«إسـ.ــرائـ.ـيل»... أزمة حكم وحـ.ـرب أهلية وتهديد وجودي

«إسـ.ــرائـ.ـيل»... أزمة حكم وحـ.ـرب أهلية وتهديد وجودي

سيعقد الكيان الصهيوني في الأول من شهر تشرين الثاني انتخابات الكنيست الخامسة له خلال 3 أعوام ونصف فقط، وذلك بعد فشل وانهيار متتالٍ لنتائج الانتخابات والحكومات السابقة، حيث يمر الكيان بأزمة حكم عميقة، نتيجةً لانقسامات سياسية حادة بين مكوناته وأحزابه، وسط تنبؤات داخلية بحصول اضطرابات قد تنجم عنها حرب أهلية وتهديدات وجودية.

يتجلى الانقسام منذ حين ما بين معسكري بنيامين نتنياهو ويائير لابيد، وتفيد آخر الاستطلاعات، ومنها التي تجريها صحيفة «معاريف» إلى أن كلا المعسكرين لا يزالان غير قادرين على حصد غالبية مقاعد الكنيست الـ 61 التي تتيح إمكانية تشكيل الحكومة للفائز بها، مما يعني أن انتخابات الأول من تشرين الثاني لن تكون مختلفة عن سابقاتها، وحتى إن تمكن أحد الأطراف من الفوز بالمقاعد المذكورة كحدٍ أدنى، فإن ذلك ليس سوى خطوة أولى من العديد غيرها التي لا تقل خطورة، كتشكيل الحكومة بحد ذاتها والتي بدأت بالفعل الصراعات حولها.
فنتنياهو مثلاً، أعرب سابقاً عن رغبته بتعيين عضو الكنيست اليميني إيتامار بن غفير وزيراً في حكومته مستقبلاً، ما أنتج ردود فعل كبيرة على ذلك باعتباره متطرفاً شهيراً في الداخل «الإسرائيلي».
ومن ردود الفعل المذكورة، تحذير رئيس الأركان السابق دان حالوتس قائلاً: «في اللحظة التي يحاول فيها بن غفير تنفيذ أي من أفكاره الرهيبة، ستندلع حرب أهلية.» واعتبر بالوقت نفسه أن «وزير الدفاع بيني غانتس عليه أن يمتثل لطلب رئيس الليكود بنيامين نتنياهو بحال فاز الأخير في الانتخابات وكلف بتشكيل حكومة، عبر الانضمام إليه لإنقاذ الدولة من بن غفير».

من فم رئيس استخبارات سابق

من هذه التطورات خروج الرئيس السابق لجهاز الأمن العام «الشاباك» يوفال ديسكن محذراً من أن «إسرائيل» تواجه حالياً تهديداً وجودياً هو الثالث حسب رأيه بعد 1948 و1973، حيث نشر مقالاً بعنوان «على شفا حرب أهلية» جاء فيه أن «[إسرائيل] على وشك الانزلاق إلى سلسلة من الصراعات الداخلية العنيفة، والتي قد تؤدي إلى تفكك داخلي، وربما حتى إلى حرب أهلية، والقيادة في معظمها عمياء ومنغمسة في ذاتها لأكثر من عقد من الزمان، والجمهور منقسم وغير مبالٍ، في حين أن التهديد الوجودي يزداد سوءاً» وأشار وفق وجهة نظرته إلى أن غياب أي قاسم مشترك بين مكونات المجتمع «الإسرائيلي» فإن هذا المجتمع سيتفكك إلى قبائل وفصائل، معتبراً أن الفراغ الحكومي خلال الفترة السابقة أدى إلى «تدخل المنظمات الإجرامية التي تفرض إرهاب الخاوات على أجزاء كبيرة من البلاد، وتسرع من سباق التسلح غير المشروع، والمنطقة تعج بالوسائل القتالية غير المشروعة على نطاق يشكل تهديدا للأمن القومي» وكان من اللافت إشارته إلى أن «من المتوقع أن نشهد مغادرة للبلاد بشكل متزايد»، خاتماً مقاله «يركز معظم هذا الجيل أكثر على نفسه، ويعيش يومه، ولا يهتم بغير ذلك، ويشعر بالتهديد الوجودي على البلاد أقل، ورغبته في التجنيد أو خدمة البلاد وبالتأكيد في الخدمة القتالية في اتجاه تراجعي كبير، في مواجهة التحديات الهائلة التي ذكرتها، تصبح هذه مشكلة خطيرة، بين جميع المشاكل التي ذكرتها هناك علاقات متبادلة وثيقة، يمكن للجمع بينها أن يتدحرج بسرعة إلى صراعات عنيفة بين (الإسرائيليين) والفلسطينيين، بين اليهود والمواطنين العرب، وحتى بين اليهود واليهود، يمكن لأي صراع من هذا القبيل أن يشعل الصراعات الأخرى بسهولة أيضا، وقد يؤدي ذلك إلى تسارع التفكك الاجتماعي والقومي وحتى الحرب الأهلية».
كما توجد توقعات داخل الأوساط السياسية في الكيان الصهيوني إلى احتمالية حدوث أمر مشابه لما جرى في الكابيتول بالولايات المتحدة 2021 خلال الانتخابات المقبلة وما قد يتلوها.

