اشتعال فتيل صراع جديد في طرابلس وتداعياته على غرب ليبيا
هزّ اغتيال عبد الغني الككلي، المشهد الليبي- الرجل القوي ورئيس جهاز دعم الاستقرار المقرب من رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة- منذراً بمرحلة جديدة من عدم الاستقرار والصراع في شمال غرب البلاد. لم يكن الككلي مجرد مسؤول أمني، بل كان شخصية نافذة يمتلك شبكة واسعة من النفوذ والسلطة، يوصف بأنه «رجل الظل وصانع حكام طرابلس» منذ عهد فائز السراج رئيس المجلس الرئاسي الليبي السابق في 2016.
فرض الككلي، المعروف بـ «غنيوة»، نفسه كلاعب أساسي في المعادلة الليبية، من خلال تحالفه مع السراج، مؤسساً لجهاز دعم الاستقرار في كانون الثاني 2021. وعلى الرغم من الانتقادات الحقوقية التي طالت سجل الجهاز تحت قيادته، استطاع الككلي ترسيخ قوته ونفوذه في طرابلس.
في الثاني عشر من أيار الجاري، اندلعت اشتباكات عنيفة بين وحدات تابعة لحكومة الوحدة الوطنية، تحديداَ اللوائين 111 و444، وقوات جهاز دعم الاستقرار، أسفرت عن مقتل الككلي وخمسة آخرين. تركزت المواجهات في منطقة أبو سليم في العاصمة، وشوهدت الدبابات تجوب الشوارع في مشاهد وثقتها كاميرات المراقبة، مما يعكس حجم التصعيد.
أسباب الاشتباك وتداعياته السياسية
تضاربت الأنباء بشأن الأسباب المباشرة التي أدت إلى اندلاع هذه الاشتباكات الدامية. فبينما أشارت بعض التقارير إلى أن الخلاف حول سلطة الككلي ونفوذه المتنامي كان الشرارة الأولى، تحدثت روايات أخرى عن «اعتداء» استهدف رئيس شركة الاتصالات المصراتي، يوسف أبو زويدة، وهو ما يُنظر إليه على أنه أثار حفيظة قوى نافذة في مصراتة، المدينة التي ينتمي إليها رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة أيضاً. وعلى الرغم من أن الصراع في ليبيا غالباً ما يحمل أبعاداً قبلية وإقليمية، إلا أن هذا البعد وحده لا يفسر التوقيت الحساس لعملية تصفية أحد أبرز قادة الميليشيات في غرب البلاد. هذا التوقيت دفع العديد من المحللين إلى ربط العملية بمسعى أوسع لمركزة السلطة في غرب ليبيا، ربما استعداداً لمواجهة محتملة أو للدخول في مفاوضات مع المشير خليفة حفتر، الذي يفرض سيطرته على شرق البلاد، في ظل حالة الانقسام وغياب قوة عسكرية موحدة في المنطقة الغربية.
أما على الصعيد السياسي، فقد رحب اللواء المتقاعد خليفة حفتر بما وصفه بـ «معركة تشنها حكومة الوفاق الوطني على «المجموعات غير النظامية»، مؤكداً على ضرورة حصر السلطة في مؤسسات الدولة. في المقابل، أعلنت بلدية سوق الجمعة في طرابلس عن عصيان مدني احتجاجاً على «الانتهاكات الجسيمة» التي ارتكبتها حكومة الوحدة الوطنية بحق المتظاهرين السلميين، مطالبة المجلس الرئاسي بالتدخل.
كما شهدت طرابلس مظاهرات تطالب بإسقاط جميع الأجسام السياسية، وحل التشكيلات المسلحة، وتوجّه المتظاهرون نحو مقر رئاسة الوزراء. تزامن ذلك مع توجيه رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بتجميد الصرف، وتجميد حسابات الجهات الممولة من الخزانة العامة باستثناء الرواتب، وإعلان مصارف ليبية كبرى عن العصيان المدني.
الدبيبة وتحجيم الميليشيات
في أول تعليق له على الأحداث، وجه رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة كلمة للشعب الليبي، أكد فيها أن حكومته ورثت واقعاً صعباً يتمثل في وجود ميليشيات باتت «أكبر من الدولة» وتعتمد على «ابتزاز الدولة». واعتبر الدبيبة أن التخلص من هذه الميليشيات وحلم دولة القانون والمؤسسات بات قريباً. وكشف عن أن الككلي كان يسيطر على ستة مصارف في الدولة ويمارس سلطة قمعية في منطقته.
مستقبل قاتم أم فرصة لإعادة هيكلة السلطة؟
يبقى السؤال المطروح: هل يمثل اغتيال الككلي وتصاعد الاشتباكات بداية فصل جديد من الفوضى والصراع في غرب ليبيا، أم أنه يمثل فرصة لحكومة الوحدة الوطنية لفرض سلطة الدولة وتحجيم نفوذ الميليشيات؟
إن إعلان وزارة الدفاع التابعة لحكومة الوحدة الوطنية عن إنهاء العملية العسكرية لا يعني بالضرورة انتهاء التوتر. فبعد هزيمة جهاز دعم الاستقرار، بدأت القوات الموالية للحكومة في مواجهة مجموعات أخرى معارضة للدبيبة، مما يشير إلى أن الصراع على السلطة والنفوذ في طرابلس لا يزال مستمراً.
إن رغبة حكومة الوحدة الوطنية في مركزة السلطة والسيطرة على الجماعات المسلحة غير المندمجة تبدو واضحة، لكن الطريق إلى ذلك محفوف بالمخاطر والتحديات. فالتشكيلات المسلحة في غرب ليبيا لا تملك فقط مصادرها الخاصة لتجنيد المقاتلين، بل تسيطر أيضاً على بنية تحتية وموارد اقتصادية ولوجستية هامة.
في الختام، يمكن القول: إن التطورات الأخيرة في ليبيا تمثل نقطة تحوّل حاسمة. فإما أن تنجح حكومة الدبيبة في استغلال هذه الفرصة لفرض سلطة الدولة، وإعادة هيكلة المشهد الأمني والسياسي في غرب البلاد، أو أن تنزلق المنطقة إلى مزيد من الاقتتال والفوضى، مما يزيد من تعقيد الأزمة الليبية المستمرة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1227