الكيان وخطوات إضافية باتجاه الهزات الوجودية الكبرى

الكيان وخطوات إضافية باتجاه الهزات الوجودية الكبرى

ما يجري في الأراضي المحتلة وارتداداته في المنطقة والعالم، يكاد يكون دليلاً جديداً على حجم الأزمة الوجودية التي يعاني منها الكيان الصهيوني، والتي لابد لها أن تتفاقم في هذا العام الجديد، فمنذ اقتحام الصهيوني بن غفير للمسجد الأقصى، تبدو اتجاهات ونتائج هذه التطورات أكثر وضوحاً، والتي سيكون لها أثر كبير على السلطة الفلسطينية، والكيان الصهيوني، ومجمل الدول التي تورطت باتفاقات التطبيع معه.

نجاح نتنياهو في تشكيل الحكومة الجديدة القلقة، جاء بوصفه تعبير جدياً عمّا يفرضه الظرف الدولي الجديد على الكيان، الذي بات مضطراً أكثر للقيام بخطوات تصعيدية، من شأنها تقويض أساساته الهشة بوصفها خياره الوحيد في المرحلة الحالية. فكل خطوة تصعيدية جديدة ستقابل بآثار لم يعد بإمكان الكيان ومؤسساته الأمنية التنبؤ بنتائجها وارتداداتها.

اقتحام بن غفير للأقصى

اقتحم الصهيوني إيتمار بن غفير- يوم الثلاثاء في 3 كانون الثاني- المسجد الأقصى لمدة لم تتجاوز 15 دقيقة، في إشارة إلى بدء تنفيذ الخطة المعلنة للحكومة الجديدة. الخطوة قوبلت باستنكار شعبي ودولي شديد، فرض على السلطة الفلسطينية القيام بخطوات في المؤسسات الدولية، مثل: المحكمة الدولية، ومجلس الأمن، والجمعية العامة للأمم المتحدة. هذه الخطوات أغضبت الكيان رغم أنها لن تنتج إجراءات ملموسة في المستقبل القريب، إلا أن الكيان وجد نفسه مجدداً في مرمى النيران. لكنه وبدلاً من التراجع قرر التصعيد أكثر وتحديداً بوجه السلطة الفلسطينية، التي حمّلها مسؤولية هذا التصعيد، وأعلن عزمه الرد على هذه الخطوات، وعلى أية محاولات في المستقبل. لذلك اجتمعت اللجنة الوزارية لشؤون الأمن القومي في الكيان الصهيوني، وأعلنت عن حزمة من الإجراءات، وهي مصادرة جزء من أموال السلطة الفلسطينية إلى عائلات الجنود والمستوطنين الذين قضوا بعمليات المقاومة الفلسطينية، وبدأت في موازنة مدفوعات السلطة الفلسطينية المخصصة لعوائل المقاومين والأسرى الفلسطينيين، بالإضافة إلى تجميد مخططات البناء الفلسطينية في المنطقة «ج» وإلغاء تصاريح بالدخول إلى الأراضي المحتلة، والتي جرى تطبيقها بحق عدد من قادة فتح. هذا إلى جانب الإعلان عن القيام بإجراءات ضد نشاط جماعات المقاومة في الضفة الغربية بكافة أشكاله.

ماذا بعد الخطوات التصعيدية ضد الأسرى؟

ظروف الاعتقال اللاإنسانية التي يعاني منها الأسرى الفلسطينيون لا تبدو كافية بالنسبة للصهاينة، فألغى وزير الأمن القرارات السابقة التي سمحت لأعضاء الكنيست بزيارة الأسرى، معتبراً أن هذه الزيارات ساهمت «بالتحريض والترويج للدعاية الإرهابية» هذا بالإضافة إلى إجراءات وترتيبات واسعة داخل السجون تزيد من الضغط الممارس على المناضلين الفلسطينيين. هذه التوجهات الجديدة دفعت جمعية رعاية الأسرى في الأراضي المحتلة إلى إصدار بيان أشارت فيه إلى أن السلوك الإجرامي للكيان لن يؤدي إلّا إلى إشعال مواجهة شاملة، وستقود لردود أفعال من قبل المقاومة، مؤكدة أن الفلسطينيين لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذه الخطوات، ما يعني موجة جديدة من التصعيد. فالقوى السياسية الفلسطينية وفصائل المقاومة سواء التقليدية منها أو الجماعات الجديدة التي تسيطر على المشهد، بدأت بالفعل في الرد على مجمل الخطوات الإجرامية للحكومة الصهيونية الجديدة. فبحسب البيانات الرسمية لسلطات الاحتلال، نفّذت المقاومة الشعبية أكثر من 5 عمليات في الضفة خلال الأيام القليلة الماضية. وتشير التقارير الأمنية إلى أن جيش الاحتلال يبدو عاجزاً أمام هذه الأعمال البطولية، والتي تعد الأعنف والأكثف منذ سنوات، إذ نجحت فصائل المقاومة بتنفيذ أكثر من 285 عملية إطلاق نار في عام 2022 الماضي.

