هل تتحول اليابان وكوريا الجنوبية إلى وقود في حريق واشنطن؟
لم تعد أهداف واشنطن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ خافية على أحد، فإدارة بايدن تحشد القوى في محيط الصين، أملاً في تدعيم الجبهة الأمريكية هناك، وتسعى لتوريط قوى إقليمية للدخول في مواجهات مع بكين، ما يجعل المنطقة أمام مخاطر أمنية وعسكرية كبيرة، وخصوصاً إذا ما أخذنا التحولات الجارية في اليابان المأزومة بعين الاعتبار.
يفترض أن يصل رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا إلى كوريا الجنوبية في وقتٍ لاحق من اليوم، الأحد 7 أيار الجاري، ومن المقرر أن يعقد قمّةً مع رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول. وبالرغم من أن الزيارة تشير إلى احتمالات جدّية لتحسن العلاقات المضطربة بين البلدين، إلا أنها تعتبر نذير شؤمٍ في بكين، التي ترى بوضوح الدافع الخفي وراء هذا التقارب الكوري- الياباني السريع. وترى أيضاً جملة من التحولات الجارية في اليابان والمنطقة.
«توغل الناتو في آسيا»
تداولت تقارير إعلامية خبراً على نطاق واسع، يفيد بأن الناتو يعمل مع اليابان على فتح أول مكتب اتصال تابع له في آسيا، وتفيد التقارير، أن مقر هذا المكتب سيكون في العاصمة طوكيو. وسيعمل على «إجراء مشاورات دورية مع اليابان وشركاء واشنطن الرئيسيين في المنطقة، مثل: كوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا». وبالرغم من غياب التأكيدات الرسمية حتى اللحظة، إلا أن خطوة كهذه كانت متوقعة، وتحديداً بعد أن أعلن الناتو أن الصين باتت تشكّل تحدياً لمصالحه، ولذلك أكد ضرورة تعزيز وجوده في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. من جانبٍ آخر، شهدنا مؤخراً تزايداً متسارعاً في التعاون بين كوريا الجنوبية و«حلف الناتو» فقد شارك الرئيس الكوري الجنوبي في قمة الناتو التي عقدت إسبانيا، في شهر آب من العام الماضي، ثم أنشأت كوريا الجنوبية بعثة دبلوماسية لدى الناتو في تشرين الثاني من العام نفسه.
الأمثلة الأخرى كثيرة، فالنشاط الأمريكي في المنطقة مستمر دون انقطاع، وأصبح من الصعب إنكاره أو تقليل حجمه، وبعض الخطوات تجري ضمن إطار الناتو، وعبّرت عنها وضوحاً زيارة الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ إلى كوريا الجنوبية واليابان، وبعض الخطوات الأخرى تقوم بها واشنطن في أطر متنوعة، أبرزها: «مجموعة كواد» التي تضم الهند واستراليا واليابان إلى جانب الولايات المتحدة. وفي هذا السياق يمكننا رصد ثلاث خطوات خطيرة جرت مؤخراً:
خطوة أولى:
تغيير عقيدة اليابان
تضيق الخناق على الصين في محيطها لا يمكن أن يتم دون الاستعانة باليابان، إلا أن وضع هذه الأخيرة ومنذ هزيمتها في الحرب العالمية الثانية لم يكن يسمح لها بتأدية دور عسكري مؤثر، وذلك بسبب دستورها الذي يفرض وجود جيش ذو عقيدة عسكرية دفاعية، وتسليحه بنوعية تنسجم مع هذه العقيدة. لكن واشنطن وجدت أن تيارات يمينية وقومية داخل اليابان تسعى للتخلص من القيود الناتجة عن الهزيمة في الحرب، لا بل إن بعض القوى السياسية لا تنظر بشكل سلبي اتجاه الماضي الإمبراطوري- الاستعماري الياباني، وهو ما يمكن أن يكون نافعاً بالنسبة للولايات المتحدة، التي تراهن مجدداً على إمكانية استغلال نزعات مشابهة، لدفع اليابان للدخول في صدام مع الصين، دون التفكير بالعواقب الكارثية لتطورات كهذه.
اليابان، بدأت بالفعل إجراء خطوات طموحة في هذا المجال، من خلال طرح تعديلات على المادة 9 من الدستور، وتقديم تفسيرات مختلفة لها، ما سمح للجيش الياباني تبني عقيدة جديدة تقر بضرورة تزويده بقدرات تمكّنه من إجراء «هجوم مضاد» الذي يعني تزويد القوات اليابانية بأسلحة هجومية لا يمكن ضمان استخدامها بشكلٍ حصري في حال تعرض اليابان لهجوم! وقد اُعتمدت الميزانية الدفاعية الجديدة بزيادة قدرها 28% عن الميزانية السابقة.
