مرحلة الكيان العصيبة: توترات داخلية وطموحات تطبيع واهية

مرحلة الكيان العصيبة: توترات داخلية وطموحات تطبيع واهية

يمر الكيان الصهيوني بأسوأ مراحله التاريخية حتى الآن وستزداد سوءاً مستقبلاً، فالوضع الداخلي يشهد توترات متصاعدة منذ مطلع العام الجاري على الأقل، وبالتوازي مع ذلك يتزايد الضغط الفلسطيني ونشاط المقاومة بشكل مستمر، وعلى المستوى الإقليمي لم تتحول اتفاقات أبراهام إلى مخرج من مأزق الكيان، وفي الوقت نفسه تتعرقل طموحات التطبيع الأخرى، أما دولياً فكافة المجريات تمضي باتجاهات مخالفة لمصلحة الكيان والولايات المتحدة.

تجدد عمليات المقاومة وتوترات داخلية مستمرة

نفّذت المقاومة الفلسطينية 3 عمليات خلال الأسبوع الماضي بأماكن متفرقة، الأولى قيام شاب فلسطيني بعملية دهس لقوة من جيش الكيان قرب مستوطنة بيت حجاي في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية يوم الخميس الماضي، وأصيب الشاب الفلسطيني بجروح خطيرة عقب إطلاق قوات جيش الكيان الرصاص عليه، وتسببت العملية بتوتر أمني في المنطقة حيث عززت القوات الإسرائيلية تواجدها العسكري وأعلنتها منطقة مغلقة.
وفي اليوم التالي مباشرة أعلن «الجيش الاسرائيلي» بشكل رسمي مقتل أحد جنوده في عملية دهس أخرى على حاجز مكابيم غربي مدينة رام الله في الضفة الغربية نفذها شاب فلسطيني، وإصابة 3 مستوطنين آخرين قبل أن يفر الشاب من المنطقة باتجاه حاجز حشمونائيم لتطلق القوات الصهيونية النار عليه، ما رفع مجدداً درجة التوتر الأمني في رام الله.
وفي اليوم نفسه أعلن «الجيش الاسرائيلي» أيضاً عن إصابة ضابط و3 جنود تابعين له إثر تفجير عبوة ناسفة استهدفتهم خلال اقتحام القوات الصهيونية لمدينة نابلس في الضفة الغربية من أجل تأمين اقتحام مستوطنين للمدينة، وأعلن الجناح المحلي لحركة الجهاد الإسلامي مسؤوليته عن هذا الهجوم. إثر ذلك طلب جيش العدو من المستوطنين تقليص مدة تواجدهم والمغادرة بأقصى سرعة ممكنة.
أدت العمليات الثلاث إلى توتر أمني شديد، وأعلن مكتب رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو عن لقائه مع كبار المسؤولين الأمنيين لتقييم الوضع بعد العمليات الأخيرة.
ونفذت هذه العمليات في وقت لاتزال تتجدد التظاهرات والاحتجاجات في الداخل «الإسرائيلي» للأسبوع الـ 35 على التوالي ضد خطة «الإصلاح القضائي» التي تسعى حكومة نتنياهو تمريرها، ومناهضة للحكومة «الإسرائيلية» ككل، وضمن هذه الاجتجاجات وقعت أعمال شغب ومواجهات عنيفة ودامية بين المحتجين وقوات الأمن في مدينة تل أبيب أصيب خلالها 170 شخصاً بينهم 49 ضابط شرطة، وزُعم أن المسؤول عنها كانوا مجموعة من اللاجئين الإريتيريين المعارضين الذي خرجوا ليحتجوا على تعاون السلطة الصهيونية مع نظام بلادهم، وفتح هذا الحادث الباب أمام انتقال المواجهات إلى مستوى عنيف حيث اعقتل 39 متظاهراً ولا تزال احتمالات التصعيد قائمة. ورغم ذلك لم يوقف هذا الحدث أكثر من 100 ألف محتج من التظاهر بمواقع مختلفة في جميع أنحاء «اسرائيل» مطالبين بحل الحكومة والكنيست.
لا توجد مؤشرات تفيد بأن حكومة نتنياهو الحالية قادرة على تجاوز أزمتها السياسية الجارية، حيث يتزايد ضغط «الإسرائيليين» بمرور الوقت، ويتوازى ذلك مع ضغوط أعلى من القوى السياسية المعارضة للحكومة، ومن وجهة نظر المصلحة الأمريكية فإن آخر ما ترغب به هو أزمة حكومية جديدة داخل الكيان وبنفس الوقت غير قادرة على تأمين الدعم اللازم للحكومة الحالية وخصوصاً في ظل العلاقة المتوترة معها، ليبدو المشهد ساكناً بشكل مؤقت من صدّ وردّ بين المحتجين والمعارضين مع حكومة نتنياهو، وليس من الصعب التنبؤ بأن استمرار الوضع الحالي من شأنه أن يفاقم الأزمة السياسية الحالية التي يمكن أن تتحول إلى حالة من الشلل التام، ولن تكون الحلول التقليدية كافية لعلاجها.
وكل ذلك يجري وسط انقسام وأزمات داخل جيش العدو من تمرّد لعشرات ألوف قوات الاحتياط منذ أشهر، إلا أن مستوى التدهور الجاري داخل الكيان وجيشه نفسه بات ينتج أحداثاً تدعو إلى السخرية على غرار سرقات معدات جيش الاحتلال، ففي شهر حزيران الماضي أعلن الجيش «الإسرائيلي» عن وقوع عملية سطو لقاعدة تابعة له وسرقة مدفع رشاش من طراز «ماغ»، وخلال الأسبوع الماضي أعلن مجدداً عن حادثة مماثلة أخرى حيث سرق مدفع رشاش من الطراز نفسه من قاعدة جعفاتي الجوية كان مثبتاً على مدرعة بينما كان الجنود نائمين داخلها.

