متى؟ وكيف؟ نضم عمال القطاع الخاص إلى النقابات (1)
هاشم اليعقوبي هاشم اليعقوبي

متى؟ وكيف؟ نضم عمال القطاع الخاص إلى النقابات (1)

تخرج بين الفينة والأخرى أخبار ومنشورات وأحاديث عن نشاط نقابي يستهدف عمال القطاع الخاص ومحاولات ضمهم إلى المظلة النقابية وعادة ما يخرج الخبر بطريقة إعلامية بحتة وبمفردات إنشائية وخطاب تقليدي أكل الدهر عليه وشرب لا يرتقي إلى أهمية هذه المهمة والضرورة الكبرى لها وهذا لا يعني التقليل من جهود هذه النقابة أو تلك في سعيها إلى إنجاز هذه المهمة ولا إنكار رغبتهم الحقيقية بذلك، ولكن ما يجعلنا نرى تلك الخطوات والزيارات والمحاولات لا ترتقي إلى مستوى العمل الجاد أسباب عديدة سنتناولها بأسلوب هادئ ومنظم كي نستخلص منها استنتاجات تجعلنا قادرين على تأطير المهمة النقابية بحيث تؤتي أكلها وتصل إلى الأهداف المفترضة لهذه المهمة.

على رأس الأسباب عدم وجود خطة مركزية على مستوى الاتحاد العام لنقابات العمال وبالتالي غياب المنهج والبرنامج مما يجعل من عمل اتحادات المحافظات والنقابات واللجان والأعضاء المحسوبين على القطاع الخاص فيها عملاً فردياً ومرتجلاً ووفق برنامجهم الخاص- إن وجد أصلاً- ومن السهولة رصد ذلك حيث تتحول هذه المهمة بما يشبه هبات مفاجأة سرعان ما تخمد وتجمد لأشهر وسنوات وكأنه عمل موسمي أو يتعلق بنشاط مفاجئ دب في هذه اللجنة أو تلك، لتبقى قضية تنسيب عمال القطاع الخاص موجودة بكل مؤتمر وتصريح إعلامي وبرنامج نقابي على المستوى النظري لا أكثر.

القطاع العام غير المنظم خارج الحسابات

السبب الثاني يكمن بعدم وجود بيانات شاملة ناتجة عن جهود إحصائية أو علمية أو تنظيمية، فغالباً ما تلجأ النقابات حين تقرر التوجه إلى القطاع الخاص على بيانات التأمينات الاجتماعية ومن المعروف أنها بغالبيتها بيانات ناقصة أو مزيفة و لا يمكن الاعتماد عليها لكون أغلب أرباب العمل يتلاعبون بها هرباً من الاستحقاقات المالية والقانونية، لذلك تجد النشاط المؤقت باتجاه عمال القطاع العام يدور في الدوائر السابقة نفسها ولم نسمع بأسماء زيارات لشركات جديدة إلا ما ندر، ناهيك على أن الغالبية العظمى من القطاع الخاص غير منظم، وبالتالي لا بيانات لهم في التأمينات الاجتماعية وهو ما يجعلهم أساساً خارج كل تفكير أو برنامج.

نتائج إعلامية

ثالث الأسباب أن معظم الزيارات التي يقوم بها أعضاء أو رؤساء المكاتب النقابية أو لجان القطاع الخاص تأخذ طابعاً «بروتكولياً» وتبدأ بزيارة أو فتح علاقة مع صاحب العمل أو الإدارة المعنية وتتكدس صور الاستقبال بالأطقم الرسمية والابتسامات عريضة المشهد، وحين تبحث عن نتاج كل ذلك تجده لا يوازي المشهد المعلن والنسبة الأكبر من هذه الزيارات والنقاشات مع أرباب العمل لا تصل إلى هدف تنسيب العمال للنقابات، بل بوعود ومواعيد أخرى مع بعض الهدايا من منتجات هذه الشركة أو تلك، ولقطات غنية على مواقع التواصل الاجتماعي تتغنى بالجهود المبذولة والاستقبال وودية أصحاب العمل وبشاشتهم وتفهمهم للعمل النقابي وحقوق العمال وإن حصل أن تم الاتفاق على تنسيب العمال أو السماح بمقابلتهم وشرح أهمية النقابات لهم فإن ما تنزفه الهيئات النقابية من انسحابات يعادل ما تم زيادته أو أكثر.

