هل يمكن أن يتحول التوغل في «كورسك» إلى واقعٍ مُستدام؟

هل يمكن أن يتحول التوغل في «كورسك» إلى واقعٍ مُستدام؟

أقدمت القوات الأوكرانية صباح الثلاثاء 6 آب على مغامرة كبيرة بغزوها مقاطعة كورسك الروسية الحدودية مع أوكرانيا، وبدأت الأنباء تتالى وتتضارب حول مستوى الهجوم وخطورته وتداعياته، وما حققه، بينما يبقى هناك سؤال مبهم: ما الأهداف خلفه؟

وفقاً للتقارير الروسية، افتتحت القوات الأوكرانية هجومها بنيران المدفعية بشكلٍ عشوائي، شملت أبنية ومنشآت مدنية في مدينة سودزا بمنطقة كورسك، تبع ذلك هجوم بطائرات مسيّرة، ثم وحدة من رجال المشاة الذين قدر عددهم بحوالي 300 شخص، برفقة 11 دبابة و22 مدرعة.. وفي الأيام التالية ارتفع عدد الجنود المشاركين في الهجوم الأوكراني إلى قرابة الألف.
جغرافياً، تبعد كورسك مسافة 9 كيلومترات عن الحدود الروسية الأوكرانية، وتمتد مسافة المنطقة لعشرات الكيلومترات في العمق الروسي. أما الأنباء حول مستوى وحجم التوغل الذي تمكن الأوكرانيون اختراقه تبقى متضاربة، الإعلام الغربي يدّعي تمكن القوات الأوكرانية دخول مسافة 35 كلم، بينما تؤكد السلطات الروسية أن الهجوم لم يتعدّ 10 كيلومترات في مدينة سودزا.
عسكرياً، يؤكد القادة الروس، والمحللين العسكريين والسياسيين بما فيهم الغربيين، أن هذا الهجوم الأوكراني فاشل قبل بدئه، وأن مئات الجنود الأوكرانيين الذين جرى زجهم في المعركة تمت التضحية بهم، وسيتم طرد أو أسر من يبقى حياً منهم في نهاية المطاف خلال فترة قصيرة.

الأهداف من الهجوم؟

استراتيجياً، وهو الأهم بالمعنى العسكري والسياسي، هو السؤال عن غاية وأهداف هذه المغامرة الأوكرانية حقيقةً؟ لم يعلن الجانب الأوكراني أي هدف لهذه العملية رسمياً، وفي الولايات المتحدة يدّعي مسؤولو واشنطن التواصل مع كييف لمعرفة غايات وأهداف هذا الهجوم أساساً، وبين هذا وذاك، يجري نفخ وتضخيم الهجوم إعلامياً على أعلى مستوى في الغرب.
لكن ومع غياب أي توضيحات رسمية حول غايات الهجوم، ظهرت العديد من التحليلات والتفسيرات، كان أبرزها وأكثرها موضوعية:
أن كييف تسعى بذلك للسيطرة على منطقة ما بالعمق الروسي، لتزيد من حجم وزنها التفاوضي بالتوازي مع التلميحات التي يعطيها الأوكرانيون حول عزمهم بدء المفاوضات.
أو أن الأوكرانيين يحاولون سحب جزء من القوات الروسية في خاركوف ودونباس باتجاه كورسك.
أو أنهم يؤكدون من الناحية العملية: لا مفاوضات في الأفق، وأن الأحاديث والتلميحات التي يجري إعطاؤها عبارة عن مواقف جوفاء، وبالتالي تهدف هذه العملية لنسف فكرة المفاوضات، وبالعكس منها، عبارة عن تصعيد كبير باتجاه توسيع وزيادة حدّة الصراع.
بأي من هذه الاحتمالات، فإن الولايات المتحدة تقف خلفها، وتشارك مباشرةً بها، لتلك الدرجة التي يؤكد بها البنتاغون على لسان المتحدثة باسمه سابرينا سينغ، أن استخدام كييف الأسلحة الأمريكية لضرب منطقة كورسك «يتماشى مع سياستنا».

آثار سياسية

في الجانب العملي، يحمل هذا الهجوم وقعاً سياسياً أكثر مما هو عسكري، فمن جهة يجري الآن استثماره في أوكرانيا وعموم الغرب وتصويره كـ «انتصار»، بعد تضخيمه إعلامياً، إلا أنه من جهة أخرى يحمل آثاراً سياسية داخل روسيا بطبيعة الحال، غير أنها قابلة للاحتواء، بل وأكثر من ذلك، أن نتيجة هذا الهجوم، كما كل ما سبقه، وجرى حتى الآن، سيؤدي لإبراز الفشل والضعف الأوكراني أكثر، ويرفع من رصيد موسكو بدرجة أكبر. فهجوم من هذا النوع يزيد من التماسك الشعبي وراء الموقف الروسي، ولا يمكن أن يحقق نتائج مستدامة على الأرض.
وصف الجانب الروسي هذا التوغل بأنه هجوم إرهابي لما نتج عنه من استهداف مدنيين ومناطق ومنشآت مدنية، ووصفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه «استفزاز واسع النطاق»، وأكدت موسكو على تورط واشنطن في الهجوم. وعلى أي حال، على المستوى الميداني تم وقف توغل القوات الأوكرانية، وتجري الآن معارك لتحرير المنطقة خلال فترة قصيرة، وفقاً للأهداف الروسية المعلنة.
إلا أن التداعي السياسي الأبرز، والذي يبدو حقيقةً أنه الغاية الأمريكية الأوضح لهذا الاستفزاز، هو ارتفاع الأصوات الروسية المطالبة بالردّ على هذا التجاوز، وأن تعلن روسيا «الحرب» تماماً على أوكرانيا، وبالتالي تغيّر أهداف وطبيعة المعركة من عمليّة عسكرية خاصة بأهداف محددة، إلى حرب شاملة، وتغيّر حدودها وقواعدها وما يترتب عليها.

تجاوب موسكو مع الحدث

يُبدي الجانب الروسي حالة عالية من ضبط النفس على الجبهتين في هذه الأوقات، باحتواء رد الفعل الطبيعي داخلياً، وعوضاً عن الردّ على الهجوم الأوكراني بأعلى قدرات ممكنة انطلاقاً من ردّ فعل مباشر قد يؤدي لنتائج غير محسوبة، يجري التعامل مع الحدث وفقاً للتكتيك الروسي المعتاد خلال العام الأخير على الأقل، وهو وقف المدّ العسكري للعدو، ومحاصرته، واستنزافه، بالتوازي مع إجلاء المدنيين من المناطق القريبة، مع التأكيد العملي على خصوصية المنطقة، وحساسية أنها أراضٍ روسية ليجري التعاطي معها بطريقة أسرع، دون إعادة تموضع القوات الروسية من خاركوف ودونباس، وبإجراء اجتماعات عسكرية وأمنية على أعلى مستوى للتعامل مع الحدث بأفضل طريقة ممكنة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1187
آخر تعديل على الثلاثاء, 13 آب/أغسطس 2024 14:18