النيجر في مرحلة التحوّل... التوافق والانفتاح
كنان دويعر كنان دويعر

النيجر في مرحلة التحوّل... التوافق والانفتاح

شهدت النيجر تحولات جذرية عقب الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال عبد الرحمن تشياني في 26 تموز 2023، والذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد بازوم، التحولات لم تقتصر على الداخل النيجري فقط، بل امتدت لتشمل إعادة صياغة التحالفات الإقليمية وتعزيز التعاون الثنائي مع دول الجوار.

الحوار الوطني التأسيسي: إعادة بناء الدولة

بعد الانقلاب العسكري، أطلقت النيجر في منتصف شباط 2025 عملية حوار وطني شامل بهدف إعادة تأسيس الدولة. شارك في هذا الحوار 716 شخصية تمثل مختلف شرائح المجتمع النيجري، بما في ذلك علماء الدين، وشيوخ القبائل، وممثلو الإدارات الحكومية، ومؤسسات المجتمع المدني، وقادة الجيش، وأعضاء المجلس العسكري. كما حضر المؤتمر وزراء سابقون وثلاثة رؤساء سابقين للنيجر، باستثناء الرئيس بازوم الذي ما زال محتجزاً.
من بين التوصيات التي خرج بها المؤتمر، تم الاتفاق على اعتماد فترة انتقالية مدتها خمس سنوات قابلة للتجديد، مرتبطة بتحقيق الأمن والاستقرار في البلاد، حيث تعتبر مكافحة الإرهاب أولوية قصوى. كما تم إلغاء الأحزاب السياسية الحالية والسماح بإنشاء أحزاب جديدة، حيث كان هناك 171 حزباً قبل المؤتمر. بالإضافة إلى ذلك، تم تكريس الإسلام كدين للدولة، مع ضمان حرية الاعتقاد للأديان الأخرى. وتمت ترقية الجنرال عبد الرحمن تشياني إلى رتبة «جنرال جيش» وتعيينه رئيساً للدولة خلال المرحلة الانتقالية. هذه التوصيات تمثل خارطة طريق لإعادة هيكلة الدولة النيجرية، مع التركيز على تحقيق الاستقرار السياسي والإصلاحات المؤسسية والعدالة الاجتماعية. وقد أكدت القيادة العسكرية عزمها على تنفيذ هذه التوصيات.

قطاع الطاقة والتفاهمات مع الجزائر

سعت السلطات الجديدة إلى تعزيز السيادة الوطنية واستعادة المصالح الاقتصادية عبر بناء علاقات أكثر توازناً مع الدول الأخرى، وخصوصاً بعد التبدلات في علاقتها مع الغرب ومؤسساته. فعلى الرغم من بعض الخلافات الأولية بين النيجر والجزائر، خاصة حول الوساطة التي عرضتها الجزائر بين المجلس العسكري والرئيس بازوم، وكذلك بشأن قضية المهاجرين غير الشرعيين، إلا أن المصلحة المشتركة أدت إلى تفاهمات مهمة. ومن بين المشاريع التي تم الاتفاق عليها مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء، الذي يهدف إلى نقل الغاز الطبيعي من نيجيريا مروراً بالنيجر وصولاً إلى الجزائر، ومن ثم إلى الأسواق الأوروبية. يبلغ طول الأنبوب 4600 كيلومتر، وتقدر تكلفته الأولية بـ 13 مليار دولار، وسيقوم بنقل 30 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً. كما أعلنت الشركة الجزائرية «سونلغاز» عن بناء محطة طاقة بقدرة 40 ميغاوات في النيجر كهدية لدعم احتياجات البلاد من الطاقة.
شهدت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين دفعة قوية بعد زيارة وزير الخارجية النيجري إلى الجزائر، حيث تم توقيع اتفاقيات جديدة لتسهيل الإجراءات الإدارية والجمركية لتنفيذ المشاريع التنموية. تعمل النيجر أيضاً على تعزيز التعاون مع نيجيريا في مجال الطاقة، خاصة فيما يتعلق بتطوير البنية التحتية اللازمة لنقل النفط والغاز. كما تسعى إلى استغلال موقعها الجغرافي كحلقة وصل بين نيجيريا والجزائر.
تشهد النيجر تحركاً كبيراً في مجال التنقيب واستخراج الثروات الباطنية، حيث تعمل على توسيع الاستثمارات في قطاع التعدين، واستخراج معادن جديدة، مثل: النحاس. ومن المتوقع أن تدخل النيجر قائمة الدول المصدرة للنحاس بعد الاكتشافات المهمة في البلاد. وبالإضافة إلى العلاقات مع دول الجوار، تعمل النيجر على تعزيز تعاونها مع روسيا في مجال التعدين، حيث وقعت وزارة المناجم النيجرية مذكرة تفاهم مع شركة روسية لتعزيز البحث الجيولوجي، والاستفادة من الخبرات الروسية في استغلال الموارد الطبيعية.

نحو مستقبل أكثر استقراراً

تواجه النيجر مرحلة انتقالية حاسمة في تاريخها، حيث تسعى إلى إعادة بناء مؤسساتها السياسية وتعزيز سيادتها الاقتصادية من خلال مشاريع استراتيجية في مجال الطاقة. وعلى الرغم من التحديات الأمنية والسياسية، فإن التعاون الإقليمي مع دول، مثل: الجزائر ونيجيريا، يفتح آفاقاً جديدة لتحقيق التنمية المستدامة. يشكل الحوار الوطني التأسيسي خطوة مهمة نحو تحقيق الاستقرار الداخلي، وإعادة بناء الدولة على أسس جديدة تعكس تطلعات الشعب النيجري.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1216
آخر تعديل على الإثنين, 03 آذار/مارس 2025 09:25