الولايات المتحدة تتجنب إظهار وزنها الفعلي!

قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف: إن موسكو منفتحة على الحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية، وقال: «لقد قال رئيسنا مراراً وتكراراً إننا منفتحون على الحوار، وإننا نعتقد أنه من الضروري مناقشة جميع القضايا بشكل شامل. لا يمكنك إخراج بعض القضايا من السياق العام الذي يهيمن الآن على علاقاتنا الثنائية [...] نحن منفتحون على الحوار ولدينا الإرادة السياسية، لكننا نؤيد إجراء مناقشة شاملة لجميع القضايا»، وبالتوازي مع ذلك قال سفير روسيا لدى الولايات المتحدة أناتولي أنتونوف: إنّ سفارة بلاده في الولايات المتحدة اتفقت مع مسؤولين من الإدارة الأمريكية على مناقشة العلاقات الثنائية خلال الأسبوع المقبل.
إن الحديث الروسي والتأكيد على مناقشة شاملة لجميع القضايا مع الولايات المتحدة الأمريكية ليس بجديد، فهو يشمل قضايا الأمن والاقتصاد والسياسة الدولية، وبشكل خاص توسع الناتو والوجود العسكري الأمريكي خارجياً، واتفاقيات السلاح النووي والحد من انتشار الأسلحة دولياً، ومكافحة الإرهاب، وحل مختلف الأزمات والملفات الدولية العالقة من أوكرانيا إلى إفريقيا والخليج العربي والشرق الأوسط ووسط آسيا وغيرها.
عمد الأمريكيون على الدوام – منذ ما قبل الأزمة الأوكرانية بكثير – إلى تسويف هذه النقاشات ووأدها، وعملوا في الوقت نفسه على تأجيج المشاكل كلّها، بما في ذلك إنهاء العديد من اتفاقات التسلح، مثل: نيو ستارت والصواريخ المتوسطة وبعيدة المدى، وتوسع الناتو وإعادة تموضع القوات الأمريكية بالقرب من الحدود الروسية والصينية بما يهدد أمنهما القومي والاستراتيجي، ويفرض ردود أفعال وإجراءات جوابية من جانبهما، وفي الحالة الأوكرانية حيث كان الغرب يسعى على الدوام لاستمالتها، كان الشرط الروسي واضحاً: عدمُ دخول أوكرانيا إلى حلف الناتو وبقاؤها محايدة.
لم تنجح الولايات المتحدة والغربيون عموماً بتحقيق أي من أهدافهم حتى الآن، وجل ما يفعلونه هو إطالة عمر الأزمات الموجودة حالياً، وتأجيجها في إطار نشر الفوضى وإنهاك الأنظمة والشعوب وحلفائهم قدر الإمكان، إلا أن قدرة الأمريكيين حتى في هذا المشروع باتت أضعف مما سبق.
في أوكرانيا، حيث يتضح بمرور الوقت أمام الجميع، أن فرص تحقيق انتصارات- وإن كانت جزئية بالنسبة للأوكرانيين وحلفائهم- شبه مستحيلة، تتزايد الأحاديث عن بدء المفاوضات، والتي يرى البعض في حديث زيلينسكي الأخير حول المفاوضات إشارة بهذا الصدد، حيث يشترط زيلينسكي بحديثه الذي تطرق فيه للمرة الأولى حول بدء المفاوضات، أن تعود أوكرانيا إلى حدود عام 2022 وهذا يعتبر تراجعاً بحدّ ذاته، لا لكونه يطرح التفاوض بعد أن كانت القيادة الأوكرانية ترفض الحديث عنه بل لأن العودة إلى حدود 2022 تعني أن تستبعد القرم من التفاوض حتى من قبل كييف، هذا بغض النظر عن الموقف الروسي المتمسك بالمناطق التي سيطرت عليها روسيا من أوكرانيا.
رداً على ذلك، صرح المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن «الواقع الجيوسياسي قد تغير بشكل جذري منذ بدء العملية العسكرية الروسية، وتغيرت حدود أوكرانيا وروسيا. انضمت إلى روسيا 4 مناطق جديدة، وهذا واقع جديد لا يمكن تجاهله. يتعين على الجميع أن يأخذوا ذلك في الاعتبار».

إن النقاش الشامل لمجمل جوانب العلاقات الأمريكية الروسية يعتبر مسألة بالغة الأهمية، وهو ما حاولت موسكو تحريكه في مقابل تجاهل أمريكي، فنقاش على هذا المستوى يعني أولاً أن عملية إعادة الرسم لخطوط النفوذ باتت ناضجة، وأن مصالح روسيا كقوة عظمى لا يمكن أن تظل خاضعة للتهديد والانتهاك الأمريكي المستمر، هذا بالإضافة إلى أن أي محادثات ثنائية جدية ستعطي بالضرورة مؤشراً جديداً على طبيعة التبدلات بأوزان هذه الأطراف، وهو بالتحديد ما تتجنبه واشنطن وتحاول تقزيم أي مبادرة من هذا النمط.
حديث زيلينسكي، وبيسكوف، وخاصة أنتونوف حول مناقشة العلاقات الثنائية خلال الأسبوع المقبل، يعني وجود تحركات عملية في هذا الاتجاه، وهذا يعني بدوره وجود تغير ما، وإن كان تغيراً طفيفاً بالموقف الأمريكي تحت ضغط التطورات الأخيرة خارجياً وداخلياً في الولايات المتحدة قُبيل الانتخابات.