في «إسرائيل» رئيس الأركان يواجه مسلحين مدعومين من الحكومة!

في «إسرائيل» رئيس الأركان يواجه مسلحين مدعومين من الحكومة!

انتقلت «إسرائيل» بتغطية أمريكية في نهاية شهر تموز المنصرم إلى تصعيد خطير أدى بشكل ملحوظ إلى زيادة عدم الاستقرار في المنطقة، فالاغتيالات التي نفّذها الاحتلال في كلٍ من لبنان وإيران، واستهدفت قياديين في حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية، وأدت لاستشهاد شخصيات بارزة على رأسها اسماعيل هنية وفؤاد شكر تعكس إلى حد كبير درجة التأزم المتفجرة داخل معسكر التصعيد الأمريكي-الصهيوني.

احتلّت الإعلانات الصادرة عن طهران وحزب الله وحركة حماس- التي تؤكد التحضيرات لرد موجع- عناوين الصحف وتحوّلت إلى مادة التحليل الأساسية، وانشغل العالم في توقّع شكل الرد وسيناريوهاته المحتملة بالتزامن مع حشود عسكرية أمريكية في المنطقة، وتحضير غربي للدفاع عن «إسرائيل» في لحظة الصفر المرتقبة، لكن جبهة الكيان الداخلية الملتهبة لا تبدو أكثر تماسكاً!

حادث ودلالات خطيرة

مع افتضاح جديد لممارسات الاحتلال داخل السجون، وجد قادته نفسهم أمام حملة انتقاد دولية جديدة، ظهروا فيها على حقيقتهم بشكلٍ يصعب احتواؤه، وخصوصاً أن كيان الاحتلال والفصل العنصري يعاني بشكلٍ كبير في محاولة تجميل الصورة التي اعتاد تصديرها عن نفسه، بعد أضرار كبيرة لحقتها بسبب جرائمه المتكررة، وخصوصاً في حرب غزّة الأخيرة. ومن هنا وجد نفسه مضّطراً لفتح «تحقيقات» في الجرائم التي تمارس على الأسرى الفلسطينيين في المعتقلات، وبالرغم من الطابع الشكلي لهذه التحركات، إلا أنّها لاقت سخطاً واسعاً في صفوف الصهاينة الأشد تطرفاً. وتفّجرّت أزمة كبيرة لا تزال تفاعلاتها تتطور، بعد أن أمر المدعي العام العسكري قوات من الشرطة العسكرية «الإسرائيلية» باعتقال جنود متورطين افتضح ضلوعهم في الممارسات المشينة داخل معسكر «سديه تيمان» بالقرب من بئر السبع التابع للقيادة الجنوبية في جيش الاحتلال. عناصر الشرطة العسكرية دخلوا ملثمين إلى القاعدة حسب وسائل إعلام صهيونية، واصطدموا مع القوات المكلفة بحماية المعسكر، ثم توسعت هذه المواجهات في المحكمة العسكرية المكلفة بالقضية في قاعدة داخل قاعدة «بيت ليد»، إذ تعرّضت إلى هجوم نفذه حوالي 200 شخص، ونقلت وسائل الإعلام أن بعض المقتحمين كانوا ملثمين ومسلحين يرتدون الزي العسكري.
احتاجت الأحداث هذه تدخلاً جدياً من قبل الجيش لضبط الأمن في القطاعات العسكرية المستهدفة، ونقل جزء من قوات الاحتياط المنخرطة في المواجهات إلى الجبهات للتصدي لهذه التحركات، في الوقت الذي قال رئيس هيئة الأركان، هرتسي هليفي: «إن محاولات اقتحام القواعد سلوك خطِر وضد القانون، ويصل إلى حدود الفوضى التي تضر بالجيش وبأمن [الدولة] وبالجهد الحربي» ونوّه إلى خطورة نقل القوات في ظروف كهذه للتعامل مع صدامات داخلية، إلا أن تصريحات هليفي كانت ذريعة جديدة للتصعيد من قبل اليمين، الذي اعتبر أن قرار إيقاف الجنود للتحقيق كان خاطئاً ولا يمكن تبرير نقل الجنود من الجبهات للتعامل مع هذه الاضطرابات.

