النفط الليبي في ساحة الصراع الإقليمية
انتقل الصراع الليبي إلى مؤسسة النفط الوطنية، وإنتاج وتصدير النفط بشكل رئيسي خلال المرحلة السابقة، ولا يُعد هذا الأمر مستغرباً إثر التطورات الدولية الحاصلة والطلب الغربي المتزايد على توريدات طاقة جديدة بعد فرض عقوبات على الواردات الروسية.
على الرغم من أن ملف النفط الليبي قد كان طوال فترة الأزمة موضع تجاذب بين مختلف الأطراف السياسية والعسكرية، إلّا أن النقطة الفارقة الأخيرة التي دفعته إلى رأس قائمة المواجهات كان الاجتماع الأخير لمجموعة السبع، الذي دعت فيه صراحةً إلى «الاستئناف الكامل لإنتاج النفط في ليبيا» مع مطالبتها جميع الأطراف بـ«الامتناع عن استخدامه كأداة للمواجهة السياسية».
لتفسر مختلف الأطراف السياسية الليبية هذا الأمر استناداً لرؤيتها، متهمة الآخرين باستخدام ملف النفط «أداة مواجهة سياسية»، كما أن الملف تحوّل كنوعٍ من السباق لاستمالة الغربيين لصالح كل طرفٍ منهم في ظل الأزمة الجارية.
إقالة رئيس مؤسسة النفط
سرعان ما أعلنت مؤسسة النفط الوطنية الليبية في 13 تموز- برئاسة مصطفى صنع الله، والذي يعرف ضمن الأوساط الليبية بتقاربه مع حفتر- عن رفع حالة القوة القاهرة عن مينائي البريقة والزويتينية، ودخول ناقلة نفط «إيبلا» لقيامها بإجراءات الشحن، مشيرة إلى «المحافظة على تدفق النفط بانتظام إلى لأسواق العالمية، وقد أُعطيت التعليمات للشركات بزيادة القدرة الإنتاجية من النفط والغاز الطبيعي تدريجياً».
سبق هذا الإعلان، بيوم واحد، قيام رئيس حكومة الوحدة الوطنية بعزل مصطفى صنع الله، وتعيين فرحات بن قدارة بدلاً منه، الأمر الذي رفضه صنع الله معتبراً أن قرار إقالته صادر عن حكومة منتهية الصلاحية، حيث قال «قرار تشكيل مجلس إدارة جديد باطل قانوناً لأنّه صادر عن حكومة منتهية الصلاحية، كما أنّ المؤسسة محميّة بموجب القانون الدولي الذي يدعم وحدتها ويطلب عدم إقحامها في السياسة»، وحذر «قد تؤدي الأزمة إلى ظهور مؤسسة نفط وطنية موازية، مثلما حدث ذلك عندما حكمت إدارتان متنافستان في الشرق والغرب» وتابع «لن نسمح بمحاولات إرضاء الإمارات على حساب الشعب الليبي» مشيراً إلى التقارب بين الدبيبة والإمارات بهذا الملف، لتقوم قوة أمنية تابعة لحكومة الوحدة الوطنية بمحاصرة مركز مؤسسة النفط الوطنية الليبية واقتحامها من أجل تسليمها للرئيس الجديد فرحات بن قدارة.
وفي 15 تموز، أي بعد يومٍ واحد من تسليم قدارة مؤسسة النفط، أعلن عن رفع حالة القوة القاهرة وانتهاء الإغلاقات في جميع الحقول والموانئ النفطية اعتباراً من اليوم نفسه، وقال «تتعهد [مؤسسة النفط] بالتمسك بالثوابت المهنية وغير السياسية، وأنها مستمرة في أداء مهامها بكل حيادية» وهو ما يشكل جواباً لمطالبات مجموعة السبع السابقة، وتابع «ستعمل المؤسسة بكل جهد، وبالتنسيق المستمر مع وزارة النفط والغاز، للوصول إلى أعلى مستويات الإنتاج في أقرب الآجال، والعمل على زيادة الإنتاج بالتنسيق مع الشركاء الأجانب».
