هاليفي نحن ندفع ثمناً باهظاً جداً!
يُظهر الكيان الصهيوني حالةً من التخبّط حيال الجبهات المختلفة المفتوحة ومستقبلها، فعلى الرغم من أن طيرانه الحربي ومدافعه لم تهدأ منذ عام، إلا أنّ هذا بالضبط ما يسبب هذا التخبط: إلى متى؟ يؤجج هذا السؤال، مشكلةً داخليةً تنضج على نار هادئة، تعكس إلى حدٍ كبير حجم المغامرة العسكرية التي يخوضها الكيان وتأثيراتها على الأزمة الداخلية المتفاقمة.
تمكّن الكيان الصهيوني على مدى عام، من تدمير قرابة ثلاثة أرباع قطاع غزة، وقتل عشرات آلاف المدنيين، واغتال مجموعة من قيادات المقاومة الفلسطينية، ويتكرر الآن منذ شهرٍ المشهد نفسه على جبهة الشمال أو الجنوب اللبناني، إلا أنّ أيّ من أهداف الكيان السياسية والعسكرية لم يتحقق، فلا المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة قضي عليها، أو زال تهديدها عن الكيان، ولم يستعد أسراه الموجودين لدى المقاومة، والآن عوضاً عن العودة الآمنة للمستوطنين في شمال فلسطين المحتلة، غادر ويغادر العديد منهم بشكل مستمر تحت النار.
وأكثر من ذلك، أن الكيان يتراجع ويغرق في مستنقع الأزمة الداخلية أكثر سواء بالاستحقاقات المطلوبة من «القيادة السياسية» أو بعدد قتلى الجيش المتصاعد، أو بالخسائر الاقتصادية، سواء بالتكاليف العسكرية وحتى المدنية، أو بالتوتر الاجتماعي الجاري، وعلى المستويين الإقليمي والدولي، ظهرت صورة الكيان بأوضح أشكالها الإجرامية من ماضيها وحاضرها، بطريقة لم يعد بإمكان أحدٍ تجميلها، وبات موقف الكيان سلبياً على الساحة العالمية، بل ومنبوذاً أمام المجتمع الدولي ككل باستثناء رعاته الأساسيين.
تضحيات في المكان الصحيح
لا يعني ذلك بالتأكيد أن خسائر المقاومة قليلة، أو أن منازل المدنيين المهدمة ودمائهم لا تحتسب، فهي تدفع ثمن هذه الانتصارات التي تحتسب تكتيكياً واستراتيجياً فيما يتعلق بالجانب السياسي والأهداف العسكرية ومستقبل الكيان!
موقف هاليفي يعكس مأزق جيش الاحتلال
يدرك السياسيون والعسكريون هذه المسألة، وأولهم حقيقةً: أولئك الموجودين ضمن قيادات الكيان الصهيوني، ففي المشهد الداخلي كان قد ظهر منذ ما قبل بدء الهجوم على جنوب لبنان، تباين بالمواقف ما بين القيادتين السياسية والعسكرية، ما بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، بين بدء الهجوم على جنوب لبنان أو تأجيله وعدم فتح الجبهة أساساً، والآن يتكرر الأمر نفسه فيصرّح رئيس أركان جيش الاحتلال هيرتسي هاليفي يوم الخميس: «هناك احتمال للتوصل إلى نهاية حاسمة في الشمال. لقد قمنا بتفكيك سلسلة القيادة العليا لحزب الله بشكلٍ كامل»، وذلك في حين تستمر حكومة الاحتلال السياسية برئاسة نتنياهو تؤكد: لن تنتهي المعركة حتى عودة المستوطنين بأمان إلى الشمال.
يعكس موقف هاليفي في لبنان وغزّة وقبله موقف غالانت وما بينهما، وتحديداً نظراً لكون الكيان يدخل حرباً لا تظهر نهايتها في الأفق، وهو ما يؤثر بشكلٍ كبير على فاعلية الجيش وقدراته القتالية وخصوصاً أنّه يعتمد على عدد كبير من قوات الاحتياط، ومع ذلك ورغم التدمير والإجرام، إلا أنها لم تحقق شيئاً يذكر بالنسبة للكيان، وضعفت صورة المؤسسة العسكرية أمام العمليات المصوّرة والمسجلة، والتي أكدت دائماً ضعف جيش الاحتلال أمام ضربات المقاومة الموجعة، فضلاً عن القتلى والجرحى في صفوف جيش الاحتلال الذين قضوا هباء! - وذلك، بالمناسبة، يوضح التباين مع شهدائنا الذين يعبّدون طريق التحرير بدمائهم– فأمام هذه التجربة، وما يجري من محاولة تكرار شبيه لها في جنوب لبنان، ضمن شروط وظروف أصعب بكثير، وبمواجهة قوّة مقاومة أكثر تجهيزاً وتحضيراً من الناحية العسكرية.
لا يعني ذلك مطلقاً أن تمرد جيش الاحتلال هو أمر حتمي، فالحرب مستمرة طالما هناك قرارٌ سياسيّ بها، مع أو بدون هاليفي وغالانت، إلا أنّ ذلك يشكل إشارة أخرى لضغوط متزايدة على الحكومة، وأزمة داخلية تتفاقم أكثر فأكثر.. وإذا ما كان بالإمكان ضبطها حتى الآن، فبعد قليل قد نرى تظاهرات مناهضة ليس لنتنياهو فحسب، بل وللولايات المتحدة من قبل المستوطنين في تل أبيب نفسها، ومواجهات أكثر حدّة.
قائد أركان جيش الاحتلال يرى وضوحاً، أن المعركة الدائرة حالياً تضع قواته في وضع صعب، وأعلن أن «ثمن الدفاع عن الأرض» باهظ جداً، وهذا تحديداً ما يجعل استراتيجية المقاومة ووحدة الساحات السبيل الوحيد لإنهاء المشروع الصهيوني في منطقتنا، فالضربات المؤلمة التي وجهها جيش الاحتلال إلى المقاومة لم تستطع تكبيلها، بل إن إذاعة جيش الاحتلال نقلت عن مصدر عسكري: أن حزب الله نجح للمرة الأولى منذ بدء الحرب في إطلاق 50 صاروخاً على الجليل في خلال دقيقتين فقط، هذا فضلاً عن تحذيرات المقاومة اللبنانية المستمرة بضرورة إخلاء مستوطنات جديدة، ما يمكن أن يدفع أعداداً كبيرة للنزوح، قد تصل إلى 150 ألفاً، وهو ما يثبت فشل الكيان في الوصول إلى أهدافه المعلنة، بل إن استمرار الحرب يمكن أن يُعمق الحفرة التي علق بها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1198