فرنسا انتخابات بعد حل البرلمان والقطبة المخفية في المشهد!
أحمد علي أحمد علي

فرنسا انتخابات بعد حل البرلمان والقطبة المخفية في المشهد!

في 9 حزيران/يونيو 2024، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حلّ الجمعية الوطنية (البرلمان) ودعا إلى انتخابات تشريعية مبكرة تُجرى في 30 يونيو 2024. هذا القرار جاء بعد الخسارة الكبيرة التي تعرّض لها حزب ماكرون في انتخابات البرلمان الأوروبي، حيث حصل الحزب اليميني المتطرف بزعامة جوردان بارديلا على حوالي 32.5% من الأصوات، بينما حقق حزب ماكرون ما يقارب 15% فقط.

يبدو فهم الدافع الحقيقي للرئيس الفرنسي مسألة شاقة مع المستويات المرتفعة للضخ الإعلامي، وخصوصاً أننا أمام انتخابات بعد قرار من رئيس الجمهورية بحل البرلمان السابق، وهو حدث نادر إذ لم يتخذ رؤساء فرنسا قراراً كهذا إلّا في خمس مرات استثنائية منذ بداية الجمهورية الخامسة.

تحضيرات وتداعيات

بالتوازي، بدأت الأحزاب السياسية الفرنسية بسرعة في تجهيز حملاتها الانتخابية المبكرة، رغم كل ما يواجهها من تحديّات تنظيمية، فتنظيم الانتخابات خلال فترة قصيرة يعتبر تحديّاً كبيراً، حيث يتعيّن تجهيز الحملات الانتخابيّة، وتأمين مراكز الاقتراع، وضمان شفافية الانتخابات، وغير ذلك.
نتائج الانتخابات لا تزال صعبة التوقع، ولكننا أمام تحول كبير في التوازنات السياسية ممّا
قد يؤثر على السياسات الداخلية والخارجية لفرنسا. كما أن نتائج الانتخابات ربما تؤدي إلى تشكيل حكومة جديدة. أي أن هذه الانتخابات لن تمر مرور الكرام في فرنسا، فهي بمثابة اختبار حاسم لمستقبل فرنسا السياسي، وتأثير القوى اليمينية المتطرفة في البلد وأوروبا بشكل عام.

كيف نظرت القوى المختلفة للمشهد؟

عبّر اليمين المتطرف- جوردان بارديلا وحزب التجمع الوطني- عن ترحيبه بقرار حلّ البرلمان، معتبراً أنه نتيجة طبيعية لفشل سياسات ماكرون ونجاحهم في الانتخابات الأوروبية. من جانبها اعتبرت مارين لوبان أن القرار يمثل انتصاراً للقوى الشعبوية، ورأت فيه فرصة لإعادة تشكيل السياسة الفرنسية بما يتوافق مع رؤاهم حول القومية الفرنسية والتقليل من الهجرة. أمّا اليسار- جون لوك ميلانشون وحزب فرنسا الأبية- فقد انتقد قرار ماكرون بشدّة، معتبراً أنه يعكس ضعف قيادته وعجزه عن مواجهة القضايا الملحة، مثل: الفقر والبطالة.
هذا وأبدى الحزب الاشتراكي قلقه من إمكانية تحقيق اليمين المتطرف لمكاسب إضافية، ودعا إلى حملة موحدة للدفاع عن الديمقراطية وقيم الجمهورية الفرنسية، فيما أعرب الحزب الديمقراطي المسيحي عن تحفظه على قرار حل البرلمان، معتبراً أن التصويت الشعبي قد يؤدي إلى عدم استقرار سياسي، ودعا إلى إصلاحات هيكلية بدلاً من حلول قصيرة الأمد. كما انتقد حزب الخضر (البيئة) بشدة ما وصفه بالتوجهات الاستبدادية لماكرون في اتخاذ القرارات الكبرى دون حوار مجتمعي حقيقي.

اليسار يشكل تحالفاً واسعاً

بعد مفاوضات شاقة بين «أحزاب اليسار» أعلنوا عن تشكيل تحالف انتخابي ببرنامج سياسي مشترك، الخطوة تعتبر سابقة بتاريخ فرنسا الحديث، حسب وصف «مونت كارلو الفرنسية». التباينات بين القوى المنضوية في هذا التحالف تبدو كثيرة، فطرح برنامج سياسي يتطلب تنازلات متبادلة من الأطراف كافة، ففي حين يبدو هناك تفاهم وتناغم حول قضايا العدالة الاجتماعية، وإلغاء امتيازات الأغنياء وإصلاح النظام الضريبي في هذا الاتجاه، بالإضافة إلى تطوير القطاع الصحي والتعليم المجاني وغيرها من المسائل.
ويبدو أن السياسة الخارجية كانت واحدة من القضايا الأكثر إشكالية نظراً للتباين الشديد بين هذه القوى، تحديداً فيما يخص الملفات الساخنة في غزّة وأكرانيا.

لحظات حاسمة تعيشها فرنسا

الضغوط السياسية التي يتعرض لها الرئيس ماكرون دفعته لاتخاذ هذا القرار، وإن كان الخطاب الرسمي للرئيس يشير إلى أن خطوته هذه كانت «خوفاً من تمدد اليمين» فالمؤشرات على الأرض تقول غير ذلك... لا شك أن هناك تنافساً مع القوى اليمينية إلّا أن استطلاعات الرأي تشير إلى مسألة خطيرة، وهي أن «التجمع الوطني» (اليمين) يمكن أن يحصل على ما يقارب 29% من أصوات الناخبين، بينما تصل توقعات «الجبهة الشعبية الجديدة» إلى 28%، ما يعني أن حظوظ اليسار واليمين متقاربة في مقابل أن حظوظ «الأغلبية الرئاسية» لن تتجاوز 18%
والمثير للاهتمام في هذه المسألة، أن الرئيس الذي اتخذ قراراً كهذا يدرك أنه لن يستطيع دخول المرحلة القادمة بشكلٍ منفرد، وعلى هذا الأساس يأمل ماكرون كما يبدو أن يقلل الخسائر، وأن يصل إلى ما يعرف باسم حالة «التعايش» على أن تذهب رئاسة الوزراء إلى اليمين، ويحافظ ماكرون على مقعد الرئاسة، ما يعني توزيعاً للصلاحيات بين الطرفين وتحافظ الرئاسة على اليد العليا في إدارة الشؤون الخارجية والعسكرية، بينما يحصل رئيس الوزراء على صلاحيات تنفيذية عالية فيما يخص السياسات الداخلية.
نجاح اليسار بتشكيل تحالف موحد يزيد من حظوظه في الانتخابات القادمة، إذ أن الرئيس عوّل على أن الوقت القصير لن يسمح لهم بتنظيم صفوفهم بالسرعة المطلوبة، ما يعطي أفضلية لليمين، لكن ما يجري يمكن أن يشكّل فارقاً، ويؤثر بشكلٍ ملموس على طبيعة المعركة القائمة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1179