مصالح الأطراف السياسية والغربيين أولاً
يريح هذا التطور الجديد- في الملف النفطي الليبي- الغربيين عموماً والأمريكيين خاصةً، كونه يصب في استعادة موردٍ نفطي هام بطاقته الكاملة في الوقت الذي يحتاج الأوروبيون لكميات طاقة إضافية قبل الشتاء القادم.
إلّا أنه من جهة أخرى يعني قبول حالة الأمر الواقع الناشئة في ليبيا من صراع سياسي وحكومتين وتعطيل وتسويف للانتخابات، وأكثر من ذلك، ينذر بنشوء صراعات جديدة حول واردات تصدير النفط بين حكومتي الدبيبة وباشاغا، وحفتر، ومجلس النواب، والمجلس الرئاسي، والمجلس الأعلى للدولة، مما يعني أن تحذير صنع الله حول ظهور مؤسسة نفطية موازية تقوم بالاستيلاء على بعض الموانئ والحقول يعد خطراً حقيقياً لا يتعلق بالنفط وحده، وإنما بتعاظم خطر تقسيم البلاد وعودة الاشتباكات المسلحة.
وبين هذا وذاك فإن الأمر يعني سرقة نفط الشعب الليبي تلبية لمطامع الأطراف السياسية الليبية بالتفرّد بالسلطة، ومصالح الغربيين بسرقة هذا النفط أيضاً، وإدامة الانقسام والصراع في البلاد.
صراع الحكومتين
من جهةٍ أخرى، وعلى المستوى السياسي الداخلي، أعلن فتحي باشاغا في 9 تموز أنه سيتولى مهامه في العاصمة الليبية طرابلس «في الأيام المقبلة» مشيراً «تلقّينا عدّة دعوات إيجابية لدخول العاصمة» وذلك على الرغم من استمرار الدبيبة بالتعاطي مع الأمر باللهجة والحدّة الرافضة نفسها، مما أثار قلق الليبيين من نشوب معركةٍ على غرار ما حصل سابقاً قبل نحو شهر حينما حاول باشاغا دخول طرابلس، وذلك فضلاً عن الصراع المحموم الجديد حول مؤسسة النفط الليبية وإدارتها وإيراداتها.
وجواباً على تلك «الدعوات الإيجابية» أعلنت قيادات أمنية في المنطقة الغربية الليبية عبر بيانٍ لها «إننا نرفض الدخول في أية مرحلة انتقالية جديدة تحت أي مسمى»، وهو ما يُقصد به حكومة باشاغا، وتابعت «نتمسك بالانتخابات باعتبارها المخرج الوحيد للأزمة السياسية» مضيفةً «سنتصدى لكل من يتوهم بالتحشيدات العسكرية، أو إحداث الفوضى داخل العاصمة طرابلس».
ولزيادة التعقيد الحاصل، نقل موقع «بوابة الوسط» الليبي عن مصادر له أن رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي التقى ممثلين عن 31 حزباً سياسياً ليبياً يطالبون المجلس «بتسلم زمام الأمور، وإصدار مراسيم سيادية تنهي المراحل الانتقالية فوراً، وتحديد موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية بشكل متزامن قبل نهاية العام» أي أنها عملياً مطالبات بإنهاء كلتا الحكومتين الانتقاليتين برئاسة باشاغا والدبيبة.
من جديد، ترجع مختلف التعقيدات الحاصلة في ليبيا، بشكل رئيسي، إلى الوجود العسكري الأجنبي في البلاد والتدخلات الأجنبية فيها، وإن كانت الظروف الدولية بتقاطعاتها مع الظرف الداخلي الليبي حافظت على حالة الركود والفوضى هذه، إلا أن تدهوراً إضافياً في الأوضاع السياسية يمكن أن يدفع الأمور إلى حالة من المواجهة المسلحة الواسعة، وهو ما يتناقض مع مصالح كثير من الدول، وتحديداً دول الجوار، وضرورة تغيير الواقع السياسي باتت ملحة أكثر، وهو ما يعيه الشعب الليبي، الذي بدأ موجة احتجاجات عامة بداية الشهر الجاري مطالباً وضوحاً بإخراج القوى الأجنبية والمرتزقة من البلاد، وإنهاء حالة الانقسام.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1079