هل ستنطلق عملية عسكرية صينية في تايوان؟
ملاذ سعد ملاذ سعد

هل ستنطلق عملية عسكرية صينية في تايوان؟

يشتد الصراع الصيني الأمريكي حول تايوان بعد حملة تصعيدات أمريكية جديدة سواء بالشكل المباشر منها أو غير المباشر عبر حلفائها ووكلائها.

يبدو أن واشنطن تمضي في استفزاز الصين في مسألة تايوان، واليوم يشهد الملف تطوراً مهماً وخصوصاً أن واشنطن تُظهر تمسكاً بتجاوز «الخط الأحمر» الذي رسمته بكين، مما دفع وزير الخارجية الصيني وانغ يي لتذكير واشنطن بأن تجاوزها لهذا الخط ستكون له عواقب كبرى.

صفقة عسكرية

مؤخراً، أعلنت الولايات المتحدة عبر البنتاغون عن إبرامها صفقة مع تايوان من أجل مبيع وصيانة أنظمة الدفاع الجوي «باتريوت» فيها، وقالت وزارة الدفاع الأمريكية عبر بيانٍ لها: إن «عملية المبيع المقترحة ستعزز أمن المتلقي، وتساهم في الاستقرار السياسي والتوازن العسكري والتقدم في المنطقة» وتبلغ قيمة العقد 95 مليون دولار للمبيع، وصفقة بقيمة 100 مليون دولار لبيع معدات دعم وصيانة نظام الدفاع الجوي.
وقد ردت الصين على الأمر بعدة تصريحات، منها ما قاله المتحدث باسم الخارجية تشاو لي جيان: إن هذا الأمر يعد انتهاكاً خطيراً لمبدأ الصين الواحدة، ويقوض سيادة الصين وأمنها ومصالحها، وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية تان كيفي: إن بيع الأسلحة الأمريكية لتايوان ينتهك «البيانات الثلاثة المشتركة بين الولايات المتحدة والصين، وهو تدخل سافر في الشؤون الداخلية للصين، ويلحق ضرراً خطيراً بسيادة الصين ومصالحها الأمنية».

التدخلات الأمريكية

لاحقاً، أعلنت قناة فوجي الإخباري التايوانية أن رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي تعتزم زيارة تايوان مستقبلاً، مما استجلب ردود فعل صينية أيضاً، حيث قال المتحدث باسم الخارجية لي جيان: إن «الصين ستتخذ بالتأكيد إجراءات حاسمة لحماية السيادة الوطنية وسلامة أراضيها، وستتحمل الولايات المتحدة الأمريكية المسؤولية الكاملة عن جميع العواقب».
وكان قد وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو قد أعلن في الثاني من آذار الماضي خلال زيارته لتايوان: أن على الولايات المتحدة الأمريكية الاعتراف دبلوماسياً بتايوان واستقلالها على أنها «دولة حرة وذات سيادة» وقال: «أرى أن حكومة الولايات المتحدة يجب أن تتخذ على الفور الخطوات الضرورية التي طال انتظارها للقيام بالشيء الصحيح والواضح، وهو تقديم الاعتراف الدبلوماسي لجمهورية الصين «تايوان» من أمريكا كدولة حرة وذات سيادة».

تحالفات

وقال وزير الخارجية الصيني وانغ يي: إن هدف الولايات المتحدة الأمريكية في المحيطين الهندي والهادئ يتمثل بمحاولة إنشاء نسخة جديدة للناتو، في إشارة إلى التحالفات السياسية والعسكرية التي نشأت كتحالف أوكوس الذي يضم الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، ولاحقاً التحالف الذي يضم الدول الثلاث مع الهند، فضلاً عن سلوك اليابان أيضا،ً والذي دعت الخارجية الصينية إلى وقف استفزازاتها حول تايوان، كما حذرت وزارة الدفاع الصينية أستراليا بأنها ستدفع «ثمناً باهظاً إذا أصرت على السير في المسار الخطأ للتدخل في الشؤون الداخلية للصين».
تؤكد بكين على أن الصين دولة واحدة وتايوان جزءاً لا يتجزأ منها، وتؤكد رفضها ومواجهتها لأية طروحات انفصالية يجري ضخها في تايوان خارجياً وداخلياً.

