قضايا الشرق ... حرب تجارية ضد الجميع
يشهد العالم حالة اضطراب عام بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي عن فرض رسوم جمركية ستؤثر بشكل كبير على التجارة العالمية، وإن كانت الصورة لم تنجل بعد، إلا أنه ليس من الصعب إدراك حجم الخطوة الأمريكية، فإن كنا سابقاً نتحدث عن حرب تجارية بين الصين والولايات المتحدة فنحن نتحدث الآن عن حرب تجارية شاملة بين الولايات المتحدة من جهة، والعالم من جهة ثانية.
خطوة ترامب تؤكد في المقام الأول حجم الأزمة الأمريكية، فإن كان النظام الرأسمالي محكوماً بالحرب، فهو في ظل تفاقم أزمته محكوم بحرب عالمية كبرى، لكن الوزن الأمريكي وطبيعة توازن القوى بالمعنى العسكري على المستوى العالمي حرم الأمريكيين من إشعال هذه الحرب، وسعوا خلال العقد الماضي إلى إشعال عدد كبير من الحروب والصراعات البينية، أملاً في أن تشكل مجتمعةً مخرجاً من أزمة المركز الرأسمالي، ولكن وكما يبدو لم تنجح هذه الحروب في تفريغ الأزمة العميقة والشاملة، ولذلك ترى واشنطن أنها مضطرة لتوسيع رقعة الاضطراب العالمية، فإن توجيه ضربة بشكل متزامن للجميع من شأنها أن تخلق حالة من الارتباك، قد لا تستطيع دول كثيرة امتصاصها، وستجد تلك الدول نفسها أمام انهيارات اقتصادية، وما سينتج عنها من اضطراب اجتماعي وسياسي، أي أن الخطوة الأمريكية جاءت بمثابة ضربة شاملة للجميع.
إذا أردنا تعميق فهم الصورة الحالية، يمكننا أن ننطلق من أن الإدارة الأمريكية لم تغلق باب التفاوض حول هذه الرسوم، لكن ما تريده في المقابل سيكون مزيجاً من المطالب السياسية، أو فرض نمط مجحف من العلاقات التجارية، ترسخ التبعية الاقتصادية للولايات المتحدة بالقوة، أي أن النتائج المتوقعة أمريكياً، هي نهب إضافي من العالم أملاً في تركيزه في الولايات المتحدة، فضلاً عن إحداث ضرر كبير في القوى المنتجة على المستوى العالمي، والتي ستتحمل التبعات الأساسية لعملية النهب المرجوة. ولا يغيب عن الذهن أن الحالة ستكون مختلفة بالنسبة للصين التي لا يمكنها تقديم تنازلات كبيرة للولايات المتحدة دون أن تلحق ضرراً كبيراً باستقرارها وأمنها الوطني.
ما سبق، لا يعني أن الأطراف المتضررة ستظل عاجزة عن الرد، ولا نقصد هنا الردود ذات الطابع التجاري البحت، بل تلك ذات الأبعاد السياسية التي تتناسب مع طبيعة الخطوة الأمريكية، التي ستفرض على الآخرين التكاتف معاً بهدف النجاة، ورأينا البوادر الأولى من خلال عقد كل من الصين واليابان وكوريا الجنوبية أول مباحثات اقتصادية منذ خمس سنوات، لتتفق الدول الثلاث على صياغة رد مشترك على الإجراء الأمريكي، ما يسمح لنا بالقول: إن الخطوة الأمريكية ورغم خطورتها، يمكن أن تتحول إلى رافعة جديدة لتفاهمات بينية بين الأقطاب العالمية الأخرى.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1222