الاتحاد الأوروبي قلق… هل تدخل إيطاليا مرحلة جديدة؟

الاتحاد الأوروبي قلق… هل تدخل إيطاليا مرحلة جديدة؟

يقترب موعد الحسم في الانتخابات البرلمانية الإيطالية، التي تبدأ اليوم الأحد 25 أيلول، على أن تعلن نتائجها النهائية مساء الإثنين 26 أيلول، وعلى الرغم من أن تشكيل الحكومة سوف يستغرق بعض الوقت، وربما لا يسير بشكلٍ سلس، إلا أنّ نتائج هذه الانتخابات قد تكون صافرة البدء في مرحلة جديدة في إيطاليا، إحدى دول الاتحاد الأوروبي المؤثرة.

يبدو الاهتمام الكثيف بمجريات الحملات الانتخابية وتصريحات المرشحين مبرراً، وخصوصاً إذا ما وضع في سياق ما يجري، لا في أوكرانيا فحسب، بل في أوروبا والعالم كله. فإيطاليا التي أتمت آخر انتخابات برلمانية منذ 2018، شهدت من هذا التاريخ بعض الهزات السياسية، إلى أنه جرى تشكيل حكومة تكنوقراط برئاسة ماريو دراغي بعد سقوط الحكومة السابقة، إثر التداعيات الاقتصادية التي رافقت ظهور فيروس كورونا عام 2021. وشغل دراغي سابقاً منصب رئيس البنك المركزي الأوروبي بين عامي 2011 و2019، وعمل سابقاً في عدد من مؤسسات رأس المال المالي المعروفة، مثل: غولدمان ساكس.

كل الأنظار إلى «اليمين»

أشارت العديد من مراكز استطلاع الرأي إلى أن المرشحة الأقوى لمنصب رئيس الوزراء هي جورجيا ميلوني، التي تعد أحد أبرز وجوه اليمين المتطرف في إيطاليا، والتي شكّلت تحالفاً مع قوى بارزة أخرى مثل: رئيس الوزراء السابق سيلفيو بيرلسكوني، وحزب الرابطة الذي يقوده ماتيو سالفيني. وإذا صحت استطلاعات الرأي المشار إليها أعلاه، فإن «التحالف الثلاثي» سيحصل على ربع الأصوات تقريباً. لكن وقبل الإضاءة على ما يثير الاهتمام فيما يجري، ينبغي الإشارة إلى أن انتصار هذا التحالف أو غيره، لا يعني بالضرورة ضمان قدرته على وضع أجندته السياسية موضع التنفيذ! ويرد ذلك أولاً إلى أن الانقسام السياسي الذي تعاني منه إيطاليا، سيعيق حركة أيّ فائز في هذه الانتخابات، إذ سيجد نفسه مجبراً للبحث عن توافقات مع القوى السياسية الأخرى في الكثير من المسائل الحساسة، أي أن يتنازل عن البعض أو الكثير من بنود برنامجه السياسي. وسوف يشكل هذا الظرف إذا ما بقي على هذا الحال، عامل ضعف جديد في أية مواجهة محتملة مع الاتحاد الأوروبي وواشنطن. وخصوصاً أن إيطاليا واحدة من «دول الجنوب» الأكثر فقراً في الاتحاد الأوروبي، والتي يعاني اقتصادها عجزاً يتجاوز ضعف ناتجها. بالإضافة لمديونية مرتفعة، وحاجة ملحة «لجرعات» جديدة من الأموال المطبوعة حديثاً التي واظبت بروكسل على ضخها عبر سياسة التيسير الكمي. مع ذلك يفتقر التقليل من أهمية نتائج هذه الانتخابات إلى الكثير من الدقة. فبعض التغيرات «الطفيفة» قادرة على أن تسهم في تغييرٍ كبير في ميزان القوى في أوروبا، وخصوصاً في هذه اللحظات التاريخية الحساسة.

