أفكارٌ عن «الحرب الشاملة» والرد المرتقب
توسّعت حدود الحرب في غزّة- منذ 7 اكتوبر الماضي- بسرعة كبيرة، خارج حدود القطاع، ويمكن القول: إن ما جرى ويجري حتى اللحظة لا يمكن تجاهله، لا بسبب المآسي التي لحقت بالفلسطينيين فحسب، بل نظراً لأن الحدث أصبح عقدة أساسية مؤثرة على مستقبل المنطقة، ويتحول إلى دافعٍ أساسي لعملية فرز كبرى.
ما أن بدأت حملة التصعيد الأمريكي- الصهيوني الأخيرة، حتى تجدد الصراع حول جملةٍ من الأفكار، فالتصعيد الذي جاء على شكل اغتيالات سياسية لقادة بارزين في صفوف المقاومة، وما نتج عنه من الإعلان عن رد مرتقب من قِبل إيران وحزب الله والمقاومة الفلسطينية، وضع المنطقة في حالة من الترقب والقلق، وأصبح المناخ العام ملائماً للاصطياد في الماء العكر، وتحديداً لكون إيران طرفاً أساسياً وبارزاً في كل ما يجري.
من هم أطراف الصراع؟
كثيراً ما ينحصر الحديث، عند نقاش الصراع مع الكيان الصهيوني في إيران! ويُصوّر كما لو أنه قضيتها وحدها، ويُهمش المتضررون الآخرون من الكيان الصهيوني كلّهم، ويتحوّل الصراع مع الصهيونية إلى «معركة بين [إسرائيل] من جهة وإيران [وأذرعها] من جهة أخرى»، وعلى هذا الأساس تصبح الحرب الحالية «نتيجة لسياسات إيران في المنطقة»، ويتجاهل أصحاب هذا الرأي أن إيران التي نعرفها اليوم هي ثمرة للثورة الإسلامية الإيرانية في العام 1979، أي أن «إسرائيل» كانت طرفاً أساسياً في عدة حروب قبل ظهور أي دور إيراني يذكر في الصراع مع «إسرائيل»، فشهدت المنطقة حرباً في 1948 داخل فلسطين، بعدها كانت مشاركة جيش الاحتلال في العدوان الثلاثي على مصر 1956، ثم شنّ الكيان عدوان حزيران 1967 ضد مصر وسورية والأردن، وخاض بعدها حرب استنزاف حتى عام 1970، ثم بدأت حرب أكتوبر 1973 بهدف استعادة الأراضي السورية والمصرية المحتلة، وصولاً إلى إجتياح «الإسرائيلي» للبنان عام 1982، هذا إلى جانب حرب مستمرة منذ 1948 داخل حدود فلسطين التاريخية، لتكون بذلك «حرب غزّة» الأخيرة فصلاً واحداً من فصول عديدة سابقة.
في السياق ذاته، لم يعد بالإمكان نقاش الصراع مع الكيان الصهيوني دون الأخذ بعين الاعتبار وزن إيران النوعي، ودورها الكبير الذي يكاد يكون الوحيد، في دعم وتسليح فصائل المقاومة، التي تشتبك بشكل مباشر مع العدو، وعلى هذا الأساس يرتبط الهجوم السياسي على دور طهران بشبهة كبيرة، فالموارد اللازمة لخوض هذه المعركة محدودة ومصادرها قليلة، ومحاولة إخراج إيران من معادلة الصراع، أو تحجيم دورها يعني: الإخلال بميزان القوى لصالح العدو.
أولئك الذين يتحدثون عن الرد
الرد، ورغم كونه حديث الشارع ووسائل الإعلام، إلّا أن أهداف المتحدثين مختلفة ومتناقضة في كثير من الأحيان، ويمكن لنا أن نحدد طبيعة خطاب كل فئة في محاولة لفهم الخلفية السياسية التي ينطلق منها كلٌ منهم:
القسم الأول: يروّج إلى أن رداً من إيران أو المقاومة من شأنه أن يجر المنطقة إلى حرب شاملة، متجاهلاً أن السلوك الأمريكي والصهيوني منذ 9 أشهر كان السبب الأساسي للتصعيد وتوتير الأجواء، ومع ذلك حافظ الطرف المقابل على قواعد اشتباك محددة ولم يتجاوزها، إلى أن نقل جيش الاحتلال، بتغطية أمريكية، المعركة إلى مستويات جديدة، ففي حين يبدو ظاهر الحديث هو «الحرص على أمن الإقليم» يظل جوهره خلط الأوراق، أملاً في نقل الأصدقاء إلى خانة الأعداء، وفرض الأعداء التاريخيين علينا كـ «حراس سلام».
القسم الآخر: وإن كان يبدو متناقضاً مع الأول، إلا أنه يؤدي الغرض ذاته، فهناك من يروّج إلى أن الرد سيكون «ضربة قاضية» ويتناقلون القصص في هذا السياق، ويضخمون ما يجري، ليبدو أي رد هزيلاً وأقل من الأوهام التي زرعتها هذه الفئة في عقول الناس! على عكس القسم الأول يعتمد هؤلاء في خطابهم على تمجيد المقاومة وبطولاتها، فيتحول كلامهم إلى ستار يغطي من يختبئ خلفه، في محاولة لتعطيل فطرة الناس في كشف أعدائهم وأصدقائهم.
هل نشهد حرباً شاملة؟!
إذا ما نظرنا إلى التصريحات والمؤشرات كلّها، سواء القادمة من طهران أو من أطراف المقاومة المختلفة لبدا جلياً أنهم عازمون على الرد، ولكنّهم في الوقت نفسه يتحدّثون عن رد موجع، ولكنه مضبوط، يمنع أي احتمال للذهاب إلى حرب شاملة، ليكونوا بذلك أصحاب الكلمة الفصل، ويحافظوا على رباطة الجأش، بعيداً عن ردود الفعل المتسرّعة، ومع ذلك تبدو التحركات العسكرية في الجبهة المقابلة- سواء داخل الكيان، أو تلك التي تقوم بها الولايات المتحدة في المنطقة- مقلقة للغاية، وتتجاوز في بعض تفاصيلها حدود الاستعداد للضربة المتوقعة على الكيان، وهذا يطرح سؤالاً جدّياً، حول احتمالات أن يتحول التصعيد الحالي إلى حرب شاملة. بناءً على ما سبق لا يمكن القول باستحالة ذلك، لكنّه يظل الاحتمال الأضعف، وخصوصاً أن توسيع الصراع جغرافياً ونوعياً قد يفرض دخول أطراف أخرى فيه، مثل: روسيا لتكون جميع الخيارات سيئة بالنسبة للولايات المتحدة و«إسرائيل».
الرد سيستهدف بلا شك الحرب نفسها لا توسيعها، أي أن التحضير له يأخذ بعين الاعتبار أن يشكّل ضغطاً جدّياً وحقيقياً، بهدف الوصول إلى وقف إطلاقٍ للنار، على أساس الشروط التي تتمسك فيها المقاومة في فلسطين، فالتعويل على الدور الأمريكي هو وهم تماماً، كما وصفه القيادي في حركة حماس سامي أبو زُهْري، ويبقى التعويل على القوى الذاتية هو الأمل الوحيد في الخلاص، والانتقال إلى فصلٍ جديد في حل القضية الفلسطينية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1188