هيمنة سلطوية مزمنة

رابع ما نود سرده من أسباب عدم الجدوى الحقيقية لجهود ضم عمال القطاع الخاص إلى التنظيم النقابي هو غياب الوزن الفاعل لعمال القطاع الخاص في الهيئات النقابية والذي جرى تغييبه عمداً خلال العقود الماضية والاعتماد على إمساك التنظيم النقابي بقيادات من القطاع العام حصراً لتسهيل مهمة استمرار الهيمنة والسيطرة على المنظمة وحتى لجان القطاع الخاص في مكاتب النقابات غالباً ما يكون المسؤول عنها نقابي من القطاع العام أو نقابي مسيّس ومكبل من السلطة، وكل ما شهدته النقابات سابقاً من بعض الاستثناءات وصعود نقابيّين مستقلين من القطاع الخاص إلى مستويات قيادية متوسطة جرت محاصرته وإجهاض نتائجه بطرق أمنية أو سلطوية أخرى.

العمال لا يعرفون نقاباتهم

أما خامساً فهو غياب التنظيم النقابي عن النشاط السياسي والاجتماعي الفاعل في الحياة السياسية السورية إضافة إلى الغياب الإعلامي، وتحويله إلى صورة نمطية مطابقة لمجمل المنظمات الشعبية الأخرى كالاتحاد النسائي والحرفي والطلبة وأحزاب الجبهة وغيرها من الهياكل المؤسساتية الغائبة عن الحضور والدور، وإذا قمنا باستطلاع إحصائي بين عمال القطاع الخاص سنجد بأن أكثر من 90% من العمال لا يعلمون أصلاً بوجود شيء اسمه نقابات، وإن علموا به اسماً فلن يعلموا به دوراً، فما هي نسبة السوريين الذين علموا بإضراب عمال الإسمنت أو عمال سيراميك زنوبيا أو غيرها من الإضرابات التي حصلت خلال السنوات القليلة الماضية؟ وما نسبة السوريين الذين يعلمون الدور التاريخي الوطني للحركة النقابية والعمالية في مرحلة التحرر والاستقلال وديمقراطية الخمسينيات؟

تحالفات رأس المال أضعفت العمال

لا بد من إضافة بعض الأسباب الأخرى إلى مجمل الأسباب السابقة وهي القدرة السياسية والإعلامية للنقيض الطبقي لعمال القطاع الخاص ونعني هنا رأس المال فبإمكانياته وتحالفاته ودرجة تحكمه الاجتماعي والقانوني والإعلامي استطاع بشكل تدريجي إبعاد العمال عن تنظيمهم النقابي ومنع أي اختراقات مهمة تعيد إشعال الفكر الطبقي وبالتالي السياسي الثوري، ليتحول إلى أداة قمع اجتماعية تشبه أداة السلطة في القطاع العام ويمكن الاستشهاد بعدد الدعاوى المعلقة والخاسرة في المحاكم العمالية التي جمدت فيها حقوق العمال أو خسروها نهائياً.

من الواقع إلى الضرورات اللاحقة

إن جملة ما ذكرناه بالأسطر الماضية هو الجزء الأساس من تفسير الواقع الذي يجعل المنظمة النقابية فقيرة بعمال القطاع الخاص رغم أن نشأتها وبدايتها كانت منهم وبهم، ويمكن إضافة أسباب أخرى ساعدت بتعزيز هذا الواقع ولكن كي لا تبقى محاولة الفهم عقيمة النتيجة لا بد من الانتقال لوضع رؤية تصلح كدراسة نظرية عملية تساهم في فتح الحوار في الأجواء النقابية والمجتمعية للخروج ببرنامج عمل واقعي وقابل للتطبيق يعيد دور المنظمة لدى عمال القطاع الخاص وتتوسع قواها كمّاً ونوعاً بما فيه مصلحة الطبقة العاملة والحركة النقابية والمجتمع السوري الذي بات أكثر احتياجاً لنشاط القوى الطبقية وهذا ما سنحاول تناوله في العدد القادم... (يتبع)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1237