هل تعود باكستان للفلك الغربي أم تفشل مساعي واشنطن مجدداً؟

هل تعود باكستان للفلك الغربي أم تفشل مساعي واشنطن مجدداً؟

التقديرات الأولية حول خطورة التطورات في باكستان أصبحت أمراً واقعاً بعد أن نجحت المعارضة في حجب الثقة عن رئيس الوزراء عمران خان في جلسة حامية استمرت بالانعقاد حتى فجر اليوم الأحد 10 نيسان الجاري، فهل أنهت هذه الجلسة الملتهبة الأزمة السياسية؟ أم أنها دفعت البلاد نحو مواجهات أشد؟ الكثير من الاحتمالات موضوعة على الطاولة، فما الذي يمكن توقعه؟

أعطت استجابة رئيس الجمهورية عارف علوي لطلب رئيس الوزراء عمران خان بحل البرلمان انطباعاً بأن خان نجح أخيراً في تجنب محاولات الإطاحة به مؤقتاً، والتي تقودها داخلياً قوى من المعارضة مدعومة من قبل واشنطن. إلا أن الأحداث المتسارعة في الأسبوع الذي وصفته الصحف الغربية «بالأكثر درامية» انقلبت مجدداً بعد أن طعنت المحكمة الدستورية الباكستانية بقرار رئيس الجمهورية، ووصفت طلب خان بحل البرلمان بأنه خطوة غير دستورية، لينطلق الملف مجدداً إلى البرلمان الذي سيطر ائتلاف المعارضة فيه مؤخراً على أغلبية المقاعد، بعد استمالة بعض داعمي خان السابقين، مما مكنه التصويت على حجب الثقة في نهاية المطاف.

المعلقات الغربية في الدفاع عن الديمقراطية

تتناول معظم وكالات الأنباء الغربية التطورات في باكستان من زاوية محددة في محاولة ضعيفة لتحييد انتباه المتابعين عن الحدث الأساسي الجاري، فتقدم تطورات الأزمة السياسية في البلاد بشكلٍ مسطح، وتصبح الرواية الغربية شبه الرسمية: أن عمران خان لم يفِ بوعوده البراقة بتخليص باكستان من الظروف الاقتصادية العصيبة التي عاشتها، ولذلك بدأ يفقد الدعم الذي تلقاه من البرلمان، ليصبح توجه المعارضة لحجب الثقة عنه تطوراً طبيعياً «للأجواء الديمقراطية» في باكستان، والتي حاول خان «تعكيرها» قبل أن يتلقى الضربة القاضية في مجلس النواب. لكن ما يغيب عن هذه الرواية، هو أن البرلمان الذي صوّت لصالح حجب الثقة كان منقسماً، واستطاع بصعوبة حسم النتيجة، ولم يحصل إلا على صوتين فوق الحد الأدنى الضروري، وهو ما يعكس درجة الانقسام بين أعضائه الذين غادر بعضهم الجلسة مقاطعاً بعد أن استقال رئيس البرلمان وانسحب هو الآخر من الجلسة، التي استمرت في الانعقاد حتى انتهت بحجب الثقة. لكنها لم تصوت بعد على الشخصية التي ستشغل منصب رئيس الوزراء مؤقتاً حتى الانتخابات القادمة.
الانقسام السياسي الحاد والذي ظهر في كل فصول هذه الأزمة لم يسلط الضوء كما يجب على دور الجيش الباكستاني في حسم هذه المسألة، فالأضواء في الأسابيع الماضية كانت متجهة بشكل أكبر إلى البرلمان الذي انقلب على عمران خان بشكلٍ سريع، مدعوماً بالمحكمة الدستورية، في مواجهة الحكومة ورئاسة الجمهورية، كما لو أن الجيش لا يلعب تاريخياً الدور الحاسم في القضايا السياسية الأساسية في البلاد. فالمعطيات جميعها تدل على أن الجيش الذي أعلن حياده في هذه المسألة- بعد أن ظهرت خلافات بين قائده وخان مؤخراً- قد وجّه في الوقت ذاته رسالة إلى المعارضة مفادها: أنه لن يعيق توجهها في البرلمان، مما أعطى لهذه «العملية الديمقراطية» زخماً كبيراً، وربما أنه أعطى إشارة كافية للأحزاب السياسية للاتجاه المطلوب من قبل المؤسسة العسكرية.

