المنتصر هو من يضع «خطّة اليوم التالي»

المنتصر هو من يضع «خطّة اليوم التالي»

لا تتوقف الآراء والطروحات حول «اليوم التالي للحرب» إلا أنّها تُقدّمُ بوصفها خلافات آراء لا أكثر، بينما يظهر وضوحاً أنها مسألة شائكة لا يمكن حلّها ضمن المعطيات الحالية، فأي حديث عن «اليوم التالي» يفترض نقطة ما تصلها حرب الكيان والولايات المتحدة، وبعدها ينتقلون إلى المرحلة التالية، أي إن الانتهاء من المرحلة الأولى يعني تحقيق الأهداف «الإسرائيلية» والأمريكية وهو ما يؤكد حجم المأزق الحالي لهذه الأطراف.

اشتعل الصراع مجدداً حول «خطة اليوم التالي للحرب» وظهر على الملأ حجم الخلاف داخل الكيان الصهيوني الذي تدخل حكومته الحالية نفقاً مظلماً ما يهدد بقاءها أصلاً.

الصراع ينفجر داخل الكيان

الخسائر اليومية التي يتعرض لها جيش الاحتلال حملت مؤخراً ملامح جديدة، إذ يتلقى جنوده ضربات موجعة في كلِّ بقعةٍ من بقاع القطاع، لا بل تشتد المعارك في مناطق يفترض أنها خاضعة للسيطرة «الإسرائيلية»، إذ أثبتت وقائع الأيام الماضية، أن الكيان لم يحقق أي إنجاز يذكر، ولا يزال بعيداً حتى عن تحقيق انتصارات جزئية يمكن تقديمها للرأي العام داخل «إسرائيل» أو خارجها.
فالصراع الذي اشتعل داخل الحكومة كان النتيجة الأولى لهذه الضربات، فمن جهة ذهب وزير الحرب الصهيوني يوآف جالانت إلى رفض إنشاء حكومة عسكرية «إسرائيلية» في القطاع، معتبراً أن ذلك سيؤدي إلى «كثير من الدماء والضحايا» موضّحاً، أن المطلوب هو «إلحاق هزيمة بحركة حماس وإيجاد جهات محلية غزية لإدارة القطاع».
أما نتنياهو، فقد أعلن أن الحديث عن «اليوم التالي» سيظل بعيداً عن الواقع ما لم يتم «تحقيق حسم عسكري ضد حماس» وموضّحاً، أن البدائل التي جرى بحثها يجري عرقلتها من قبل الحركة في القطاع.
رغم وقوف بني غانتس إلى جانب وزير الحرب، إلا أن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير شنّ هجوماً شرساً مع أعضاء آخرين في كتلته ضد جالانت، ودعا إلى إقالته، متهماً إياه بعرقلة جهود الحرب.
المشكلة فعلاً تكمن بأن كل الاحتمالات المطروحة على الطاولة لا يمكن تطبيقها فعلياً، إذ يتضح أن إيجاد بديل محلي مسألة شبه مستحيلة، وتسليم إدارة القطاع للسلطة الفلسطينية الحالية لا يمكن أن يتم إلا عبر توافق فلسطيني وإقليمي على ذلك، فضلاً عن أنّ احتلال القطاع بشكل دائم لن يحقق إلا المزيد من الخسائر في جيش الكيان، وسوف يتحول تأمين القوات الصهيونية كما قال جالانت إلى «الجهد العسكري والأمني الرئيسي لـ [دولة إسرائيل] في الأعوام المقبلة، وعلى حساب مجالات أُخرى».
ويظل مع ذلك بحث أيّ من هذه الخيارات مرهوناً بتحقيق أهداف الحرب، إذ تتفق معظم الأصوات «الإسرائيلية» على أن «هزيمة حماس» شرط أساسي لبحث الخطوة التالية، وترى واشنطن ذلك ضرورياً أيضاً، لكن يبدو وضوحاً انفصال هذا الحديث عن الواقع، إذ لا تبدو هناك أي مؤشرات في الميدان تدل على اقتراب تحقيق هذا الهدف، ما يؤكد أن الخطة الأمريكية والصهيونية هي «الحرب» لا اليوم التالي لها.
هذا لا يعني على الإطلاق أن الاستمرار في وتيرة المعارك الحالية لفترة طويلة مسألة قابلة للتطبيق، لكن إدامة الاشتباك يبدو الخيار الأفضل بالنسبة لهم حتى اللحظة.

هرباً من المحكمة أم ماذا؟

تنتشر جملة من التحليلات السطحية في الآونة الأخيرة، تردُّ الموقف الصهيوني إلى خوف نتنياهو من المحكمة، وتذهب هذه التحليلات لتفسير كل التطورات السياسية من هذه الزاوية، متجاهلين أن الأزمة لا ترتبط برئيس الوزراء فحسب، بل هي أزمة عميقة ترتبط بمستقبل الكيان، والدور الأمريكي في المنطقة، فإن كان من الوارد أن يتحرك نتنياهو لخدمة مصالحه الشخصية، إلا أن قراراً بحجم إطالة أمد الحرب هو قرار أكبر من الكيان بحد ذاته، ولا يمكن استمراره دون موافقة الولايات المتحدة، التي ترى مصلحة في إدامة هذا الاشتباك كونه يزيد من فرصها في إشعال المنطقة. لكن وفي الوقت نفسه بقاء «اليوم التالي» معلّقاً يمكن أن يتحوّل إلى عامل ضغط كبير حتى على واشنطن نفسها.
ضمن صورة التوازنات القائمة، لا يمكن لواشنطن أو الكيان تحقيق أي اختراقات جدّية، وعلى هذا الأساس يمكنهم إدامة الاشتباك، لكن ذلك يفتح المجال أيضاً أمام طروحات أخرى يجري تحضيرها، فاستمرار المأزق الحالي وعدم القدرة على التحكم بمستوى الصراع الدائر داخل القطاع، وتعاظم الخسائر «الإسرائيلية» هناك سيترك أثراً كبيراً داخل الكيان، ما سيؤدي إلى مستوى أعلى من عدم الاستقرار، وفي الوقت نفسه، يظهر وضوحاً أن احتمال انتقال المبادرة من الولايات المتحدة إلى أطراف أخرى أضحى احتمالاً قائماً.

يبدو أن مهمّة وضع خطة اليوم التالي، تقع على عاتق كل المتضررين من السياسات الأمريكية، داخل فلسطين وخارجها، فاستمرار حماس والفصائل الأخرى في المقاومة يمكن أن يفرض ملامح اليوم التالي للحرب، فإن كانت «إسرائيل» والولايات المتحدة مضطرّتين لتقديم تنازلات في نهاية المطاف، فذلك يعني أن وجود صف فلسطيني موّحد في تلك اللحظة مدعوماً بموقف إقليمي متماسك، ودعم دولي من أطراف دولية، يمكن أن يحقق نتائج سياسية مهمة ونوعية على مستوى القضية الفلسطينية واستقرار المنطقة، وفي هذه الحال تتحول الخسائر اليومية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني إلى ثمن يدفع في سبيل إنهاء الانقسام ووضع الملف الفلسطيني على الطاولة لكن ضمن معطيات جديدة هذه المرّة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1175
آخر تعديل على الإثنين, 20 أيار 2024 13:30