قضايا الشرق ... درسٌ جديد من إفريقيا!

قضايا الشرق ... درسٌ جديد من إفريقيا!

كيف يمكن تحويل استنتاجٍ سياسيٍ نظري إلى ركنٍ أساسيٍ في رسم سياسات بلدٍ ما؟ فالحديث عن تراجع الغرب عموماً، والولايات المتحدة الأمريكية بشكلٍ خاص، أثبت خلال السنوات الماضية أنه استنتاجٌ صحيح، بل أصبحت الأمثلة على صحته لا تُعد ولا تحصى، لكن ومع ذلك، تفشل قوى سياسية كثيرة في صياغة أهدافها، تحديداً تلك القوى المسيطرة على القرار السياسي في منطقتنا!

في شهر نيسان الماضي، خرج متحدثٌ رسميٌ من النيجر ليعلن عن إنهاء كلٍّ أشكال التعاون العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية، وقال: إن حكومة النيجر آخذةً بعين الاعتبار مصالح شعبها، وقررت طرد كل العسكريين والموظفين المدنيين في وزارة الدفاع الأمريكية العاملين على أراضيها. معتبراً أن هذا التواجد لم يكن قانونياً وهو مخالفٌ للدستور.

المتحدث أشار أيضاً إلى حق بلاده باختيار الشراكات الاستراتيجية والعسكرية بما يخدم مصالح النيجر في انتقاد صريح للتدخل الأمريكي في شؤونهم الداخلية، ومحاولة الضغط على حكومتها الجديدة لقطع العلاقات مع روسيا!

القرار فرض إخلاء واحدة من أهم القواعد العسكرية الأمريكية في الخارج، وهي «قاعدة النيجر الجوية 201» والتي كانت تصنّفُ كأكبر قاعدةٍ أمريكيةٍ للطائرات المسيرة خارج الولايات المتحدة. القاعدة التي حطمت تكاليف بنائها الرقم القياسي، متجاوزةً تكاليف بناء قاعدة «الظفرة» في الإمارات، وقاعدة «فان رانج» في جنوب فيتنام، هذا بالإضافة إلى كونها قاعدة استراتيجية تمكن الجيش الأمريكي من العمل في مناطق واسعة في وسط وغرب وشمال إفريقيا.

لم تنته القصة هنا، بل سلّمت حكومة النيجر القاعدة إلى قوات روسية، التي دخلت إليها حتى قبل إجلاء القوات الأمريكية في حادثة تاريخية لا يمكن تجاهلها!

إذا ما عدنا للسؤال الأول ستبدو الإجابة سهلة وبسيطة، فالحكومات الجديدة التي تظهر على الساحة السياسية في إفريقيا توظّف التوازن الدولي الجديد لصالحها، وتعتمد بشكل واضح على دعم القوى المؤثرة الجديدة على الساحة الدولية لإنهاء الدور الأمريكي والغربي على أراضيها، ذلك الدور الذي أثبتت الأيام أنه يخدم مصالح القوى الاستعمارية، ولم يكن يوماً مسانداً للشعوب الإفريقية في حربها على الإرهاب الذي ارتكب مجازر بحقها خلال عقودٍ مضت.

يُعيد المثال الذي تقدمه الشعوب الإفريقية إلى الأذهان كلَّ المآسي التي حملها التواجد الأمريكي والغربي في منطقة الشرق الأدنى، وتبرهن الممارسة السياسية هناك، أن إخراج القوات الأمريكية ليس حلماً بعيد المنال - كما يظن البعض - بل هو هدفُ سياسي ممكن، ويثبت أيضاً أن التقاعس في تنفيذ هذا الهدف لا يُرد إلى «قوّة الإمبراطورية الأمريكية» بل إلى تلك الروابط الخفية بين الاستعمار ووكلائه بيننا.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1174
آخر تعديل على الإثنين, 20 أيار 2024 12:53