أحاديث حول حرب تايوان

بالتوازي مع ما يجري في أوكرانيا، انطلقت مختلف الأحاديث والتحليلات المتعلقة بتوقعات وتنبؤات، بأن يجري أمرٌ مشابه، حيث تطلق الصين عملية عسكرية لها في تايوان، خاصة وأن الجيش الصيني يؤكد مراراً عدم تسامحه مع الأفعال الانفصالية لتايوان، وتحذير الخارجية الصينية الشهر الماضي من أنه «إذا حاول الجانب الأمريكي ترهيب الصين أو الضغط عليها من خلال مثل هذه الخطوات، فإننا نود أن نحذر الولايات المتحدة من أنه أمام السور الفولاذي العظيم، الذي شكله 1.4 مليار صيني، فإن أي ترهيب عسكري هو مثل بقايا من قطع الحديد مثيرة للشفقة»، وقال وزير الدفاع التايواني تشيو كوه تشينغ: إن «لا أحد يريد حرباً... سيكون ذلك كارثياً للجميع».

هل سيجري ذلك فعلاً؟

إن جميع المؤشرات السابقة، من صفقات السلاح إلى التحالفات العسكرية وصولاً إلى التصريحات الاستفزازية الغربية وغيرها من الأمور، إنما تدل بالدرجة الأولى على رغبة الغربيين بنشوب صراع مسلح في تايوان، حيث يكون الأمر «مستنقعاً» آخر لاستنزاف الصين عسكرياً، الأمر الذي تعيه بكين بطبيعة الحال، ومن جهة أخرى، فإن المقارنة بين الأمرين خاطئة بحد ذاتها، ويمكن الاستناد بذلك لتصريح وزير الخارجية الصيني وانغ يي، أن الاختلاف الأساسي هو: أن تايوان شأن داخلي حصري للصين بينما قضية أوكرانيا يعد نزاعاً بين الدول.
من وجهة نظر الصين، فإنها تحاول دفع حل المسألة سياسياً وسلمياً عبر الحوار، وذلك تحديداً لأنه شأنٌ داخلي، فأي حل عسكري للأمر، ورغم أن نجاحه مضمون أساساً، سيخلف ثغرات وتناقضات تتفاعل لتتفجر لاحقاً، ومن جهة أخرى، فإن التراجع الأمريكي والغربي الموضوعي والمزمن، سيضعف من وزن الطروحات الانفصالية لتايوان بطبيعة الحال مستقبلاً، مما يرفع من التوجه نحو حل الملف سياسياً وسلمياً.
الأمر الذي تراهن عليه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، هو درجة صبر بكين على استفزازاتهم المستمرة قبل أن تطلق عمليتها العسكرية في تايوان، وتكاد لا تخلو صحيفة غربية من مقالٍ يتحدث حول الأمر، بل وأكثر من ذلك، تحلل عسكرياً تفصيلات قدرات الصين وتايوان على مواجهة بعضهما البعض.
لا يمكن استبعاد أن تقوم بكين بعملية عسكرية واسعة من هذا النوع في تايوان، إذا اقتضت الضرورة ذلك، لكن المؤشرات الصينية– رغم مختلف التحذيرات التي تصدرها بكين عبر خارجيتها أو دفاعها– تفيد بأن بكين لا تزال تسعى وتدفع نحو حل الملف سياسياً، وإن اقتضى الأمر حدوث نوعٍ ما من صدام عسكري ما، فمن المرجح أنه لن يكون في أو مع تايوان، وإنما مع القوات العسكرية الأمريكية أو حلفائها المتواجدين في المحيطين الهندي والهادئ، خاصة إذا اتخذت المناورات العسكرية العديدة بعين الاعتبار، والتي تجري كل حين في المنطقة، ليكون السؤال الأبرز هو: هل تستطيع الولايات المتحدة تحمّل مثل هذا النوع من التهديد؟ أو أنها قادرة على مواجهته في ظل أزمتها المتفاقمة؟ ومن الذي سيستنزف فعلياً بالمحصلة؟ صاحب الاقتصاد الأقوى والماضي في نموه أم المتأزم؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
1065