محاولات تطبيع أم تخريب؟

يتزايد الحديث عن ملف التطبيع السعودي «الإسرائيلي» بدفع غربي، ويشكل الجانب الإعلامي منه الحيز الأكبر لأهداف سياسية منها الضغط على السعودية ومن جانب آخر التشويش على علاقاتها مع إيران و واستفزازها.
فيكاد لا يمر يوم دون أن ينشَر مقالٌ حول الموضوع في الصحف ووسائل الإعلام الغربية «والإسرائيلية» وتتحدث هذه المقالات عن «التطبيع المنتظر» «والشروط والتنازلات» التي يقول الإعلام إنها قيد النقاش دون تصريحات رسمية تؤكد ذلك. ويجري الحديث أن السعودية تطلب ضمانات أمنية ملزمة من واشنطن، وتعاوناً من قبل الأخيرة لإنشاء برنامج نووي على الأراضي السعودية وتقديم واعتراف الكيان بحق وجود دولة فلسطينية مستقلة. كل هذه التسريبات إن صحّت تعني أن الرياض لا ترى مصلحتها في خطوة كهذه، وهو ما يبدو واضحاً في بعض التحليلات والتصريحات الصهيونية والأمريكية، التي تدرك حجم العقبات أمام هذا المشروع. فالكيان لا يمكن أن يدعم قيام دولة فلسطينية، وواشنطن غير قادرة ولا تريد تقديم تسهيلات للسعودية خاصة في ظل العلاقة المتوترة بين الطرفين، ما يفتح الباب أمام الرياض للبحث عن شركاء جدد في الساحة الدولية، وكان آخر ما جرى تداوله، أن المملكة السعودية تدرس بالفعل، عرضاً صينياً من أجل بناء محطة طاقة نووية بالمواصفات المطلوبة سعودياً.

برز خلال الأسبوع الماضي موضوع التطبيع الليبي بعد الكشف عن لقاء جرى بين وزيرة خارجية حكومة الوحدة الوطنية نجلاء المنقوش مع نظيرها الصهيوني إيلي كوهين في إيطاليا، أدى إلى محاولات رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة النأي بنفسه عبر عزلها عن منصبها وتوقيفها وفتح تحقيق بالحدث، إلا أن ذلك لم يمنع من خروج تظاهرات ليبية مناهضة له ولحكومة الوحدة مؤكدة رفضها أي مشروع للتطبيع بشكل قاطع.. ويمكن القول إن الكشف عن هذا اللقاء وتسريب تفاصيله إلى الإعلام، سيكون لها أثر كبير على الحكومة الحالية، وسيضعف وزنها، فالحديث عن أن لقاءات واتصالات كانت تجري بالفعل تشير إلى أنها ربما لم تصل إلى نتائج ملموسة ما جعل تحويل الحدث إلى ضجة إعلامية أكثر فائدة بالنسبة للكيان، الذي يحتاج في ظل أزمته وبشكل دوري، إلى تقديم نتائج ملموسة من شأنها تخفيف حدة الأزمة الداخلية، لكن الفقاعات الإعلامية لم تعد كافية وهو ما تثبته التطورات الجارية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1138