انقلاب الغابون… هل تكون إفريقيا الحلقة الأضعف في النظام العالمي؟

انقلاب الغابون… هل تكون إفريقيا الحلقة الأضعف في النظام العالمي؟

منذ أيام وبعد أسابيع قليلة أعقبت انقلاب قاده ضباط في النيجر، أزاح الجيش في الغابون في صباح الأربعاء 31 آب الماضي الرئيس علي بونغو بعد ساعات قصيرة من إعلان فوزه في انتخابات رئاسية شكلية، الحدث نقل الانقلابات المتعاقبة من منطقة الساحل إلى وسط وغرب إفريقيا، وحمل معه في الوقت نفسه تطورات في المواقف الدولية ولا سيما الغربية، فما الذي يمكن قوله حتى لآن؟

بعد الإعلان عن فوز بونغو في ولاية رئاسية ثالثة، وحصوله على 64,27% من الأصوات ظهرت مجموعة تضم 12 عسكرياً على محطة تلفزيونية رسمية، ومن داخل القصر الرئاسي، وأعلنت تنفيذها لانقلاب عسكري، ووضع الرئيس تحت الإقامة الجبرية. وفي البيان الانقلابي أكد كولونيل في الجيش إلغاء الانتخابات ونتائجها، وإنهاء النظام القائم «حفاظاً على السلام»، معلناً عن بدء مرحلة انتقالية. وفي السياق نفسه صرّح الجنرال بريس أوليغي نغويما قائد الحرس الجمهوري في الغابون أن الرئيس السابق أقيل من منصبه لكنه سيحتفظ بجميع حقوقه المدنية وسوف يعامل معاملة أي مواطن عادي.

قائمة طويلة من الأسباب الداخلية

تعتبر الأوضاع الداخلية في الغابون أسباباً كافية بنظر البعض لتفسير الأحداث، وفي الحقيقة يمكن ذكر قائمة طويلة من العوامل الداخلية التي يمكن أن تكون سبباً فيما يجري، فهذا البلد يشترك مع الكثير غيره من البلدان الإفريقية في جملة من المسائل، أبرزها مستويات الفساد المرتفعة والخلل الهائل في توزيع الثروة، مع عامل أساسي وهو تبعيته للغرب واعتماد نمط من العلاقات الاقتصادية الاستعمارية التي تحصل فيها فرنسا مثلاً على خامات رخيصة دون أن تكون ملزمة بتقديم مقابل جدي، فالغابون تعتبر من البلدان الغنية وتحوي احتياطيات نفطية يقدّر المؤكد منها بملياري برميل، ما يضعها في المرتبة 35 على أساس مستويات الاحتياطيات النفطية العالمية، وهو ما جعلها مصدراً مهماً لخامات الطاقة، وعضواً في منظمة أوبك، بالإضافة إلى أن البلاد تحتوي على كميات كبيرة من المعادن وخصوصاً المنغنيز، وتحتل المركز الثالث عالمياً في إنتاجه، وتسيطر فرنسا على أكبر مناجمه في البلاد وتنتج سنوياً ما يقارب 5 ملايين طن من المنتجات. هذا بالإضافة إلى ثروات أخرى مثل اليورانيوم والأخشاب التي تأتي من غاباتها الشاسعة. وبالرغم من حجم الثروات الهائل، لم تشهد الغابون أي مشروع تنموي حقيقي وظلّ اقتصادها تابعاً ومرتبطاً بالاقتصاد الفرنسي عبر الفرنك الإفريقي، مع أن عدد السكان لا يصل إلى 3 ملايين إلا أن أكثر من ثلث هؤلاء يعيشون تحت خط الفقر مع نسب بطالة كبيرة تصل إلى 40%. ويرى الشعب الغابوني أن مشكلاته الاقتصادية هذه مرتبطة بأسرة بونغو التي سيطرت على الحكم لعقود طويلة و تمتعت بدعم غربي كبير، ويعتبر نفوذ العائلة الاقتصادي هو الأبرز في الغابون ويسيطرون على ما يبقى من ثروة البلاد التي جرى نقلها إلى الغرب بشكلٍ ممنهج.

وقفة ضرورية!