من ينقسم؟ وعلى ماذا؟

المعارضة الباكستانية والتي حكمت البلاد قبل خان لعقود وساهمت بدورها في إفقار الشعب الباكستاني ورهن مقدراته للغرب، وتكبيله بالقروض الخارجية الغربية، كانت قد وجّهت انتقادات للدعم الذي حظي به خان من قبل المؤسسة العسكرية، وأصرّت القوى الأساسية في المعارضة، أن خان لم يكن ليصل إلى مقعد رئاسة الوزراء دون دعم الجيش! مما يطرح سؤالاً جدياً: إذا كان الجيش الباكستاني القوة الأساسية في البلاد هو من أوصل خان إلى رئاسة الوزراء، فما الذي تغير حتى فقد هذا الأخير دعم المؤسسة العسكرية؟ يستطيع المتابع أن يصل إلى بعض الإجابات حول الخلافات التي ظهرت بينه وبين الجيش، والتي تمظّهرت على شكل خلافات حول تعيينات في مناصب قيادية في الجيش والمخابرات، إلا أن المسألة في العمق هي أن سنوات خان الأربع في رئاسة الوزراء، ترافقت مع تغييرات عاصفة في المنطقة، وقد انقسمت النخب السياسية والعسكرية في باكستان كغيرها من بلدان العالم حول الطريقة المثلى للتعامل مع هذه التغييرات، فعمران خان- والذي اشتهر بمواقفه الحادة من الولايات المتحدة، وسعيه لبناء علاقات متينة مع الصين وروسيا- كان يعبّر في واقع الأمر عن تيار كبير داخل باكستان لا يمكن حصره في شخص خان بأي شكلٍ من الأشكال، لا بل أنه يمثّل بلا شك قوى داخل المؤسسة العسكرية نفسها.
عمران خان بوصفه ممثلاً عن هذا التيار العريض في البلاد، قدّم إلى الجمهور وللمرة الأولى قراءة مختلفة لعلاقة باكستان مع الغرب، وأثبت أن هذه العلاقة كانت خاسرة، وتحمّلت البلاد تبعات كبرى في حرب أفغانستان دون أن تلقى التقدير اللازم من قبل الولايات المتحدة. ليؤكد مؤخراً رفضه للإملاءات الخارجية وحقّ بلاده بصياغة سياستها الخارجية، مؤكداً أنهم ليسوا بعبيد للغرب حتى يطيعوه. وقد كثّفت الصحفية الأمريكية باميلا كونستابل في مقالها المنشور في «الواشنطن بوست» كيف ينظر الغرب إلى خان، وقالت في نهاية مقالها: إن «خان حوّل بعد توليه للمنصب، ولاء باكستان للصين، وآثار في بعض سياساته وتوجهاته الذعر في واشنطن، فقد رفض قطعياً استضافة القواعد العسكرية الأمريكية، ورحب في استيلاء طالبان على السلطة في أفغانستان في العام الماضي، وسافر إلى موسكو عشية غزو أوكرانيا للقاء الرئيس فلاديمير بوتين».

حول ضلوع واشنطن في الأزمة

التأكيدات المستمرة التي يقدمها خان حول ضلوع الولايات المتحدة وقوى أجنبية في زعزعة الاستقرار في البلاد تتسق مع تاريخ واشنطن في التدخل بشؤون الدول، ومع طبيعة المرحلة الحالية، وخصوصاً أن سلوك عمران خان مع بدء العملية العسكرية الروسية شكّل تحدياً كبيراً للتوجهات الغربية، مما يجعّل توجيه هذه الرسالة أمرٌ ضروري بالنسبة لواشنطن، فقيام بلد مثل باكستان بتحدي الغرب بهذا الشكل، وفي هذه اللحظات بالذات، أمرٌ واسع التأثير، وخصوصاً أن باكستان تدور في فلك الغرب منذ استقلالها نتيجة انفصالها عن الهند في 1947، ولذلك يبدو أن واشنطن لن تقّبل هذا التحوّل بسهولة، وتحاول في خطواتها هذه أن تعيد خلط الأوراق في باكستان أملاً في أن تصل إلى نتائج مختلفة، لكن المثير للانتباه في هذه المسألة أنه وعلى الرغم من التضارب في المواقف بين عمران خان والجيش حول بعض المسائل، إلا أن كلا الفريقين كانا متفقين على ضرورة الحفاظ على العلاقات المتينة مع الصين، فمن بين المؤشرات الكثيرة كان اللقاء الذي جمع في نهاية شهر آذار الماضي عضو مجلس الدولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي مع رئيس أركان الجيش الباكستاني الجنرال قمر جاويد باجوا، والذي أشاد بالسياسة الخارجية للصين، وأعرب عن دعمه لها، وأضاف إن «الصين تنتهج سياسة خارجية متوازنة وثابتة، وتلتزم بالسلام والتنمية العالميين، وتؤدي دورها كدولة كبرى مسؤولة في القضايا الدولية الساخنة، وأعلن دعمه لموقف الصين من الأزمة الأوكرانية واستعداده للتواصل والتنسيق مع بكين في هذا الصدد.
مجريات اللقاء بين الوزير الصيني ورئيس الأركان الباكستاني، تؤكد مجدداً أن الجيش في باكستان يدرك أهمية الحفاظ على العلاقات مع الصين شأنه في ذلك شأن التوجه في الحكومة السابقة، لكن القفزات السريعة التي كان فريق عمران خان يحاول القيام بها لم تتوافق مع لياقة البعض في باكستان، والذين يدركون على ما يبدو أن باكستان ستنتقل موضوعياً نحو الشرق، ولكنهم يرغبون في إتمام هذه العملية بخطوات تدريجية، لكنهم يغفلون بذلك أن طبيعة المرحلة ستفرض عليهم إتمام هذا التحوّل سريعاً، وتحديداً أن المركب الغربي يغرق بوضوح.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1065
آخر تعديل على الإثنين, 11 نيسان/أبريل 2022 13:27