أبرز ملامح هذا التحالف الجديد

لا تختلف أجندة هذا التحالف كثيراً عن غيره من القوى التي سيطرت على المشهد السياسي الأوروبي مؤخراً. فعلى الرغم من «التطمينات المخادعة» إلا أن «التحالف الثلاثي» لا ينظر بعين الرضا إلى علاقة إيطاليا مع الاتحاد الأوروبي، وصرّح زعماؤه، في مناسبات متفرقة، أنهم سوف يضعون «مصلحة إيطاليا أولاً» ولا تحتاج هذه الكلمات المألوفة كثيراً من التحليل، فهذا التوجه بات مسيطراً في الخطاب السياسي لعدد من القوى في العالم، من دونالد ترامب في أمريكا، إلى بوريس جونسون في بريطانيا، وصولاً إلى ماري لوبان في فرنسا، ولا يشكّل هؤلاء إلا وجوه هذا التيار الأبرز، والذي بدأ يتعاظم ويحتل مواقع جديدة في مناطق أخرى كالمجر والسويد.
عادة ما يترافق التأكيد على «أولوية مصلحة إيطاليا» مع إعادة نظر شاملة للعلاقة بين «شبه الجزيرة» ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى، ووصلت إعادة النظر هذه في حالة بريطانيا مثلاً إلى طرح الخروج من الاتحاد الأوروبي على الاستفتاء العام تمهيداً للخروج الذي تم في 2022. وعلى الرغم من أن «التحالف الثلاثي» استبعد مؤخراً هذا الطرح، لكنهم يثيرون الكثير من القضايا المتعلقة بهذه المسألة، فقد رفضت ميلوني دعم تقرير للبرلمان الأوروبي يدين الحكومة المجرية بشأن «انتهاكات سيادة القانون» وهو الإجراء التي اتخذه الاتحاد الأوروبي كخطوة أولية للضغط على فيكتور أوربان بهدف تغيير سياسته الخارجية. وعلى الرغم من أنها تراجعت عن تصريحات سابقة بخصوص الخروج من منطقة اليورو، إلى أن ميلوني أشارت مؤخراً، أن «الحفلة انتهت بالنسبة لأوروبا» وستبدأ إيطاليا «بالدفاع عن مصالحها الوطنية كما يفعل الآخرون». كل هذا يقود بالضرورة إلى صياغة موقف مختلف مما يجري في أوكرانيا، فالتحالف وجّه في مناسبات متفرقة انتقادات للسياسة الأوروبية التي انتهجت سياسة فرض العقوبات على روسيا، واعتبر ماتيو سالفيني: «أن العقوبات ضد موسكو ليست فعالة ويجب إعادة النظر فيها». وفجّر بيرلسكوني قنبلة من العيار الثقيل مؤخراً حين صرّح لقناة RAI1 وفي وقت الذروة: أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «دُفع إلى هذه العملية الخاصة من قبل الشعب الروسي وحزبه ووزرائه» وأشار إلى أن خطة القوات الروسية كانت تهدف إلى «استبدال حكومة زيلينسكي في أسبوعٍ واحد بحكومة مؤلفة من أناسٍ محترمين» ما أطلق حملة هجوم واسعة ضده لم تتوقف حتى اللحظة، ورافقها استنكارات متعددة، وتحديداً من قبل سلطات كييف التي رأت في التصريح إهانة مبطنة لها.

الاتحاد الأوروبي يُحذر!