الخطوة الثانية:
المساعدات الأمنية الرسمية
كانت اليابان قد قررت في نهاية عام 2022 تبني برنامجاً جديداً للمساعدات الخارجية إلى جانب البرنامج المعروف باسم «المساعدة الإنمائية الرسمية ODA» الذي كان يهدف لتقديم العون في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلدان النامية. فالإطار الجديد الذي أعلنت عنه طوكيو عرف باسم «المساعدة الأمنية الرسمية OSA» ويهدف صراحة إلى: «تعزيز قدرات الأمن والردع في البلدان ذات التفكير المماثل» ويعمل على «ضمان السلام والاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ تحديداً. بهدف خلق بيئة أمنية مناسبة لليابان»، وبحسب التصريحات الرسمية اليابانية مؤخراً، سيكون الهدف من البرنامج «تحسين قدرات الجيوش الإقليمية للقيام بمراقبة المياه الإقليمية والمجال الجوي، وعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة» هذا بالإضافة إلى «تطوير البنى التحتية على أساس الاحتياجات الأمنية للبلدان». وتعتبر هذه الخطوة بمثابة الخروج الأول عن القواعد التي حظرت على طوكيو استخدام المساعدات الدولية لأغراض عسكرية. وتشير التقارير والتصريحات الرسمية، أن أول البلدان المستفيدة من البرنامج ستكون الفلبين، التي ستزودها طوكيو برادارات لمراقبة النشاط الصيني في بحر الصين الجنوبي، وستكون كلّ من ماليزيا وبنغلادش وفيجي، جهات أخرى محتملة لتلقي هذه المساعدات. أي إن اليابان، وبمباركة أمريكية، لن تطور قدراتها العسكرية فحسب، بل ستلعب دوراً إقليمياً خطيراً، سيجعلها في مواجهة مباشرة مع الصين، التي لن تقف مكتوفة الأيدي، وهي تراقب تدفق الأموال من اليابان إلى «البلدان ذات التفكير المماثل».
الخطوة الثالثة:
التقارب الكوري- الياباني
لعب تاريخ العلاقات بين اليابان وكوريا دوراً في إعاقة العديد من المحاولات لتمتين التعاون بين البلدين، فالمساعي الأمريكية كانت تصطدم بـ الأجواء المتوترة بين الجارتين، لكن المهمة الأولى على جدول أعمال واشنطن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، كانت تقضي إيجاد أرضية للتفاهم، أملاً في تحويل جهود البلدين لمواجهة بكين، وذلك بغض النظر عن طبيعة الخلافات، التي تعود بمعظمها إلى فترة الاحتلال الياباني لشبه الجزيرة الكورية، والممارسات الوحشية التي مارسها الجيش الياباني هناك، هذا بالإضافة إلى العمالة الإجبارية التي فرضت على الكوريين، والتي ترفض الشركات اليابانية حتى اللحظة دفع التعويضات التي تطالب فيها أسر هؤلاء العاملين، والتي اضطرت سيئول لدفعها بالنيابة عن الشركات اليابانية. كل هذه الجهود سمحت بحدوث انفراجات وبدء «الزيارات المكوكية». التي تزامنت مع خطوات قامت بها واشنطن وطوكيو وسيئول لتعزيز التنسيق الأمني فيما بينها، والتي كان آخر ما حُرر حولها، هي الصورة التي نشرها الجيش الأمريكي، وتجمع قادة الغواصات العسكريين من كوريا الجنوبية والولايات المتحدة واليابان، على متن غواصة أمريكية صاروخية بالستية نووية.
إن تحويل الناتو إلى حلف عسكري ذو امتدادات عالمية من شأنه أن يزيد مستوى التصعيد العالمي لا العكس، وإن الإجراءات التي تقوم فيها واشنطن سواء على الصعيد العسكري، أو الاقتصادي «كمجموعة Chip-4 التي تضم 4 من أكبر الدول المصنعة لأشباه الموصلات» تشكّل تهديداً حقيقياً بالنسبة لبكين التي تنجح في تنفيذ استجابات سريعة لهذه التطورات الجارية في محيطها، وتدفعها بشكلٍ موضوعي لتكامل أكبر مع روسيا، وخصوصاً بعد توسّع نشاط الناتو في آسيا، ما يجعل أهداف البلدين واحدة في كثير من المجالات، ويفرض عليهما مواجهة عدو واحد بوجوه وأشكال متعددة. لكن المشكلة الكبرى تبقى أن درجات التوتر الحالية في العالم أصبحت شديدة الخطورة، ولا يمكن النظر إلى أي مسعى لتأجيجها إلا بوصفه مغامرة خطيرة تهدد بدفع الكوكب إلى مواجهات أوسع، والأخطر من ذلك، أن الدول التي تستخدمها واشنطن لتغذية هذه المواجهات تكون أول من يدفع الثمن، والمثال الأوكراني واضح أمامنا. وهو ما يطرح السؤال حول المصلحة الحقيقية لليابان مثلاً بأن تستعد للدخول في مغامرة عسكرية جديدة، وهي التي تحمّلت نتائج قاسية بعد الحرب العالمية الثانية، لم تكن القنابل النووية الأمريكية إلا أحد جوانبها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1121