هل سيُغيّر تحالف إيران الاستراتيجي مع منظمة التعاون الإسلامي موازين المنطقة؟!
في ظلّ التحديّات الإقليميّة والدوليّة المتصاعدة، يبدو أن إيران تسعى- بعقلٍ مبني على مصالح المنطقة السياسيّة والاقتصاديّة- إلى تعزيز نفوذها وتوطيد علاقتها مع جيرانها في الشرق، عبر بناء تحالفات استراتيجيّة مع الدول الإسلاميّة، مستخدمةً منظمة التعاون الإسلامي كمنصّة رئيسيّة لهذا الغرض.
التحالف مع دول ذات وزن سياسي
تدرك إيران أهميّة حشد دعم دول منظمة التعاون الإسلاميّ، والتي تتمتع بثقل سياسيّ واقتصاديّ كبير في الساحة الدوليّة. هذه الدول، بما في ذلك السعودية وتركيا وباكستان، تلعب أدواراً محورية في القضايا الإقليميّة بلا شك، ممّا يجعل تأييدها لأيّ موقف إيرانيّ ذا أهميّة كبيرة. بالتالي، فإنّ تعزيز العلاقات مع هذه الدول ليس فقط خطوة إيرانيّة تكتيكيّة، بل هو فيما يبدو جزء من استراتيجيّة أوسع لتعزيز موقف إيران في مواجهة التحديّات الإقليميّة والدوليّة، ويعكس إلى حد كبير إدراك الدول الإسلامية لمصالحها وعدم انجرارها وراء المخطط الأمريكي، ممّا يصب في مصلحة الجميع.
خطوة نحو توحيد الصفوف
من نافل القول: إنّ فلسطين قضيّة شديدة المحورية في العالم الإسلاميّ، وبالتالي يمكن لتوحيد الصفوف حولها أن يؤدي إلى تعزيز التعاون الإسلامي في مجالات أخرى. وهذا ما تفكّر إيران، إذْ تُظهِر المعطيات أن إحدى القضايا المركزيّة التي تعمل إيران لتوحيد الدول الإسلامية حولها، هي قضيّة فلسطين، حيث تسعى إيران من خلال هذا التحالف إلى تعزيز موقفها كداعم رئيس للقضيّة الفلسطينية، الأمر الذي يساهم بدوره بتعزيز موقفها بين الشعوب الإسلامية، التي لطالما كانت قضية فلسطين حاضرة في أذهانهم.
التنسيق الروسي- الإيراني
في سياقٍ موازٍ، تسعى روسيا، بوصفها قوّة صاعدة دوليّاً، إلى تهدئة المنطقة، وحلحلة مشاكلها، وإفشال مشاريع التخريب والفوضى الغربية، وذلك عبر إرساء علاقات مستقرة وطيّبة ما بين الشعوب، المتآخية ضمن إطار الإقليم. وفي واقع تفرض فيه القضيّة الفلسطينية نفسها بوصفها القضية المحوريّة والأكثر أهميةّ، اختارت روسيا أن تلعب دورها عبر أجسام إقليميّة، مثل: منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية، وجاء هذا عبر تصريح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل حوالي شهر.
ضمن هذه الإحداثيات، تبرز أهميّة التعاون والتنسيق الروسي- الإيراني فيما يتعلق بالمنطقة وتحالفاتها الجديدة، ومآلات الأحداث الجارية فيها. هذا التعاون والتنسيق الذي يزداد قوة مع مرور الوقت، خاصّة في المجالات العسكريّة والتقنيّة، فيما وصل الأمر الآن حدّ توقيع معاهدة استراتيجيّة تاريخيّة شاملة بين البلدين، وهذا أمر مرتقب خلال تشرين الأول/أكتوبر من العام الجاري 2024.
التحالفات الجديدة وموازين قوى
الآن، تتّجه الأنظار إلى ما يمكن أن تسفر عنه هذه التحالفات الجديدة. فمن المتوقع أن تلعب هذه التحالفات دوراً محورياًّ في إعادة تشكيل ميزان القوى في المنطقة. إذْ يمكن لتوحيد الدول الإسلاميّة حول قضايا، مثل: فلسطين، أن يعزّز من قدرتها على التأثير، ويعيد لها أوزانها الفعلية إلى تلك الدرجة التي تسمح لها بإعادة لعب دورها المطلوب بسياق نيل سيادتها الكاملة، وفتح المجال لشعوبها للسير قدماً في عملية تقرير مصيرها، ممّا يفتح الباب أمام تغييرات كبيرة في التوازنات السياسية.
مستقبل منظمة التعاون الإسلامي
في ظل هذه التطورات، يبرز دور منظمة التعاون الإسلامي كمنصة فعالة لتنسيق الجهود بين الدول الإسلامية، وهذا الدور يمكن أن يتعزّز في المستقبل ليشمل مجالات أخرى، مثل: التعاون الاقتصادي والتقني، ممّا يعزز من قدرة الدول الإسلامية على مواجهة التحديّات المشتركة. ومع وجود دول قويّة، مثل: إيران وتركيا والسعوديّة ضمن المنظّمة، يمكن أن تتحوّل منظمة التعاون الإسلامي إلى كيان مؤثر.
خلاصة
في النهاية، يمكن القول: إنّ التحركات الإيرانيّة داخل منظمة التعاون الإسلامي تعكس استراتيجيّة طموحة لتعزيز نفوذها وموقفها الإقليمي والدولي من جانب، ومن جانب آخر، تعكس محاولاتها لرصّ الصفوف في المنطقة، وتوحيد الخطوات من باب واسع وأساسيّ هو قضايا المنطقة المركزية والجوهرية. وبطبيعة الحال، فإن كل هذا يجري بالضدّ من مشروع الفوضى الشاملة الهجينة التي تعمل المؤسسات الغربية- وعلى رأسها أمريكا- لإرسائه وتكريسه في المنطقة، إلى أجل غير مسمّى.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1187