تحاول القوى المنضوية في «التحالف الثلاثي» الإدلاء بتصريحات مدروسة، وتحديداً فيما يتعلق بالعلاقة مع الاتحاد الأوروبي وروسيا وأوكرانيا، فيدرك هذا التحالف أن الموقف من هذه المسائل قد يتحول إلى سبب كافٍ لإعاقة وصوله إلى الحكم من قبل الغرب وواشنطن، وهو ما بدأ بالفعل، فقالت أورسولا فون دير لاين رئيسية المفوضية الأوروبية: إن الاتحاد الأوروبي يملك أدوات للتعامل مع نتائج الانتخابات الإيطالية إذا ما «ازداد الوضع صعوبة». وأوردت المجر كمثالٍ على ذلك، ليكون الاتحاد الأوروبي وعلى لسان مسؤول رفيع قد أرسل تهديداً وواضحاً لا للقوى السياسية فحسب، بل للناخبين الإيطاليين أيضاً، وكان فحواه أن عقوبات الاتحاد الأوروبي لا تستثني الدول الأعضاء، وأن الأوضاع الاقتصادية الصعبة في إيطاليا يمكن أن تتحول إلى جحيم حقيقي إذا ما أوقف الاتحاد أشكال «الدعم» المختلفة التي يقدمها. هذه الوقاحة السافرة استدعت رداً لا من قوى اليمين فحسب، بل رأت فيها قوى أخرى تطاولاً وتدخلاً في الانتخابات الإيطالية وتعدٍ على سيادة البلاد.

تطرف وفاشية!

ما يثير الانتباه حقاً فيما يجري تداوله حول ميلوني، هو علاقتها الواضحة مع الأحزاب المتطرفة في إيطاليا، والتي يسهل تتبع بعضها وصولاً إلى حزب موسيليني الفاشي، وتشكّل هذه النزعة بالإضافة إلى مواقفها اليمينية المتطرفة مادة أساسية للهجوم عليها من قبل المؤسسة الغربية ذاتها، التي تجاهلت الأحزاب الفاشية والحركات النازية الجديدة في أوكرانيا، وقامت بتسليحها وتدريبها، وأمنت لها التغطية الإعلامية والسياسية والمالية اللازمة لمزاولة نشاطها لعقود من الزمن. وقامت شركات كبرى مثل «ميتا» مالكة «فيسبوك» بنشر تقارير مثيرة حول نشاط «التحالف الثلاثي» على وسائل التواصل الاجتماعي ويجري تقديم هذه المعلومات كدليل على «تضليل الإيطاليين». تكمن المشكلة بأن الدعاية الغربية تركز على أن قوى متطرفة، مثل: ميلوني «تناقض القيم الغربية» ويستندون في ذلك إلى رفضها دعم حقوق المثليين، وتمسكها بالدفاع عن شكل الأسرة التقليدي، ورفض المهاجرين، هذا بالإضافة طبعاً إلى ما قالته عن ضرورة وضع حدود واضحة للعلاقة بين إيطاليا والاتحاد الأوروبي على أساس فهمها لمصالح بلادها. متجاهلين بذلك أن تطرف ميلوني والقوى المتحالفة معها رغم خطورته لا يعني أن هذه القوى ستلعب الدور نفسه في التاريخ، فالواقع يطرح أمامنا جملة من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات. ما الذي يجعل قوى متطرفة مثل القوى الإيطالية مصدر خطر بالنسبة للمؤسسة الرسمية الغربية؟ وما هو سبب استثناء قوى فاشية متطرفة أخرى من قائمة المخاوف الغربية؟
التناقض المتزايد بين القوى السياسية الأوروبية والاتحاد الأوروبي هو في جوهره رفض لتسخير شعوب أوروبا لخدمة مصالح واشنطن، وشكّل الانتهاك الأمريكي المستمر للسيادة الأوروبية الشرط الموضوعي لظهور هذه القوى المعبّرة عن هذه النزعة. أما تطرف بعضها وجذورها التاريخية مسألة شديدة الارتباط بظروف تطور هذه القوى في بلدانها، وهو ما يمكن فهمه عند دراسة تطور القوى الفاشية في إيطاليا مثلاً ما قبل الحرب العالمية الثانية وما بعدها. المسألة الأخرى، أن الزعامات التي تتصدر المشهد حالياً لا تملك بعد ملامح برامج سياسية جذرية، ما يشير إلى أنها قد لا تستمر في الحكم طويلاً، ولن تكون نقطة نهاية في التطور الذي تعيشه أوروبا حالياً، بل مرحلة مؤقتة في حالة أطول من الفوضى السياسية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1089