إيران والسعودية… اللقاءات لم تعد استطلاعية - تشاورية فحسب!
شطب إحياء الاتفاق النووي الإيراني من أجندة واشنطن، حسب ما أعلن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، الإعلان الأمريكي هذا جاء بعد تأكيد الرئيس جو بايدن موت الاتفاق، وانهيار صفقة إحيائه، ما يطرح جدياً، مصير خيارات واشنطن الأخرى، تلك التي لوّحت بها فيما مضى.
لا يخفى على أحد، أن داخل دوائر صنع القرار الأمريكي هناك من حاول إعاقة إحياء الاتفاق، لكن حماس إيران اتجاه هذه الخطوة يبدو أنه انخفض أيضاً، فتوازنات القوى يوم توقيعه لم تعد قائمة، ما يعني أن الاتفاق الذي كان صالحاً في 2015 لا يمكن أن يكون صالحاً الآن، وتحديداً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حجم التراجع الغربي والأمريكي. لكن كل ذلك لا يلغي حجم المأزق الأمريكي أمام المشهد الحالي.
الخيار العسكري!
خيارات واشنطن في التعامل مع إيران محدودة، ربما كان الاتفاق النووي أقل مرارة من واقع اليوم. فالخيار الآخر لا يمكن إلا أن يكون عسكرياً- حسب قناعة صقور واشنطن- وهو ما لا حِمل لأمريكا على القيام به اليوم بعد أن عجزت عنه سابقاً، لكن المشكلة الأكبر هي مسعى أمريكياً آخر بات يبدو مهدداً هو الآخر. إذ عملت واشنطن بشكلٍ نشيط وبتعاون لصيق مع الكيان الصهيوني- أكثر المتحمسين لتوجيه ضربة عسكرية لإيران- على بناء جبهة إقليمية، من شأنها تضيق الخناق على طهران، وربما توجيه ضربة عسكرية ما مستقبلاً دون انخراط أمريكي مباشر، وجرى تبرير اتفاقات التطبيع بين الكيان والدول العربية بوصفها «ضرورة يفرضها الخطر الإيراني» لكن دول المنطقة وبعد التطورات الأخيرة بدت أقل حماسة للانخراط في أحلافٍ كهذه، وتحديداً كونها تحقق مصالح واشنطن على حساب بقية دول المنطقة.
اتفاقات جرى توقيعها
شهدت علاقات دول الجوار بعض الانفراجات في علاقاتها مع إيران، وجرت لقاءات- أعلن عن بعضها- مهّدت الطريق أمام إيجاد تفاهمات بين الأطراف المتنافرة. كان أبرزها تلك اللقاءات التي جمعت مسؤولين من السعودية وإيران، بالإضافة إلى لقاءات جمعت الأخيرة مع كلٍ من الإمارات ومصر، والتي اتسمت جميعها بأجواء إيجابية، حسب التصريحات الرسمية. لكن إعلاناً جديداً شكّل نقلة نوعية في هذا السياق، وهي التصريحات التي أدلى بها مساعد وزير الخارجية الإيراني، رضا عنايتي، الذي أكد أن اللقاء الودي الذي جمع البلدين على هامش مؤتمر بغداد 2 تكلل بتوقيع اتفاق أمني، ليعقد لاحقاً نائب الرئيس الإيراني محمد حسيني لقاءً آخر مع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في العاصمة البرازيلية، ضمن مراسم تنصيب الرئيس لولا دا سيلفا، وقد نقلت وكالة الأنباء الإيرانية «إيرنا» عن وزير الخارجية السعودي قوله في هذا السياق: «نحن مصمّمون على مناقشة الأوضاع والاهتمامات القائمة واحدة تلو الأخرى، من أجل الوصول إلى نتيجة، لأن نوع العلاقات بين البلدين سيؤثر على المنطقة».
هذه الأجواء الإيجابية بدأت تنعكس على مجمل جوانب العلاقات، فقد أعلنت طهران: أن حجم التبادل التجاري بينها وبين السعودية قفز في عام 2022 إلى ما يقارب 15 مليون دولار، في الوقت الذي لم يتجاوز فيه التبادل التجاري في العام الماضي حاجز 40 ألف!
يستند مخطط التوتير الأمريكي في المنطقة على جملة من العناصر الأساسية، ويعد التوتر والعداء بين السعودية وإيران أحد أعمدة هذا المخطط، والذي راهن عليه الكيان الصهيوني طويلاً، لكن مصالح الدول المؤثرة في المنطقة فرضت في الفترة السابقة دراسة إمكانات وتوجهات جديدة، لكن حجم الخلافات بين الرياض وطهران دفع البعض للتشكيك في أية إمكانية جدّية للوصول إلى تفاهمات، لكن الإعلان عن توقيع اتفاقية أمنية بين البلدين يفتح الباب أمام بدء المرحلة الجديدة، التي انتهت فيها المشاورات الاستطلاعية، وبدأت التفاهمات الملموسة التي يمكن أن تتطور سريعاً رغم الاعتراض الأمريكي والصهيوني ما يعني دعماً جديداً لتخفيف التوتر في المنطقة، وحلحلة الملفات والأزمات العالقة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1104