هل يمكن للصين والولايات المتحدة تجاوز الخلافات القائمة؟

هل يمكن للصين والولايات المتحدة تجاوز الخلافات القائمة؟

زار وزير الخارجية الصيني وانغ يي الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة بين 26 و28 تشرين الأول، لأول مرة منذ 5 سنوات، كانت العلاقات الثنائية خلالها في أعلى درجات التوتر، والتقى الوزير الصيني خلالها بنظيره الأمريكي أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، والرئيس جو بايدن، فهل تشير هذه التطورات إلى تحسّن محتمل بالعلاقات الثنائية بين البلدين، وحل الخلافات القائمة؟ أم أنها محطة عابرة في سياق التوترات المستمرة؟

تأتي هذه الزيارة بعد زيارة بلينكن للصين في شهر حزيران الماضي، وأعلنت مصادر رسمية أن البلدين يجريان تحضيرات لقمة رئاسية مرتقبة بين الرئيسين الصيني شي جين بينغ ونظيره الأمريكي، وقبل الخوض في دلالات الزيارات الرسمية الثنائية الأخيرة وتحليلها، لا بد من التذكير ببعض المفاصل، ومواضيع الخلاف الرئيسية بين البلدين، والتي أدت لتفاقم التوترات الجارية بينهما.
تُعد الصين المنافس الأكبر عالمياً بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية بطبيعة الحال، علماً أن الاقتصاد الصيني تجاوز الولايات المتحدة الأمريكية من حيث معادل القوة الشرائية، ومن حيث معدلات النمو، أو من حيث إسهامه بالاقتصاد العالمي، ما انعكس بشكل متصاعد على وزن الصين السياسي، وجعلها منافس أساسي ومؤثر، تحديداً إذا ما أخذنا مشاريع، مثل: «حزام واحد، طريق واحد» أو مجموعة بريكس.

سياستان أمريكيتان متناقضتان شكلاً، بضغط موضوعي واحد

عزمت الولايات المتحدة الأمريكية طوال أكثر من عقد على وضع بكين كهدف رئيسي وأوّلي أمامها، وكانت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما أول من أعلن ضرورة التركيز على الصين والتضيق عليها، وضيّقت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على الصين، عبر فرض قيود تجارية واقتصادية بهدف عرقلتها، أملاً في تطوير الاقتصاد الأمريكي، لتعود إدارة بايدن لحمل الراية، ومحاولة التضييق على الصين سياسياً وعسكرياً. فيذكر للمفارقة، أنه في فترة رئاسة ترامب شنّت واشنطن حملة تصعيد كبرى ضد بكين.
إنّ الخلافات بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا تاريخية، وتعود لعقود طويلة، إلا أن واشنطن سرّعت مؤخراً من شدة التوترات والتصعيد وصولاً إلى الحرب في أوكرانيا، والتلويح والتحريض باتجاه مثيلٍ لها في تايوان. والحقيقة، أن كلاً من روسيا والصين تهددان الهيمنة الأمريكية على المستوى العالمي بالدرجة ذاتها، وتكسران نفوذها بالتعاون مع الدول الحليفة والصديقة لهما، وبالدرجة الأولى تلك المنضوية في مجموعة بريكس.
حافظت إدارة بايدن على سياسة ترامب السابقة، ولم تخفف من القيود المفروضة على الصين، بل وبدأت سلسلة من الخطوات التصعيدية الخطيرة، وتدفع في هذا الاتجاه بشكل أوسع خاصة مع التراجع المستمر للدولار والبترودولار عالمياً، والاستعاضة عن اعتماد الدولار كعملة رئيسية للتداول بالعملات المحلية، والتي يكون اليوان الصيني أكثرها استقراراً، ومؤخراً احتل المرتبة الثانية عالمياً بالتداول متجاوزاً بذلك اليورو.

