من الجزائر... هل ينجح تبون في تنفيذ التزاماته؟
كنان دويعر كنان دويعر

من الجزائر... هل ينجح تبون في تنفيذ التزاماته؟

شهدت الجزائر في سبتمبر 2024 انتخابات رئاسية مهمة بعد سنوات من الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي قادها الرئيس المنتهية ولايته، عبد المجيد تبون. جاءت هذه الانتخابات في ظل ظروف سياسية واقتصادية معقدة، وفي خضم تحديات داخلية وخارجية متزايدة. 

نسبة المشاركة والإقبال

أعلن محمد شرفي، رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات الرئاسية، أن نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت 48.03%، في حين سجلت الجالية الجزائرية المقيمة بالخارج نسبة مشاركة بلغت 19.57%
وتعتبر هذه النسبة أعلى من تلك التي سُجلت في الانتخابات الرئاسية السابقة عام 2019، والتي بلغت حينها 41.14% داخل البلاد و9.69% خارجها. كما أعلنت السلطة الوطنية للانتخابات، فوز الرئيس عبد المجيد تبون بفترة رئاسية ثانية، بعد حصوله على 94.65% من الأصوات، وهو ما يعادل 5.32 مليون صوت، جاء في المركز الثاني المرشح حساني شريف عبد العالي بحصوله على 3.17% من الأصوات، بينما جاء يوسف أوشيش في المركز الثالث بنسبة 2.16%
ومع ذلك، صاحَبَ إعلان النتائج بعض التشكيك والانتقادات من عدة جهات، حيث أعربت حملة تبون نفسها عن عدم الرضا إزاء الطريقة التي أُعلنت بها النتائج. واعتبرت أن هناك غموضاً وتناقضات في الأرقام قد تؤثر على مصداقية العملية الانتخابية، خاصة أن نسبة المشاركة تأخرت في الإعلان.

ما الذي يطرحه تبون؟

خلال حملته الانتخابية، أطلق الرئيس عبد المجيد تبون ما يعرف بـ «التزامات الـ 54»، وهي مجموعة من الإصلاحات والوعود الانتخابية التي وعد بتنفيذها في حال إعادة انتخابه. تتنوع هذه الالتزامات في مجالات عدة، تشمل الإصلاح السياسي، حيث وعد بتعديل الدستور لتعزيز الديمقراطية، والفصل بين السلطات، وتقوية المؤسسات الحكومية. وفي مجال التنمية الاقتصادية، تعهد تبون بدعم الإنتاج الوطني في القطاعات الزراعية، والصناعية، والخدمية، بهدف تنويع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على النفط والغاز.
أما في القضايا الاقتصادية والاجتماعية، التزم الرئيس، بحل مشكلة السكن وتوفير فرص عمل للشباب، فضلاً عن تحسين الخدمات الصحية والتعليمية. وفي الختام شملت «التزامات الـ 54» ميدان الحوكمة وعد الجزائريين بالاستمرار في مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية في الإدارة العامة.

التحديات الخارجية التي تواجه الجزائر

إضافة إلى الإصلاحات الداخلية الملحّة، تواجه الجزائر تحديات خارجية كبيرة تؤثر على استقرارها ودورها الإقليمي والدولي. هذه التحديات تتطلب نهجاً متوازناً وموقفاً دبلوماسياً حذراً لضمان حماية المصالح الوطنية.
فعلى الجانب الشرقي، تستمر الأزمة في ليبيا، وتمثّل تهديداً أمنياً كبيراً على الحدود الجزائرية- الليبية. وتسعى الجزائر إلى لعب دور الوسيط في هذا النزاع الإقليمي، محاولةً دعم عملية سياسية تؤدي إلى حل شامل ومستدام. ومع ذلك، تظل المخاوف قائمة بشأن تسرب الأسلحة والمجموعات الإرهابية عبر الحدود، مما يزيد من الضغط على الجيش لتأمين الحدود الطويلة مع ليبيا.
أما على الجانب الغربي، فالأزمة قائمة مع المغرب، ووصلت العلاقة بين البلدين إلى مستويات متوترة للغاية في السنوات الأخيرة، لا سيما بسبب قضية الصحراء الغربية. التي أدت لقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وإغلاق الحدود البرية، مما زاد من تعقيد الوضع. تبقى الجزائر ملتزمة بدعم جبهة البوليساريو في مطالبها بالاستقلال، بينما يسعى المغرب إلى تعزيز موقفه على المستوى الدولي، ويسعى لتغيير الإطار المتفق عليه دولياً، عبر جذب دعم أطراف لها مصالح مشبوهة. هذا الصراع يظل عقبة كبيرة أمام أي تقارب محتمل بين البلدين.
وربما يكون التحدي الأكبر بالنسبة للجزائر، هو انتشار الإرهاب في «الساحل الأفريقي» إذ تلّعب الجزائر دوراً رئيسياً في محاربة الإرهاب المنتشر في تلك المنطقة الواسعة، والذي يهدد الاستقرار الإقليمي. هذا بالإضافة إلى حالة عدم الاستقرار في دول، مثل: مالي والنيجر، والتي يمكن أن تشكّل خطراً مباشراً على الحدود الجنوبية للجزائر. وتحاول الجزائر دعم المبادرات الإقليمية لحل النزاعات، مع تعزيز التعاون الأمني لمكافحة الإرهاب والتهريب.

إن فترة حكم تبون المستمرة منذ نهاية 2019 تعتبر فترة جديدة في تاريخ الجزائر، وما يظهر أن التبون الذي كان جزءاً من جهاز الدولة السابق، ويتمتع بنفوذ ضمن المؤسسة العسكرية، كان قادراً على تفكيك بعض المشكلات، وإدارة عملية انتقال سياسي تدريجي عززت دور الجزائر بدلاً من إضعافه، وارتبط اسمه بإنجازات ترتبط بمكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة، التي عززت الأمل ببناء نظام سياسي جديد، وبالرغم من أن سياسات كهذه لم تحقق أهدافها كاملة بعد، إلا أن الفترة السابقة فتحت الباب أمام استعادة دور حيوي للجزائر على الساحة الإقليمية والدولية، مع تطور متسارع للعلاقات مع دول الشرق، وسعي لتطوير الاقتصاد الوطني، كل ذلك هو جزء من عملية بدأت وسيكون بقاء أي نظام سياسي مرهوناً بمدى قدرته على التعبير عن هذه الاتجاهات التي تلبي المصالح العميقة للجزائريين.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1192
آخر تعديل على الأربعاء, 18 أيلول/سبتمبر 2024 19:46