الأسباب الداخلية التي جرى عرضها لا تكفي وحدها لتفسير ما يجري، فإلقاء صورة شاملة على إفريقيا يضع الأمور ضمن سياق أشمل ينبغي التركيز عليه. ففي السنوات الثلاث الماضية شهدت مجموعة من الدول تحركات انقلابية في السودان والتشاد، والنيجر، ومالي، وبوركينا فاسو، وغينيا. ومحاولة فاشلة للانقلاب في غينيا بيساو وغامبيا، ويكفي النظر إلى الخريطة حتى يظهر بوضوح أن هناك محاولة لتغيير كل الأنظمة السياسية على امتداد الساحل الإفريقي، وهنا تحديداً ظهرت فرنسا في الواجهة بشكل أساسي فهي وبالرغم من كونها أبرز المستعمرين في إفريقيا إلا أنها كانت تقود عملية عسكرية «لمجابهة الإرهاب» المنتشر في هذه المنطقة بالتحديد، الذي يعتبر أحد أهم عوامل التهديد وعدم الاستقرار هناك. ولم يكن للدور العسكري الفرنسي أي إسهام جدي في وضع حد للانهيار الأمني شبه الشامل، ما دفع هذه الدول للبحث عن شركاء آخرين، مثل روسيا التي قدّمت دعماً أمنياً وعسكرياً بشكل مباشر وغير مباشر، لكن ضريبة الفشل المتكرر للأنظمة السياسية كان لا بد أن تكون لها نتائج، فيمكن النظر للانقلابات في منطقة الساحل بوصفها نتيجة مزدوجة للفشل الفرنسي الذي تتحمل مسؤوليته إلى جانب باريس كل الأنظمة السياسية القائمة في المنطقة. ومن هذه الزاوية يرى البعض أن انقلاب الغابون يعتبر حدثاً جيوسياسياً مختلفاً، نظراً لأن هذا البلد لم يكن مسرحاً لهذه الأحداث الدموية، وأن عائلة بونغو استطاعت فرض حالة من «الاستقرار السياسي» لعقود. لكن يتجاهل أصحاب هذا الرأي أن الجزئيات المختلفة بين الغابون ومنطقة الساحل لا تعني بحال من الأحوال أن الظروف العامة مختلفة أيضاً! فالقارة الإفريقية شهدت حسب الدراسات معدلاً ثابتاً للانقلابات قدره باحثان أمريكيان، جوناثان باول وكلايتون ثاين، بأربع انقلابات سنوياً على مدار أربعة عقود منذ 1960 وحتى 2000 لينخفض المعدل بعدها إلى انقلابين في السنة. حتى عام 2019 الذي عادت الانقلابات لتسيطر على مسرح الأحداث في القارة. ما يعني أن الخصوصية الموجودة في كل انقلاب لا تكفي لعزله عن حالة عامة تجري في عموم القارة. وأن تزامن هذه الانقلابات لا يرتبط فقط «بعدوى» تنتقل وإنما بظروف دولية وإقليمية ملائمة تستند إلى أطنان من المشاكل الداخلية في كل بلد على حدة.

ملحوظات تستحق التفكير

مع خروج الضباط في الغابون على الشاشات معلنين إزاحة الرئيس ظهرت سلسلة من التفاصيل المثيرة للانتباه. كان أولها أن القوات الانقلابية لم تعلن أي موقف عدائي تجاه الدول الغربية وفرنسا في كسر لـ «تقاليد الانقلابات» السابقة، وفي الوقت نفسه ورغم إعلان مواقف رافضة للانقلاب من الدول الغربية، إلا أن حدة الخطاب كانت أخفض من تلك التي تلقتها السلطات الانقلابية في النيجر مثلاً، إذ حملت تصريحات مفوض الاتحاد الأوروبي للأمن والخارجية، جوزيف بوريل الكثير من الانتقادات المبطنة للنظام السابق، وشكك في نتائج الانتخابات، ما بدا وكأنه قبول ضمني للخطوة الانقلابية. واكتفت الدول الغربية الأخرى بخطاب مماثل جرى انتقاء الكلمات بحذر.
لا شك أن توجهات السلطة الحالية لم تتضح بعد ولا يمكن الجزم بطبيعتها، إلا أن المؤشرات هذه لا تكفي وحدها، فالسلوك الغربي تجاه الخطوات الانقلابية السابقة لم يكن كافياً لتحقيق أي نتائج، وأظهرت التجربة أن إعلان مواقف صدامية بشكل مباشر كان من شأنه قطع طرق للتفاوض مع سلطة الأمر الواقع ويفتح مجال للآخرين وتحديداً روسيا والصين لتمتين علاقاتها مع السلطات الجديدة. وظهر هذا التمايز في الموقف منذ انقلاب النيجر الذي سعت واشنطن مباشرة وبعد استيعاب الصدمة إلى محاولة حثيثة لفتح خطوط للتواصل، لم تسفر حتى اللحظة عن نتائج ملموسة. وينطبق هذا على الضباط الذين قادوا الانقلاب في الغابون إذ يمكن أن يحاولوا تأخير إعلان النوايا ما يعطيهم مساحة كافية للحركة وتجنب ضغوط خارجية مباشرة قد لا تكون العقوبات حدها الأقصى!

في الختام

الملاحظة الأولية تقول، إن إفريقيا كغيرها من قارات العالم تكون متأثرة ومؤثرة بمجمل التغيرات العالمية، وربما تكون إفريقيا بطبيعتها السياسية الهشة أولى المعبرين عن انهيار النظام الدولي القديم، فالانقلابات السياسية التي كانت تترجم التغيرات الدولية شهدت زخماً كبيراً في فترة تراجع الاتحاد السوفيتي وصولاً إلى انهياره، ونشهد اليوم تسارعاً ملحوظاً في وتيرتها. فبغض النظر عن الظروف والقوى المحركة لهذه الانقلابات ستكون التطورات اللاحقة مرتبطة بشكل التوازنات الدولية أكثر من ارتباطها بمزاج القوى القائمة على الانقلاب في البلدان الإفريقية، فالخيارات على المستوى الدولي محدودة أكثر من أي وقتٍ مضى، والتجربة الإفريقية مع دول الاستعمار الغربي ستقلص الاحتمالات أكثر فأكثر.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1138