أزمة الحبوب عالمية أم أوروبية وأمريكية؟
«مشاكل أوروبا ليست مشاكل العالم» هذا ما قاله وزير الخارجية الهندي جياشانكار قبل نحو شهر، وهو قولٌ تظهر صحته أيضاً فيما يتعلق بأزمة الحبوب «عالمياً» وتطوراتها، ليبدو أن أغلبية التحذيرات والتخوفات السابقة المرتبطة بالأمر تتعلق بالغربيين– أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية- بالدرجة الأولى والأكبر.
ما إن بدأت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا حتى انطلق الغربيون بجملةٍ من التحذيرات حول تداعيات هذه «الحرب» على الساحة العالمية بالتوازي مع عقوباتهم المفروضة على موسكو، كان منها: ارتفاع أسعار النفط والغاز والحبوب والغذاء عموماً، ليظهر خلال الأشهر التالية أن أزمة الطاقة تؤثر على الأوروبيين والأمريكيين بالدرجة الأكبر، لترتفع أسعار الغاز والوقود والكهرباء في جميع بلدان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، بينما لم تحدث أية أضرار بمثل هذا الحجم في أي من الدول الأخرى عالمياً، فيما يتعلق بسلع الطاقة مباشرةً، وإنما تأثيرات ثانوية متعلقة بالتضخم ورفع سعر الفائدة في الولايات المتحدة وأوروبا، أي الدولار واليورو، لتتضرر الدول التي تجري مداولاتها التجارية عبر هذه العملات وبشكلٍ مؤقت قبل أن يبدأ دومينو التداول بالعملات المحلية يسير تباعاً.
بالمثل، تظهر أزمة الحبوب والغذاء اليوم بوصفها أزمةً أوروبية وأمريكية أكثر منها عالمية، فالعقوبات المفروضة على موسكو لم تمنعها من تصدير منتجاتها من الحبوب مع أية دولة غير غربية، كما أن معروض أوكرانيا من الحبوب جرت وتجري الاستعاضة عنه من دول أخرى، وبينما كانت التحذيرات الغربية، وضمناً منظمات الأمم المتحدة المسيطر عليها غربياً، تتعلق شكلياً بتأثيرات هذا الأمر على القارة الإفريقية والشرق الأوسط، لم تجرِ في كلتا المنطقتين حتى الآن أزمة غذاء توازي ما يجري ترويجه غربياً، وفي المقابل، بدأت تظهر حالة نقص الحبوب وتداعياتها في أوروبا والولايات المتحدة... وذلك فضلاً عن ذكر الدور الهندي في تصدير منتجاته من الحبوب للدول الأفقر مستذكرين ما قاله جياشانكار في منتدى غلوبسيك الأوروبي: «إننا لن نعطي المضاربين مجالاً مفتوحاً لدخول السوق الهندية بما يضر بالمستهلك الهندي، والدول الأقل تطوراً، وما نفعله هو أينما نرى دولة بحاجة للقمح وتستحقه نقوم بإمدادها... وذلك لمنع تحويل الأمر لصالح الدول الأكثر غنى، ولديها فرصاً أفضل، فما جرى في اللقاحات لا نريده أن يجري في القمح أيضاً، حيث تلقى الأشخاص الأغنياء اللقاحات بينما ترك الفقراء لمصيرهم».. علماً أن الإعلام الغربي يدين الهند بشكل غير رسمي على عدم تصديرها لحبوبها خلال الفترة السابقة، أي عدم تصدير منتجاتها لهم بالتحديد.
إن كل ما يحذر منه الغربيون عالمياً يتعلق بظروفهم الخاصة بالتحديد، متجاهلين ومتناسين أن موقعهم الدولي اليوم بات أدنى بكثير من أن استمرار هذه النظرة نفسها، أن تكون مشاكل الغربيين هي مشاكل العالم، فما بات يظهر جلياً اليوم أن الغربيين ينعزلون ويغرقون بأزماتهم، بينما العالم يحلّ أزماته بالتعاون والتضامن والتكافؤ.
أما توقيع اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية فلم يجرِ لإنقاذ العالم، أو لإنقاذ أوكرانيا، وإنما لإنقاذ أوروبا مما تفعله هي بنفسها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1080