4 ساعات جمعت بوتين وويتكوف... ولكن؟

4 ساعات جمعت بوتين وويتكوف... ولكن؟

تجري مفاوضات إنهاء الحرب الأوكرانية بصعوبة بالغة على جميع الأطراف، وما من تقدم حقيقي يذكر، أو من الممكن أن يحصل، ما لم يقبل الغربيون هزيمتهم، ويتراجعون عن الأسباب الرئيسية والأولى التي أدت للحرب أساساً، والمتمثلة بجعل الأراضي الأوكرانية نقطة عسكرية تابعة للناتو وبعقلية عدائية، توسعية، تجاه موسكو.

كانت العنوان الأبرز خلال الأسبوع الماضي: زيارة ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيسي الأمريكي دونالد ترامب، إلى سان بطرسبرغ، للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفشل الهدنة الروسية الأوكرانية، والتحديث الجديد على صفقة المعادن ومفاوضاتها بين واشنطن وكييف، والدعم المالي/العسكري الأوروبي الجديد لأوكرانيا.

فشل الهدنة

من الممكن القول: إن هدنة الـ 30 يوماً لوقف إطلاق النار على منشآت الطاقة فشلت، حيث خرقتها القوات الأوكرانية مراراً، وبدورها ردّت موسكو على ذلك بخروقات جوابية، والحقيقة أن قيادة أوكرانيا، في وضعها الحالي، لا مصلحة لها بأي تقدم في مسار وقف الحرب، فبالنسبة لإدارة زيلينسكي، نصف هزيمة تعني بدورها هزيمة كاملة لها، أما المصلحة الأوكرانية الوطنية فلا تراها إدارة زيلينسكي، وكانت هي من أهدرت السيادة الأوكرانية لحظة تسخير البلاد للمصالح الغربية أساساً والرضوخ لها.

اجتماع بوتين - ويتكوف

أما على مستوى الدول الرئيسية، فقد تحدث بوتين وويتكوف قرابة 4 ساعات ونصف، دون أن تصدر أي تفاصيل عن الاجتماع إعلامياً، سوى العنوان العريض حول إنهاء الحرب الأوكرانية، ولكن يتضح في سياق اللقاء، ما قبله وما بعده، أن واشنطن مستاءة من موسكو، ويعتبر ترامب أن انهاء الحرب بيدها الآن، وذلك بأن تقبل بالاتفاقات والعروض المقدمة لها. لكن هذه بالضبط تُعد إحدى مشاكل موسكو مع الغربيين، وهو استمرار افتراض أنهم أصحاب الكلمة العليا، ويفرضون حلولاً بشروط تناسبهم وحدهم، سواء بعقلية «التشدد» أو عقلية «رجال الأعمال»، لا فرق.

مواقف وأهداف موسكو كانت واضحة وما تزال، بالاستناد لأمنها القومي حالياً واستراتيجياً، بعدم وجود أي قوة عسكرية من الناتو على الأراضي الأوكرانية، وأن تتخلى كييف عن فكرة الانضمام للناتو، ويجري الحدّ من تسليح جيشها، وتبقى على الحياد، وضم الأراضي المستفتى شعبياً عليها لروسيا.

دعم أوروبي جديد

لا تناسب هذه الشروط الروسية الغربيين، فهي إعلان كامل بأن موسكو انتصرت وحققت أهدافها، بينما يخسر الأوروبيون والأمريكيون كل شيء في هذا الصراع، بالرغم من كل التسليح والتمويل، فضلاً عن ارتدادات هكذا نهاية عليهم داخلياً، وعليه تتخذ أوروبا موقفاً تصعيدياً، ومن نافل القول: إن هذا الدور يجري بالتنسيق مع واشنطن بطبيعة الحال، رغم التباينات والخلافات الظاهرة على السطح، فبالتوازي مع اجتماع بوتين – ويتكوف، أعلن الأوروبيون من بروكسل، على لسان وزير الدفاع البريطاني جون هيلي، دعم جديداً لأوكرانيا بقيمة 24 مليار دولار، قائلاً: إنها «زيادة قياسية بالدعم العسكري لأوكرانيا، ونعمل على توجيهها لدعم القتال في الخطوط الأمامية».

وبينما يصوّر ترامب والإعلام الأمريكي أن حلّ المسألة يقع على عاتق موسكو الآن، بأن تقدم تنازلات مماثلة وتبدأ بـ «خطى عملية»، فإن هذا بدوره تشويه للحقيقة البسيطة بأن أوكرانيا منطقة حدودية مع روسيا، وكانت تاريخياً امتداد طبيعي لها قبل أن يأتي التسلّط والتوسع الغربي– الأمريكي أساساً، ولاحقاً تصعيده، وعليه، فإن التنازلات المطلوبة من موسكو تُعد أساساً مضرة بالأمن الوطني الروسي، وأي تنازل من هذا النوع يعني أن الغربيين حققوا تقدماً ما، وبات رسمياً ومصادقاً عليه، وهو ما ترفضه موسكو تماماً.

اتفاق المعادن بنسخة جديدة

من زاوية أخرى، طورت واشنطن عرضها باتفاق المعادن مع كييف، نحو نسخة أكثر قسوة، تتضمن استعادة جميع الأموال المقدمة لها خلال سنوات الصراع، وسيطرة مؤسسة تمويل التنمية الأمريكية على خط الغاز الروسي- الأوروبي في الأراضي الأوكرانية، أي تحصيل أرباحه، والأهم، إدارته، مما ينزع من كييف ورقة ضغط، وهو ما اعتبره العديد ابتزازاً بطريقة «استعمارية» و «انتهاكه» للسيادة الأوكرانية.

لقد ضحّى الغربيون بأوكرانيا بالتخادم مع عملائهم بداخلها، بعدما فرضوا عليها سياساتهم بالتلاعب والقوة، بدئاً من الانقلابات «الملونة»، وصولاً لتوريطها بصراع عسكري كبيرٍ لمصلحتهم، والآن يجري التفاوض حول تقاسم مستقبلها ومواردها بأيديهم، أما بالنسبة لموسكو، فاجتماعات لـ 4 ساعات أو 40، تبقى بلا قيمة، ما لم يجرِ حل الأسباب الرئيسية للصراع، وتخلٍّ للغرب عن «توسعه»، وضمان أمنها القومي، وعليه فإن الصراع الأوكراني كان ولا يزال تكثيفاً لصراع دولي بين قديم – وجديد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1222