الخلافات الصينية الأمريكية

يُعد الملف التايواني الخلاف الأكبر بين واشنطن وبكين، والذي تسعى الولايات المتحدة الأمريكية للتأثير عليه خارجياً، ومحاولة دفع التيارات اليمينية في تايوان نحو طرح فكرة الاستقلال عن الوطن الأم، بالمقابل، أكدت وتؤكد الصين أنها متمسكة بالقرارات الدولية، وأن تايوان جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية، وعلى واشنطن الاعتراف بذلك، وكانت ذروة الاستفزاز الأمريكي بهذا الملف، زيارة رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي لتايوان في عام 2022 وما تلا ذلك من مناورات عسكرية صينية ضخمة حول تايوان، بما هدد بحدوث أوكرانيا ثانية.
وبالتوازي مع الحرب التجارية والملف التايواني، عقدت الولايات المتحدة عدة اتفاقات ذات طابع أمني وعسكري يناقض المصلحة الصينية، ويهدد أمنها القومي، مثل: تحالف «أوكوس» بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا، وما تبعه من حديث عن توريد غواصات نووية لأستراليا، أو الاتفاقات مع اليابان وكوريا الجنوبية، ومؤخراً، اتفاقية التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة والفلبين، والشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وفيتنام.
لتعطي هذه الاتفاقات الأمنية والعسكرية مع الدول المحيطة بالصين إمكانية أكبر لنشر قوات أمريكية بحرية بالدرجة الأولى في المحيطين الهندي والهادئ، وصولاً إلى بحر الصين الجنوبي، فضلاً أن كل واحدة من هذه الدول باتت تُعد امتداد نفوذ للولايات المتحدة الأمريكية على تخوم الصين. بما يعنيه ذلك من تهديد استراتيجي يهدف للتأثير سياسياً واقتصادياً على بكين، تحت مسمى «المنافسة» الأمريكية لإعاقة تطورها ونموها من جهة، وعرقلة المشروع الأكبر حزام واحد طريق واحد من جهة ثانية، بمفرداته وتفرعاته السياسية من منصات جماعية كمنظمة شانغهاي للتعاون مثلاً، إلى الاتفاقات الثنائية بين بكين وبقية الدول في القارات الثلاث آسيا وأوروبا وإفريقيا.
وبالملفات السياسية الدولية، يختلف الطرفان بشكل جذري، يذكر منها الأكبر: بالملف الأوكراني الذي تبدي الصين تفهمها للموقف الروسي، وترفض الانخراط في الحملة الغربية ضدها بشكلٍ واضح، وتعلن نياتها لحل الصراع بالطرق السلمية بما يخالف المصلحة الأمريكية. وتبدو الخلافات واضحة أيضاً في الشرق الأوسط التي أعطت به الصين ضربة موجعة لواشنطن عبر دفعها ورعايتها لاستئناف العلاقات الإيرانية السعودية، أو بإفريقيا وتحديداً قسمها الجنوبي، عبر توسع نفوذها هناك، وقيامها بالمشاريع التنموية بما يتيح للدول الإفريقية شروطاً مواتية لتحقيق استقلال نهائي عن الغرب، والابتعاد عن الهيمنة الأمريكية، أو ما يتعلق بإصلاح الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وبقية مؤسساتها ونزعها من الهيمنة الأمريكية، ومؤخراً الملف الفلسطيني الذي تقف فيه الصين مباشرة- بالضد من مصلحة الكيان الصهيوني والولايات المتحدة- خلف السياقات والعبارات الدبلوماسية الصادرة عنها استناداً للقرارات والقوانين الدولية.

دلالات التحركات الدبلوماسية الأخيرة بين البلدين؟

بعد عرض الجزء الأبرز من القضايا الخلافية بين البلدين، يبدو واضحاً وخصوصاً إذا ما نظرنا إلى التصريحات الرسمية الصادرة عن المسؤولين الصينيين، أن بكين لا تعارض من حيث المبدأ تحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة، بل وتتعامل مع هذه المسألة بوصفها مصلحة حقيقية، لكن وفي الوقت نفسه تدرك بكين أن عودة العلاقات إلى شكلها الطبيعي يُمكن، لكن تحت شرطٍ أساسي، وهو قبول الولايات المتحدة للوزن الصيني المتنامي، والابتعاد عن كل ما من شأنه تهديد الأمن الوطني الصيني، وهو ما لا تبدو واشنطن مستعدة لقبوله بعد. فكل الملفات التي تتمسك فيها بكين تمس أمنها الوطني بشكل مباشر، فالدعم الأمريكي العسكري والسياسي والاقتصادي لتايوان مثلاً، يُعد تهديداً حقيقياً لوحدة الصين، وهو ما لا يمكن التساهل معه، وهو ما تدركه واشنطن تماماً، وتسعى من خلال خطوة كهذا إلى دفع قوى محددة في تايوان وتوريطها بالدخول في صدام مع بكين، مما يمكن أن يُدخل الصين في حرب صعبة وحساسة، يُمكن أن تتحول إلى حرب استنزاف. وكذلك الأمر بالنسبة للسلوك الأمريكي في بحر الصين ومحيطها.

في الوقت الذي لا تبدي واشنطن أي تفهّم لمخاوف بكين في هذه الملفات، يبدو السعي لعقد لقاءات من هذا النمط غير مفهوم، فربما يكون أصحاب القرار في واشنطن يسعون لمناورة جديدة للتخفيف من حجم الأزمة الداخلية، التي سيكون توتير الأجواء مع الصين عاملاً إضافياً في تعميقها. نتائج القمة وهذه اللقاءات لا يمكن إخفاءها كثيراً، وسيتضح قريباً إن كانت واشنطن نجحت بتحقيق أي تقدم في هذا السياق، لكن المؤشرات الظاهرة حتى اللحظة لا تشير إلى أن مستوى التوتر بين البلدين يمكن أن ينخفض بشكلٍ جدّي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1146