إيطاليا وملامح أزمة سياسية عنيفة
عتاب منصور عتاب منصور

إيطاليا وملامح أزمة سياسية عنيفة

يبدو أن مسلسل الأزمات السياسية في أوروبا لن يتوقف حتى تتغير كل القوى الحاكمة اليوم، فبعد استقالة بوريس جونسون من رئاسة حزب المحافظين، وما يتبع هذه الاستقالة على مستوى الحكومة، بدأت مؤشرات أزمة سياسية جديدة في إيطاليا، ربما تكون أعنف وذات آثار أكبر على منطقة اليورو.

قدّم رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي استقالته، على إثر اهتزاز الائتلاف البرلماني الذي شكّل نواة حكومة الوحدة الوطنية القائمة منذ أزمة كورونا في عام 2021، وعلى الرغم من رفض الرئيس لهذه الاستقالة، إلا أن التطورات حتى اللحظة لا تشير إلى مخرج آمن.

ما الذي جرى؟ ولماذا؟

قدّمت الحكومة الإيطالية مشروع قانون للبرلمان والذي يقضي بتقديم حزمة بقيمة 26 مليار يورو لمساعدة العائلات الإيطالية التي تعاني من معدلات التضخم المرتفعة، ويقترح القانون أيضاً إجراءات لتسهيل بناء محرقة للنفايات في روما، التي تحولت إلى ذريعة كافية بالنسبة لحركة خمس نجوم السياسية للامتناع عن التصويت، تحت ذريعة الأضرار التي تسببها هذه المحارق للبيئة. شكّلت الخطوة هذه إشارة واضحة لرئيس الوزراء أنه لم يعد يحظى بثقة الائتلاف الحاكم، وهو ما دفع دراغي لتقديم استقالته، لكن الرئيس وفي محاولة لاحتواء الموقف رفض هذه الاستقالة وطلب من رئيس الوزراء المثول أمام البرلمان في جلسة للنقاش، أملاً في تجنب الانتخابات المبكرة التي بدأت تخيّم على المشهد.
في ظل هذه الصورة المضطربة أثارت تصريحات وزير الخارجية- لويجي دي مايو- الضوء على الجانب المخفي والعميق للمشكلة السياسية الناشئة. فأكد دي مايو أن «الروس يحتفلون الآن، بأنهم أسقطوا حكومة غربية أخرى» وأضاف، إن إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا باتت مهددة في ظل الأزمة السياسية الناشئة. وزير الخارجية وفي تصريحات أدلى بها إلى «بوليتيكو» الأمريكية، اتهم حركة الخمسة نجوم بأنها تقدّم مساعدة لروسيا لإسقاط دراغي، وهو المعروف بمواقفه المعادية لموسكو، وحماسه الشديد تجاه العقوبات الغربية عليها، هذا بالإضافة إلى التزامه بإمدادات كبيرة من الأسلحة إلى أوكرانيا. المثير للانتباه في تصريحات دي مايو هو أن الخلافات المتزايدة مع حركة الخمسة نجوم باتت تشمل عدداً من المسائل، فالحركة تطالب بدعم أكبر للعائلات لمواجهة التضخم، وترفض في المقابل زيادة الإنفاق الدفاعي الذي حدده الناتو، وقد ساهمت الحركة بإعاقة جدية لرفع حجم الدعم المقدم إلى أوكرانيا، وهو ما لقي ترحيباً من السفير الروسي في روما حسب ما جاء في «بوليتيكو».
دي مايو نبّه أن: «انهيار الحكومة وتحولها إلى حكومة تصريف أعمال سوف يؤدي إلى الشلل ويترك البلاد دون سلطة لمواصلة تسليح أوكرانيا، ومساعدة العائلات في أزمة تكلفة المعيشة، أو توقيع اتفاقيات غاز جديدة لبناء احتياطيات في حالة قيام روسيا بإغلاق الصنابير». وبالنسبة لوزير الخارجية يبدو الأخطر هو عجز الحكومة عن تمرير الموازنة في الوقت المحدد، فدفع البلاد إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة قد لا يعني بالضرورة تعيين حكومة جديدة سريعاً فالحكومة الحالية احتاجت 100 يوم حتى تم التوافق على تشكيلها، وذكّر دي مايو أن انعقاد الانتخابات في هذه اللحظة الحساسة لم يحدث منذ أكثر من 100 عام!

هل تستطيع إيطاليا الصمود؟

سيعقد البرلمان جلسة حاسمة خلال أيام، لكن بقاء رئيس الوزراء أو عدمه لا يعني حل المشكلة فما يجري ما هو إلا تعبير أولي عن حالة الانقسام بين القوى السياسية في طريقة إدارة البلاد في هذه اللحظات الحساسة، وباتت الأصوات الرافضة لتورط إيطاليا في الصراع الدائر أعلى وأكثر قدرة على الإعاقة. يبلغ الدَّين العام الإيطالي 155% من الناتج المحلي الإجمالي، ووصل عجز الموازنة إلى 7.2% أي البلاد لا تستطيع في الواقع تحمل تبعات إضافية، بل هي بحكم المنهارة! وإن حكومة دراغو في سياستها التي تراعي مصالح واشنطن على حساب مصالح الإيطاليين لن تحسد على موقفها مع ارتفاع الضغوطات التي يعاني منها الاقتصاد الهش. يمكن أن يكون السيناريو الأفضل بالنسبة لإيطاليا هو خلق واقع جديد عبر انتخابات جديدة، لكن التجربة باتت ترجّح نتائج مختلفة تماماً، فالانتخابات ستغذي الانقسام السياسي أكثر، وتدفع البلاد نحو مخاضٍ عسيرٍ لم يعد من الممكن تجنبه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1079