ما وراء «الجلسة التأديبية» التي تعرّض لها زيلينسكي؟

ما وراء «الجلسة التأديبية» التي تعرّض لها زيلينسكي؟

انشغل العالم في الأيام القليلة الماضية بحفلة جرت في البيت الأبيض، حيث تعرّض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لهجوم شرس من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونائبه جيه دي فانس أمام كاميرات الصحافة، الرئيس الأوكراني حاول يائساً الدفاع عن موقفه، لكنه تعرض لإذلال شديد من خلال تأكيد ترامب على أن أوكرانيا لا تملك أوراقاً، ولا مخرج لها إلا عبر التوقيع على اتفاق مع روسيا، يرسخ توازن القوى الفعلي.

إن جوهر ما جرى يبدو واضحاً ومتسقاً مع التوجه الأمريكي، فالإدارة الحالية وحتى السابقة يدركون أن قلب الميزان لصالحهم مسألة مستحيلة، وعلى هذا الأساس يرى الرئيس الحالي أن استمرار الوضع القائم سوف يجر العالم إلى «حرب عالمية» حسب توصيف ترامب، لكن ما جرى في البيت الأبيض يوضّح أكثر طبيعة التوجه الأمريكي.

أوكرانيا مشكلة الأوروبيين!

ما حاولت إدارة ترامب تثبيته، هو أن الولايات المتحدة غير مستعدة لكي تستمر في تقديم الدعم لأوكرانيا، وأنّها ترى من الضروري الوصول إلى اتفاق مع روسيا يضمن للأخيرة ما أرادته منذ البداية، لكن توجّه كهذا يعني ضمنياً أن أمام الأوروبيين خيارين لا ثالث لهما: إما أن يقبلوا الهزيمة وتبعاتها الاستراتيجية، أو أن يتحملوا على عاتقهم ونفقتهم استمرار القتال. ففي واشنطن قناعة أنه يمكن للولايات المتحدة أن تفصل نفسها عمّا يجري، وتخرج بوصفها المنتصر، وخصوصاً إذا ما استمر القتال، فالدول الأوروبية ستكون مضطرة لتجديد ترسانات الأسلحة التي تملكها، ما يعني تحريك عجلة الإنتاج في الولايات المتحدة، هذا بالإضافة إلى حاجة أوروبا تأمين مستلزمات الطاقة من الولايات المتحدة بشكل أساسي، بعد قطع الطريق أمام الغاز الروسي، ليصبح الدور الأمريكي في العملية هو جني الأرباح، وإذا ما استمر القتال فعلاً، فإن أولى نتائجه ستكون تفتيت أوكرانيا وتقاسمها، ما يعني أن أمام الأوروبيين طريق طويلة لإعادة الاستقرار وإعادة الإعمار.

ماذا لو نجح المسعى الأمريكي؟

إذا ما نجحت واشنطن في تحميل التبعات لأوروبا فعلاً، ستكون أمام معضلة حقيقية، فهي بحاجة لإعادة تموضع شاملة، لأن وزنها في القارة الأوروبية سيتضاءل، وذراعها المتقدمة «الناتو» ستكون معطلة، ما يعني أن مشروع إعادة التمركز في القارة الأمريكية الشمالية والجنوبية هو الأمل الأخير، ولا يحتمل التأخير كثيراً، فما يجري سيكون سريعاً ومدوياً، وستجد القوى الصاعدة فرصاً لتثبيت أقدامها في أوراسيا أكثر، وعزل الأمريكيين أكثر، وحرمانهم من قدراتهم على التأثير هناك، وهو ما يبدو حاضراً في أذهان دول الجنوب الأساسية كلها، ويعملون ليل نهار على توجيه الضربات للنفوذ الأمريكي وانتزاع المبادرة منهم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1216