سقوط «رأس الحربة» في البحرية الأمريكية
فرضت الهجمات المتكررة لجماعة أنصار الله في اليمن على البحرية الأمريكية الموجودة في المنطقة- وتحديداً حاملات الطائرات- واقعاً جديداً لا يمكن إغفاله بالنسبة لقوّة محيطية، مثل: الولايات المتحدة، وخصوصاً أن حاملات الطائرات كانت العمود الفقري للبحرية الأمريكية وتحوّلت إلى مراكز قيادة بإمكانيات جبارة، قادرة على نقل وتحريك أسطول جوي متطور مدعّم بأنواع مختلفة من الدفاعات.
مكّنت حاملات الطائرات البحرية الولايات المتحدة فرض سيطرة لعقود على المحيطات الأساسية، وكانت ذراع الجيش الضارب حول العالم، وتحوّلت إلى ركنٍ أساسيٍ في معظم العمليات الحربية الأمريكية، إلى تلك الدرجة التي لا يمكن الحديث عن سيطرة أمريكية حول العالم دون هذه الحاملات، إذ اعتمدت البحرية على 11 حاملة طائرات نووية في مقابل 10 حاملات موزّعة على بقية دول العالم، والتي تعتبر أقل تطوراً من نظيراتها الأمريكية.
اختبار في إحداثيات جديدة
لم تتعرض الحاملات الأمريكية إلى أي ضرر حقيقي طوال 80 عاماً مضت، ورغم تكاليف بنائها الباهظة وتكاليف تشغيلها والأبحاث لتطويرها، ظل التوجه الأمريكي منصباً على اعتمادها، حتى أن أحدثها «جيرالد فورد» التي دخلت الخدمة في 2017 كلّفت الميزانية الأمريكية 13 مليار دولار بالإضافة إلى 4.7 مليارات دولار للبحث العلمي والتطوير، ويستغرق بناء النسخة الواحدة منها 10 سنوات!
لكن تصريحات صادمة لوزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث قال فيها: إن «15 صاروخ فرط صوتي بإمكانها إغراق 10 حاملات طائرات في 20 دقيقة» عكست مخاوف كبرى من قدرات الخصوم المفترضين المتنامية للتعامل مع «العمالقة العائمة» وخصوصاً أن الولايات المتحدة لم تطور بعد أي دفاعات فعّالة للتعامل مع الصواريخ الفرط الصوتية، التي باتت جزءاً من العتاد الروسي والصيني والإيراني.
وبدأ الاضطراب في صفوف قوات البحرية الأمريكية منذ أثبت الحوثيون قدراتهم في توجيه عدد كبير من الضربات الموجعة إلى الحاملات التي استخدمتها واشنطن في حربها على اليمن، وأشارت التقارير أن «أنصار الله» نفّذوا في شهرٍ واحد 5 هجمات على «هاري ترومان» مما أجبرها على الانسحاب لمواقع آمنة قللت من قدرتها على أداء دورها في القتال، كما وجّهوا ضربات إلى حاملات «أبراهام لينكولن» و«إيزنهور» أدّت حسب اعتراف الولايات المتحدة لخسارة طائرتين واحدة من طراز «إف 18» بتكلفة 60 مليون دولار، والثانية من طراز «إف/إيه-18 سوبر هورنت» بتكلفة تفوق الأولى، كما أن الولايات المتحدة لم تعلن عن حجم الأضرار التي لحقت بالحاملات المستهدفة، فهي وإن لم تغرق، لكنها خرجت من الخدمة مؤقتاً وتحتاج إلى صيانة لتستمر بأداء مهامها، لكن المشكلة الحقيقية تكمن بأن الحوثيين قادرون على توجيه ضربات مشابهة باستخدام أسلحة بسيطة، مثل: الصواريخ المجنّحة، والطائرات، والقوارب المسيّرة التي تستغل نقطة الضعف الأكبر التي تعاني منها حاملات الطائرات، وهي ضعف قدرتها على المناورة السريعة، فواحدة من الطائرات التي خسرتها الولايات المتحدة سقطت في الماء أثناء مناورة خطرة لتجنب صواريخ الحوثيين.
هناك خصوم أخطر!
نجاح الحوثيين في إلحاق أضرار في حاملتي طائرات خلال مدّة زمنية قصيرة، وبأسلحة بسيطة يشكّل تهديداً حقيقياً، أما المشكلة الأكبر هي أن هناك خصوماً لواشنطن يملكون أسلحة أكثر تتطوراً، مثل: روسيا والصين وإيران، إذ أدركت هذه الدول أن أي مواجهة مع الولايات المتحدة ستفرض عليهم التعامل مع حاملات الطائرات الأمريكية، وما تحويه من أسراب متطورة من الطائرات الحربية، وطوّروا لذلك استراتيجية حربية وهي «سياسة المناطق المحظورة» التي تعتمد على توجيه ضربات للحاملات أثناء المعركة، ومنعها من الاقتراب من مناطق القتال، ما يعني تعطيل إسهامها الأساسي في القيادة والقتال، واعتمدت روسيا والصين على تخصيص ميزانيات محدودة لحاملات الطائرات، حتى أن روسيا تمتلك حاملة طائرات وحيدة في الخدمة تعد متخلفة عمّا تملكه الولايات المتحدة لكنهم في المقابل استثمروا بأسلحة قادرة على شل حركة هذه الحاملات وإخراجها من الخدمة أو حتى إغراقها، ففي محاكاة نفذها الجيش الصيني بشكل إلكتروني احتاجت القوات الصينية للاستعانة بثلاثة أقمار اصطناعية وصواريخ فرط صوتية لتنجح في إغراق جيرالد فورد «درّة التاج» في البحرية الأمريكية.
إن تهديداً بهذا الحجم لرأس الحربة في البحرية الأمريكية ليس مجرّد تفصيل ثانوي، بل هو واقع جديد يبرهن أن الاستراتيجية الأمريكية في الصناعات العسكرية يجب استبدالها والتوجه إلى أنماط مختلفة من الأسلحة تكون أقل تكلفة، ولا تحتاج زمناً طويلاً لإنتاجها، لكن طرح هذه المسألة الآن يبدو أقرب للخيال، فالمواجهة مشتعلة، ولن يكون بإمكان الولايات المتحدة أن تنتظر سنوات لإنجاز المهمة الوجودية هذه،إذ إن قدرة الخصوم المحتملين للولايات المتحدة باتت تتفوق على مثيلتها في الجيش الأمريكي، ما يعني فرض منطق أقل عدائية من الولايات المتحدة تجاه روسيا والصين، والبحث عن سبل أخرى غير المواجهة العسكرية المباشرة، وهو ما كانت تعتمده واشنطن منذ عقود، لكن حروب الوكالة والحروب الصغيرة لم تنجج في لجم تطور المنافسين.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1226