في معنى كل ذلك

لفهم ما يجري بصورة أدق، ينبغي النظر أولاً بعيداً عن تفاصيل القصة بحد ذاتها، ووضعها في سياق الصورة الأشمل للانقسام الداخلي، فخلافات كهذه تحدث على مدار الساعة، حتى من قبل بدء الحرب في غزّة، مرة حول التعديلات الدستورية التي يرى فيها اليمين إصلاحاً، بينما ترى فيها القوى الأخرى انقلاباً دستورياً، ومرة حول قانون إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، الذي ينظر إليه بدرجات كبيرة من الاستياء، وخصوصاً في صفوف جيش الاحتلال الذي تورّط بحرب لا يبدو أن نهايتها قريبة بعد. والأمثلة على هذه الخلافات لا تعد ولا تحصى، ولكن السؤال الأهم: ما الذي يدفع الأمور في هذه اللحظات بالذات إلى هذا المستوى من التصعيد في الصراع؟ وهنا يبدو الجواب واضحاً، فالإخفاقات التي تلحق بالكيان مع كل يومٍ جديد ودرجة الضغوط الكبرى التي يتعرض لها، تتحول تدريجياً إلى أطنان جديدة من البارود، ولم يعد من المستبعد أن تصبح انفجارات كهذه جزءاً من المشهد اليوم، وخصوصاً أن الحرب لم تخفف أبداً من حدة التناقضات القائمة بل العكس.
وهنا يبدو ضرورياً إيضاح تفاصيل مهمة في المشكلة الأخيرة، فرئيس الأركان لا يرى أنه يستطيع فرض سيطرته حتى في ظرف شديد الحساسية كالتي يعيشها الكيان، ويعلم مسبقاً أن توقيف الجنود المتورطين سيكون له صدىً لا في صفوف «المحتجين فحسب» بل وداخل الحكومة والكنيست، ولهذا أشار أثناء جلسة مجلس الوزراء يوم الخميس 8 آب الجاري، أن قوات الشرطة العسكرية التابعة له، كانت مضطرة للدخول إلى القاعدة العسكرية مع تغطية وجوههم خوفاً من العواقب، في إشارة خطيرة إلى حجم ما يجري، ودرجة الانقسام دخال الأجهزة الرسمية، وبدا وضوحاً خلال تلك الجلسة العاصفة، أن هذه التحركات تعبّر بشكل واضح عن مزاج داخل أجهزة الحكم، والاعتراضات لا تخص القضية الأخيرة، وإيقاف الجنود فحسب، بل ترتبط بصراع أوسع يجري مع الجيش ورئيس الأركان الذي يمثله!

متابعة التصريحات خلال الأيام القليلة الماضية تكشف بوضوح أن الكيان في موقع أصعب بمراحل مما كان عليه قبل 7 أكتوبر، ومن هنا يمكننا أن نفهم أن الحرب وبرغم خطورتها على الكيان إلا أنّها «أفضل الخيارات» المطروحة على الطاولة بالنسبة لهم، إذ أن أي شيء آخر سيفتح المجال لانفجار أوسع، وبمجالات أخرى، تسمح الحرب في تغطيتها مؤقتاً، ولكن ولأن هذه الحرب لم تؤت «ثمارها» التي طمح لها الأمريكان والصهاينة طوال أكثر من عشرة أشهر، فلم يعد من السهل احتواء المشاكل لوقتٍ أطول، وبات من الممكن حصول تمرد واقتحام من مسلحين مدعومين من شخصيات في الحكومة، وأعضاء كنيست، لقواعد عسكرية من بينهم أفراد تابعين للأجهزة الرسمية! ما يعني دخول الكيان مرحلة خطيرة كانت بدأت تتضح منذ بدأ الحديث عن وجود قوات خاضعة لبن غفير في نيسان 2023 وأن وجود قوات من هذا النمط، وفي ظل وجود شرخ داخل المنظومة السياسية القائمة، يمكن أن يتحول إلى أداة في الصراع ويتحّول تحت ضغط إلى حرب أهلية حقيقية!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1187