ارتدادات عميقة

الكيان يدرك بلا شك، أن كل خطوة تصعيدية جديدة ستكون لها آثار وارتدادات كبرى، لكنه يجد نفسه محكوماً بهذا النشاط المحموم، فالإجراءات العقابية التي أعلن عنها بحق السلطة الفلسطينية، التي يرى فيها الفلسطينيون شريكاً أمنياً لقوات الاحتلال في الداخل، من شأنها تعميق الفرز داخل السلطة نفسها، والتي ستكون مضطرةً ضمن المعادلة الحالية إلى تقديم المزيد من التنازلات، ما يجعلها في أضعف موقف منذ توقيع أوسلو، مما سيؤدي إلى تسريع إنضاج الظروف الداخلية للتغيير، والذي سيُغير المعادلة الداخلية بعكس مصلحة الاحتلال. فالخطوات التي قامت بها السلطة الفلسطينية مضطرةً في المؤسسات الدولية، والتي لم تكن يوماً إجراءً كافياً بالنسبة للفلسطينيين، باتت اليوم باباً واسعاً للابتزاز السياسي من قبل الكيان، ما يعني ممارسة ضغط كبير على السلطة القلقة، ومن جهة ثانية تبدو الإجراءات الصهيونية الأخيرة مصدراً لإرباك شركاء الكيان، لا في الداخل فحسب، بل في المنطقة أيضاً، إذ بدأت آثارها تظهر على الحكومات العربية «المطبّعة».

تحضيرات شاقة «لمجموعة النقب»

كان وزير الخارجية الصهيوني إيلي كوهين قد أعلن بدء التحضيرات لعقد قمة جديدة كتلك التي عُقدت في النقب العام الماضي، والتي شاركت فيها وفود من دولة الإمارات ومصر والبحرين والمغرب، بحضور وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن. لكن الأنباء التي يجري تداولها لا تشير إلى أن الظرف الحالي يساعد الكيان في هذه الخطوة التي روّج لها قادته بوصفها إحدى ثمار اتفاقيات ابرهام المشؤومة. فكان نتنياهو قد أعلن عزمه القيام بجولة إلى الدول العربية، التي كانت الإمارات على رأسها، وكان قد جرى الإعلان عن جدول أعمال هذه الزيارة، التي أراد الكيان من خلالها إرسال إشارة قوية مفادها «أن العلاقات مع الدول التي وقعّت اتفاقيات التطبيع لا تزال تشهد تطورات حقيقية». لكن الزيارة التي كانت مقررة في الأسبوع القادم جرى إلغاؤها أو تأجيلها، وعلى الرغم من أن أسباب هذه الخطوة لم يجر إعلانها، إلا أن تحديد ملامحها ليس بالأمر العسير. فالخطوات التصعيدية الصهيونية تضع «حلفاءها» في موقع صعب، وتحت ضغط شعبي ودولي، فالإمارات ورغم كونها أكثر المتحمسين للعلاقات مع الكيان، والتي لم تر سابقاً ضيراً من إعلان حجم التعاون والتنسيق معه على العلن، تجد نفسها اليوم مضطرة لكبح هذه الخطوات، لا إيماناً منها بقضية الشعب الفلسطيني العادلة، أو إقراراً بالدور التدميري للكيان في المنطقة، بل في محاولة لتقليل الخسائر المترتبة على علاقة مسمومة كهذه، فكل إجراء صهيوني جديد يزيد من إدراك الشعوب العربية لحجم الخطر الصهيوني، فرغم ما كان يردده مروجو التطبيع، من أن بعض شعوب هذه الدول لا ترى الكيان بوصفه عدواً، يبدو اليوم أن الصورة مختلفة كلياً عن هذه الأكاذيب، فتشير الكثير من استطلاعات الرأي إلى أن المزاج الشعبي العام حتى في دول الخليج لا يدعم التطبيع، وتشهد نسب المؤيدين له انخفاضاً متزايداً وهو ما أثبته الأيام، فبحسب وكالات الأنباء لم يقم سوى 1600 إماراتي بزيارة للأراضي المحتلة منذ 2020 بينما قام 500 ألف مستوطن بزيارة للإمارات، التي سعى الكيان لاستثمار العلاقة معها بتقديم صورة مختلفة عن علاقته بالشعوب العربية.

تؤكد التطورات الأخيرة، أن رهانات الكيان لن تقدّم مخرجاً من أزمته، بل ستفاقمها، فرغم أن اتفاقات التطبيع لا تزال قائمة، وأن الإرباكات الحاصلة حالياً قد لا تعني انتهاء هذه الاتفاقيات قريباً، إلا أنها تؤكد مجتمعة، أننا نمضي فعلاً باتجاه مرحلة جديدة، أهم ما يميزها هو دورها المساعد في إعادة توجيه الطاقات الشعبية في اتجاه الدفاع عن مصالحها الحقيقية، فأي اهتزاز لاتفاقيات التطبيع أو الحوامل الداخلية للكيان الصهيوني في الأراضي المحتلة من شأنها تسريع عملية التحول التاريخي الجارية، ومن شأنها تمهيد الطريق أمام المخاض الجديد الذي أثبت أن طاقة الشعب الفلسطيني الكامنة أكبر من قدرة الكيان المارق على تحجيمها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1104