الارتباط بالأزمة دولياً وبعموم الحركة الصهيونية

إن كل ما سبق ذكره يتعلق بداخل الكيان الصهيوني وانقساماته وتراجعه، دون التطرق بعد للصعود المستمر للمقاومة الشعبية الفلسطينية، وما تفرضه من ضغوط وتهديدات أمنية مهولة لها تأثيرات سياسية، ودون التطرق أيضاً إلى تراجع السلطة الفلسطينية سياسياً، مما أفقدها جزءاً كبيراً من دورها الأمني، وبالتالي وضع ثقلاً مضافاً على الكيان الصهيوني المتصدّع.
بطبيعة الحال، لا يمكن تحليل أزمة الكيان الصهيوني بالاستناد إلى عواملها الداخلية فقط، حيث سيخلص المرء إلى استنتاجات مغلوطة، من مثل صراعات داخلية بين يمين ويسار، حربي ومسالم، متطرف ومعتدل، يغذيها الإعلام الغربي والصهيوني، بينما واقع الحال، أن عموم مكونات الكيان الصهيوني هي مكونات حربية بأساسها وأصولها، وجذر الانقسام الجاري لا يتعلق بالليكود أو أزرق أبيض أو غيره، وإنما بكيفية التعامل مع هذه التهديدات الوجودية للكيان، ربطاً مع التهديد الوجودي للهيمنة الغربية والأمريكية عالمياً، والعلاقة ما بين الكيان الصهيوني ورعاته الغربيين.. فالانقسام في الكيان معادل للانقسام في الولايات المتحدة، وأزمة الحكم به معادلة لأزمة حكم الأنغلوساكسون، والتهديدات بالحرب الأهلية معادلة كذلك لتخوفات مماثلة داخل الأنغلوساكسون، وإن جمعنا ما بين الكيان الصهيوني والانغلوساكسون وأزمة أوروبا عموماً، والمعركة الروسية مع الوكالة اليهودية كمثال واحد، يتبين أن الحركة الصهيونية عالمياً تواجه أزمة وتهديداً وجودياً.
كما أن هذه التطورات تفيد وتؤكد للمرة الألف، أن «صفقة القرن» ثم «اتفاقات أبراهام» والاعتراف بالجولان وبالقدس أراضٍ وعاصمة للكيان، ونقل السفارات إليها، وغيرها، كان ولا يزال وزنها إعلامياً محض، وتأثيرها السياسيّ صفراً بكل ما تعنيه الكلمة، والواقع خير دليل.

تدخل روسي بالانتخابات!

تنشر إعلامياً في الداخل «الإسرائيلي» وبتحريك من الاستخبارات، تخوفات وتوقعات من استهدافات وهجمات سيبرانية روسية بانتخابات الكنيست المقبلة، تتلقفها الأحزاب السياسية وتفاقمها تمهيداً للنتائج التي قد تصدر.
يشير هذا الأمر من جهة إلى درجة سوء العلاقة بين روسيا والكيان، ومن جهة أخرى، والأهم، كتمهيد وذريعة لاستخدام القوة داخلياً، وحشد دعم غربي بذلك، كأرضية سياسية لحلّ عسكري لأزمة الحكم، إن سنحت الفرصة بذلك.
على أية حال، فإن أيّ من هذه التطورات، بفوز أو عدم فوز أيّ طرف بالانتخابات، واستمرار أزمة الحكم أو محاولة حلها بالقوة، جميعها تؤدي إلى تفاقم بالمشكلة والانقسام، وتصب في مصاف الحرب الداخلية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1094
آخر تعديل على الأربعاء, 02 تشرين2/نوفمبر 2022 12:12