الولايات المتحدة… جردة حساب

الولايات المتحدة… جردة حساب

تتوجه الأنظار إلى الولايات المتحدة، وتحديداً إلى الرئيس الأمريكي، وخصوصاً بعد شهرٍ حافلٍ يرى فيه ترامب «إنجازات وانتصارات» لكن نظرة متفحصة للواقع السياسي العالمي تظهر فعلياً تراجعاً أمريكياً، وسعياً لإعادة تموضعٍ سريع ينسجم مع سياسة ترامب الانكفائية.

يمكننا لإثبات ما سبق أن نستعرض عشرات الأمثلة، لكننا سنكتفي هنا بعرض بعضها ونختار تحديداً تلك التي لا يظهر أي جدالٍ حولها.

درسٌ من اليمن

منذ وصل ترامب إلى الرئاسة ،استمرت الضربات الأمريكية على اليمن، بل إن وتيرة وشدة هذه الضربات زادت بشكلٍ ملحوظ في شهر آذار ونيسان، ولم تظهر أي نوايا لوقف هذه العملية، لكن التسريبات التي جرت من محادثات على تطبيق «سيجنال» أظهرت أن نائب الرئيس جي دي فانس لم ير جدوى من الضربات العسكرية، واعتبر أن الأوروبيين هم المتضررون من الضربات الحوثية، وحذّر من أن استمرار العمليات العسكرية في المنطقة قد يؤدي لرفع أسعار النفط، ليظهر موقف نائب الرئيس مخالفاً لموقف وزير الدفاع الأمريكي، لكن ترامب خرج في 6 أيار الجاري، ليعلن تلقيه رسالة من الحوثيين تفيد بأنّهم «لا يريدون القتال بعد الآن» وقال: إنّهم «استسلموا» لكن الحوثيين أظهرّوا استعدادهم لوقف لإطلاق النار مع واشنطن، لكنّهم استثنوا «اسرائيل» بل ينفذون حتى اللحظة هجمات على الكيان، ما يعني أن العملية الأمريكية لم تصل إلى نتائجها المعلنة، وانتهت بتراجع أمريكي، والقبول بشروط جماعة مقاتلة صغيرة تملك تسليحاً متواضعاً بالمقارنة مع الولايات المتحدة، وأشار مسؤولون أمريكيون إلى أن الولايات المتحدة قررت سحب حاملة الطائرات «هاري ترومان» التي كانت تقود العمليات ضد اليمن، ولا توجد نيّة لاستبدالها!

درسٌ من الصين

بعد أن أعلن ترامب حرباً شاملة لا هوادة فيها، سلاحُها الأساسي «التعريفات الجمركية» لم تظهر الصين أيّ تراجع، بل رفعت بدورها التعريفات الجمركية حتى وصلت إلى أرقام كبيرة جداً من الطرفين، وبدأت الصين بممارسة ضغوط على الولايات المتحدة، وتحديداً من خلال تقييد تصدير معادن الأرض النادرة، وهو ما يعطي بكين اليد الطولى في هذا الميدان، وخصوصاً أنّها تسيطر على 90% من عمليات التنقية التي تحتاجها هذه المعادن قبل الاستخدام.

مع أن نيّة الرئيس الأمريكي لم تكن واضحة منذ البداية، وكان هناك احتمالات لأن يكون الهدف من هذه الرسوم الكبيرة هو دفع الآخرين للجلوس حول طاولة التفاوض، وتقديم التنازلات، نرى أن الصين جلست حول طاولة المفاوضات بالفعل، ولكنّها لم تقدم تنازلات تذكر، بل خرج الطرفان باتفاق يعيد الرسوم الجمركية إلى وضعها السابق تقريباً، فبحسب الاتفاق ستفرض الولايات المتحدة رسوماً جمركية بقيمة 30% على البضائع الصينية، في مقابل 10% على البضائع الأمريكية القادمة إلى الصين، وهو رقم أعلى من الوسطي السابق للرسوم قبل موجة التصعيد الأخيرة، ولكن بالنظر إلى الميزان التجاري بين البلدين ستكون الفاتورة الأمريكية التي سيتحملها المواطنون الأمريكيون أكبر بكثير من تلك التي ستحملها الصينيون.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1227