع بدء العدوان «الإسرائيلي» على إيران. لكنها لم تقدم بديلاً آخر كاعتصام سلمي لأجل فلسطين في القاهرة الأمر الذي كان مطروحاً كبديل للتفاوض.
على هذا الأساس اتبعت السلطات المصرية استراتيجيات مختلفة لإيقاف التحركات. عبر اعتقالات وحجز جوازات السفر لساعات وترحيل البعض، ومع أن المنظمين للقافلة حاولوا التأكيد أن هدفهم ليس الضغط على مصر إلى أن ذلك لم يكن كافياً لإنجاح المفاوضات مع الجانب المصري، الذي رفض تجمع الباصات المتجهة إلى منطقة العريش في قلب العاصمة، وأعاق وصول الأفراد بالطرق الأخرى.
حرص المنظمون على رفض تمويل الحراك من أي جهة اعتبارية تتبناه للحفاظ على استقلاليته السياسية، وضمان تركيز الهدف على تحرير فلسطين ووقف الإبادة فيها. فالحركة ترى في هذا عاملاً أساسياً لتجميع الناس، بغض النظر عن اليافطة الأيديولوجية، ففي لحظات القمع الشديد اصطف عدد من الناس للصلاة ورفعت التنظيمات اليسارية الهمم عبر الأغاني الثورية كـ «بيلا تشاو» وأغاني الثوري التشيلي فيكتور خارا. وعند هجوم قوات الأمن المصري على الحشد اصطفوا جميعاً يهتفون «المئات بالملايين، كلنا فلسطينيون».
الخطوات اللاحقة
نظمت شعوب البلدان الوافدة إلى القاهرة تظاهرات ضخمة في البلدان الأم، بالتوازي مع المسير الدولي إلى غزة بلغت في بعض البلدان عشرات الآلاف. يتم الآن تنظيم مسير من أنحاء أوروبا إلى مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل للاحتجاج على استمرار دول الاتحاد في دعم «إسرائيل» في حربها على غزة بالموقف السياسي، كما في تصدير السلاح ولإدانة نهج «إسرائيل» الإجرامي في الشرق الأوسط. كما يتم الإعداد لسفينة مشابهة لسفينة مادلين لكسر الحصار بحراً تحمل اسم «حنظلة». في ظل حرب الكيان الصهيوني على إيران يتزايد الضغط على غزة بشكل غير مسبوق لانشغال الإعلام بالحرب كحدث أسخن، إلا أن الإبادة في غزة تنتقل سريعاً إلى مراحل حاسمة لحياة الغزيين، ما لم يستمر تسليط الضوء على مجازر الكيان الصهيوني اليومية هناك وانتهاكاته للقوانين الدولية.
تتزايد يومياً عدم ثقة الشعوب بجدوى المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة كلما ازداد عدد الانتهاكات والتسامح الانتقائي لصالح المعسكر الغربي وضد الشعوب المستضعفة. كل ذلك يراكم الحاجة لإيجاد وسائل جديدة للتقارب والتنظيم وابتكار أساليب النضال الأممية الجديدة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1230