«مبادرة بايدن» تكشف وجهها الحقيقي

«مبادرة بايدن» تكشف وجهها الحقيقي

يتبدد الضباب تدريجياً وتتضح حقيقة المبادرة الأمريكية التي أعلن عنها بايدن مؤخراً، وتحديداً بعد بدء تداول تفاصيل ومواقف رسمية من الأطراف المعنية، وظهور أنباء من مصادر مختلفة تتحدث عن دور أميركي مباشر في عملية استعادة الأسرى في منطقة النصيرات وسط القطاع، العملية التي راح ضحيتها حوالي 150 شهيداً معظمهم من المدنيين.

منذ خروج الرئيس الأمريكي لإعلان عمّا أسماه «مبادرة [إسرائيلية] لوقف الحرب» كان هناك الكثير من الشكوك المشروعة، والمرتبطة بشكلٍ أساسي بأن الحرب هي حرب واشنطن أيضاً ولم يكن بإمكان الكيان شن هذه الحرب الواسعة دون موافقة ودعم عسكري ومالي من الولايات المتحدة، ومع ذلك تركت كلمات بايدن أملاً لدى البعض، وتحديداً مع وجود احتمال أن تضطر واشنطن في لحظة ما لإيقاف هذه الحرب، لا خوفاً على المدنيين بل لأنها لا تعطي النتائج المرجوة منها. لكن ظل السؤال: هل فعلاً قررت واشنطن إيجاد مخرج؟ أم أننا أمام مشروع مشبوه آخر؟

حول مبادرة بايدن

إذا أردنا توضيح طبيعة ما يجري، يمكننا القول ببساطة: إن الرئيس الأمريكي خرج ليعلن عن مبادرة «إسرائيلية» ليظهر لاحقاً أن هذه المعطيات لم تكن دقيقة، إذ تبين أن رئيس الحكومة وأعضاء فاعلين في مجلس الحرب لا يعرفون بالضبط عمّا يتحدث بايدن، هذا لا يلغي بالطبع أن يكون الرئيس الأمريكي صاغ هذه المقترحات مع أطراف ما داخل الكيان، لكنه ذلك يعني أن المبادرة تحتاج موافقة رسمية من قبل الحكومة «الإسرائيلية» وهو ما لم يحدث، ويمكن استنتاجه بشكل واضح من خلال عرض مثال، من أمثلة كثيرة يمكن رصدها، وهو موقف رسمي أصدره نتنياهو قال فيه: إنّه مصر على شروطه في «تدمير قدرات حماس العسكرية والحكومية، وضمان ألّا تشكل غزة تهديداً [لإسرائيل]، وإطلاق سراح جميع المختطفين» وهو ما يعني أن رئيس الوزراء يرى أن السبيل للوصول للصفقة هو أن تخضع حماس وتنفذ الأهداف التي لم تنجح «إسرائيل» في تحقيقها خلال ثمانية أشهر من العدوان المتواصل على القطاع، ما يعني في الواقع رفض التعاطي الجدي مع المبادرة التي تحمل في تفاصيلها كثير من القضايا الإشكالية!

كيف تعاملت المقاومة مع المسألة؟

تعاطت المقاومة الفلسطينية بنوع من الإيجابية مع وجود مبادرة تنهي الحرب على القطاع وتضمن وقفاً دائماً لإطلاق النار، وتضمن انسحاباً شاملاً لقوات الاحتلال «الإسرائيلي» من غزّة. لكن سرعان ما بدأت تظهر الكثير من التفاصيل أوّلها: أن حماس اعتبرت أن المبادرة الأمريكية «كلمات» ولم تستلم الحركة مقترحاً مكتوباً شاملاً، هذا بالإضافة إلى أن طلبها الأساسي لقبول أي مبادرة هو تعهد مكتوب من قبل الكيان يقبل فيه بوقف إطلاق نار دائم وانسحاب من القطاع. لكن هذا لم يتحقق ولا يبدو أنه قابل للتحقق أصلاً! فالمبادرة تبدو كخديعة كبرى يفترض على أساسها أن تسلّم حماس كل الأسرى المحتجزين لديها في المرحلة الأولى، ويمكن للكيان أن يخرج من هذه المفاوضات في المرحلة الثانية ويعود إلى القتال! وتعتقد واشنطن أن جملة مثل «يبذل ضامنو هذه الاتفاقية قصارى جهدهم لضمان استمرار تلك المفاوضات غير المباشرة» أنّه «تعهدٌ كافٍ» لتقبل حماس هذه المبادرة، دون أن نفهم حتى ما طبيعة ذلك «الجهد» الذي يتحدث عنه بايدن؟
وكذلك الأمر بالنسبة لحركة الجهاد الإسلامي، إذ عبّر نائب الأمين العام، محمد الهندي، في تصريحاته الأخيرة أن: «المقاومة تريد أن ينص مقترح اتفاق التبادل على وقف إطلاق النار نهائياً في غزة، وعدم ترك الأمر لتأويل الرئيس الأميركي جو بايدن أو الوسطاء».

كيف يمكن تفسير ما يحدث؟

قدّمت الإدارة الأمريكية بالواقع مقترحاً تعتقد بشكلٍ جازم أنّه مرفوض من قبل المقاومة، وهو ما يبدو هدفاً مرحلياً لخطوة لاحقة.
فأمام المقاومة الفلسطينية الآن واحد من احتمالين، فإما أن تقبل بهذه الصفقة المجحفة، وإما أن تظهر كطرف معرقل لـ «مبادرات سلام» يقدّمها «الإسرائيليون» والأمريكيون! ومن هنا يمكن فهم درجة المرونة التي تعاملت فيها «حماس» في اللحظات الأولى مع المبادرة.
وفي السياق ذاته، هناك تقارير تتحدث عن ضغوط شديدة تمارس على حماس بهدف القبول بهذه الصفقة مع وجود «تهديدات» بطرد ممثليها من قطر، ومنع تواجدهم هناك، وهو ما جاء الرد عليه في تصريحات هنية الأخيرة التي قال فيها: «إنه لن يوافق على صفقة لا تلبي شروط الحركة». إذا ما تطورت هذه المسألة في اتجاه كهذا يمكن أن يؤدي إلى توتير كبير للأجواء بين دول عربية وحركة حماس.

تسعى الولايات المتحدة إلى المناورة بشكل مستمر، لتضمن مسألة واحدة وأساسية، هي إطالة أمد الحرب إلى أطول وقت ممكن، وتعقيد كل ما يرتبط بالقضية الفلسطينية، من رفع للتوتر بين الفصائل الفلسطينية من جهة، وبينها وبين الدول العربية من جهة أخرى، في محاولة لتقديمها امتداداً لـ«مشروع إيراني لا جذور حقيقية له في المنطقة»، من جهة أخرى تعطي مبادرات من هذا النمط مدّاً لأولئك المتمسكين بالعلاقات مع واشنطن، وتعرقل بالتالي تطور التيارات الأخرى التي يفترض أن تكون صاحبة المبادرة في هذه المسألة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1178